رشيد شاهين
لم أتردد بتلبية الدعوة التي وجهت لي من قبل الأستاذ الكاتب سليم دبور لحضور الفيلم الذي قام بكتابة نصه وحواره ذلك أنني كان لدي فكرة عن الفيلم قبل أن يتم عرضه بشكل افتتاحي في مدينتي بيت لحم ورام الله والحقيقة أنني لم أكن أتوقع هذا النجاح للعرضين الأولين حيث كان الحضور لافتا خاصة في بيت لحم وبرغم أن العرض للفيلم في رام الله كان في اليوم الأول من رمضان وبتوقيت قد لا يكون موفقا من قبل المنظمين إلا أن حضورا جيدا كان موجودا في قاعة القصبة.
من المعروف أن حالة الانقسام التي حدثت بين شطري الوطن والتي جاءت على أرضية الاختلاف بين حركتي حماس وفتح أصبحت محط اهتمام الشارع الفلسطيني بشكل عام والشارع المسيس والمثقف بشكل خاص ويبدو أن معالجة الأستاذ سليم دبور كانت على هذه الأرضية واعتقد بان تعرضه لهذا الإشكال كان فيه الكثير من التوفيق عدا عن المصداقية، لا بل هو عبر عن الواقع بشكل عميق ولامسه بطريقة فيها الكثير من الاستقلالية والموضوعية بحسب ما أرى شخصيا.
الملاحظ في هذا الفيلم انه تطرق بشكل مباشر وبدون مداورة أو مجاملة للواقع الفلسطيني بغض النظر عما يمكن أن يقال في هذا الإطار فلكل رؤيته فيما يتعلق بكل المسائل الموجودة في الساحة الفلسطينية او في أية مسائل او مواضيع او قضايا مهما كانت ومن اي نوع، إلا أن هناك الكثير من الكتاب و المثقفين الذين يفضلون الابتعاد عن المباشرة في التعامل مع الكثير من القضايا لا بل إن البعض يضفي من الرمزية الكثير على المسائل بحيث يضيع المعنى الحقيقي أو الهدف الحقيقي وراء المعالجة لأي إشكال أو ظاهرة وخاصة السلبي منها والتي قد تكون ذات أبعاد مدمرة للمجتمع الفلسطيني إذا لم يتم التعامل معها بدون مواربة أو بشكل علني وبدون تردد أو محاولات للتجميل أو تخفيف الوطأة، ويمكن القول بان البعض يقوم بالكتابة او التعرض لهذا الموضوع او ذاك كنوع من رفع العتب او المجاملة وذلك حتى لا يتعرض ربما للوم او العتاب وهذا ما لم يفعله الأستاذ دبور.
يمكن القول بان الكاتب استطاع أن يعبر عن الواقع الفلسطيني بشكل حقيقي وانه عالج بكل شجاعة ما يدور على الأراضي الفلسطينية سواء من خلال الصراع الدائر بين فتح وحماس في محاولاتهما السيطرة على الساحة وفرض وجودهما بغض النظر عن الوسائل والأساليب أو من خلال الإشارات الواضحة والصريحة إلى ضعف الفصائل الفلسطينية الأخرى سواء اليسارية او غيرها والتي لم ولا تزل لا تستطيع التعامل بشكل فاعل من خلال وضع حد للحالة المزرية والبائسة التي يقود إليها صراع فتح وحماس، وقد أثبتت الأحداث المتسارعة والمستمرة منذ ما يزيد على العام على أن جميع القوى والفصائل الوطنية والإسلامية لم يكن لها أي تأثير في الساحة وأثبتت بأنها عاجزة عن تحريك الشارع والجمهور الفلسطيني للقيام بأي دور لوقف التدهور والانزلاق نحو الهاوية، هذا عدا عن الإشارات الواضحة الأخرى التي تحدثت عن مظاهر النفاق والأيدي الخفية التي تتدخل في الشأن الفلسطيني والتي لا تستبعد وجود أصابع الاحتلال والعملاء عدا عن ظاهرة النفاق والتسلق التي تجلت من خلال شخصية بائع الكعك في الفيلم.
الأستاذ دبور تعامل بشكل واقعي مع ما يجري في المجتمع الفلسطيني من خلال تصوير الخلاف بين الإخوة في العائلة الواحدة وهذه على أي حال ظاهرة منتشرة وموجودة بكثرة في المجتمع الفلسطيني كمجتمع “سياسي أو مسيس” وهي موجودة بالتاكيد ضمن العائلة الواحدة في كثير من الاحيان ويمكن القول أن هناك ما هو أسوا مما تم تصويره في الفيلم ويحدث بشكل شبه يومي في العائلات الفلسطينية ويمكن الاستماع إلى عشرات القصص الحقيقية التي تحدث في الواقع.
لقد تابعت النقاشات التي دارت بعد الانتهاء من العرض في القصبة، ولا أدعي أنني ناقدا فنيا إلا أنني استطيع القول بان الكثير من الملاحظات والإشارات كانت تصب في اغلبها لصالح الكاتب بغض النظر عن بعض الأصوات التي تحدثت من خلال خلفيات اعتقد بأنها تنظيمية أو إيديولوجية، إلا أن ما يمكن استخلاصه هو انه لم يكن هنالك إمكانية للحصول على شيء أفضل مما كان في ظل إمكانيات مالية محدودة.
الفيلم الذي استمر قرابة أربعين دقيقة وبرغم الإمكانيات البسيطة المتاحة عالج الكثير من القضايا ولا يمكن المطالبة بأكثر مما تم تقديمه إلا انه كان مؤشرا على وجود إمكانيات وقدرات ابداعية كبيرة في مجال العمل السينمائي سواء فيما يتعلق بالممثلين – من ناحية الأداء على الأقل بالنسبة لي- أو كتابة النص والسيناريو – لا يمكنني التعرض إلى الإخراج لأنني لست متخصصا في هذا الشأن- ونعتقد بان ما نحن بحاجة إليه هو وجود شركات للانتاج أو ممولين ومستثمرين من اجل النهوض بهذا القطاع الذي من خلاله يمكن تعريف المجتمع العربي على الكثير مما يحدث هنا على ارض فلسطين، وربما تكون هذه مناسبة أو فرصة لدعوة السلطة الفلسطينية والمعنيين فيها وكذلك لأصحاب رؤوس الأموال – نعلم بان رأس المال جبان لكن هناك الكثير من المسائل التي ترتبط بالقضية الوطنية والتي هي بحاجة للتضحية- من اجل توجيه ولو جزء بسيط من اهتمامهم لهذا القطاع.
رام الله
9-9-2008