دماء على ضفاف النيل
نفذت مصطلحات العزاء ومعها لقب شهيد من قواميس اللغة ومعاجم الالفاظ فالمصريون استهلكوا مخزون هذه الكلمات واصبح من واجب اهل اللغة ان ينحتوا لنا كلمات جديدة تعبر عن القتلى وتواسي الثكلى في هذا المشهد الرديء الذي تنزلق اليه ارض الكنانة بتسارع مرعب وبايدي ابناءها الذين يظنون ان ما يفعلونه بمصر اليوم يسمى ثورة .
ابدا ايها السادة , هذه محرقة وليست ثورة , فالثورة عمل يهدم من اجل البناء , اي انها تهدم عصر الفساد والاستبداد لتبني على انقاضه ما يصلح حال اهل الثورة وجمهورها , اما ما يجري اليوم في مصر فهدم من اجل الهدم فقط حتى اخال هؤلاء لا يتورعون عن هدم الهرم وردم النيل ان استطاعوا الى ذلك سبيلا, وهل هدم الدين اقل سوءا من هدم الهرم .
اعلم ان للحاكم الجديد اخطاء لكنها لو قيست بميزان عادل منصف لما استحقت اكثر من مقال في جريدة ينتقد الاداء ويؤشر على ما كان من الأفضل ان يكون , اما ان تتحول معظم الأقلام ومعظم الشاشات الى ما يشبه مضخم الصوت العملاق الذي يدعو جهارا نهارا الى تدمير كل ما انجزته الثورة عبر صناديق الاقتراع والعودة بالناس الى ما قبل الثورة بل والاعتذار للمخلوع فهذا مشهد غريب لا اجد له وصفا .
عندما تولى الرئيس ظن ان مصر تعاني من بين ما تعانيه مشكلة تراكم القمامة في الشوارع لكنه تبين بعد ذلك ان القمامة متراكمة في مدينة الانتاج الاعلامي وفي الداخلية والخارجية والشرطة والامن المركزي والجيش والاحزاب الليبرالية بل وبعض الاحزاب الاسلامية بل وعلى منابر بعض المساجد وقاعات بعض الجامعات اضافة الى الشوارع وجهات اخرى كثيرة لا نعلمها الله يعلمها .
حتى ساعة كتابة هذه الكلمات لم اسمع او اقراء عن مصدر اعلامي مصري مستقل انه اشار الى شيء حسن واحد قام به الرئيس منذ توليه , حتى صلاة الفجر في المسجد وصلاة الجمعة ذكرت على سبيل الانتقاص من الرئيس وسياساته ووجهوا اللوم للرئيس لانه يحافظ على الصلاة في المسجد بينما لم اسمع احدهم لام المخلوع لأنه لم يكن يؤدي صلاة الفجر في المسجد , اليس في ذلك قلب للمفاهيم ؟
حجم الكراهية المبثوث على الهواء مباشرة في فضائيات العار وحجم التحريض يجعلني اقول ان سياسة شيطنة الاسلاميين لخمسين عاما قد آتت اكلها وأنتجت جيلا لايستهان بعدده وعدته من الاعلاميين والصحافيين بل والناس العاديين الذين يكرهون كل ما يمت للاسلام السياسي بصلة ولا يستطيعون هضم فكرة اخراج هذا الدين من بوتقة الدين الشعائري الى فضاء الدين الذي يصنع الحياة ويهدي المجتمع .
الرد على هذه الفكرة في فضائيات العار جاهز دائما فكلهم مسلمون بل ولهم من الاسماء ما حمد وعبد وكلهم من اهل الصلاة والتقى والورع بزعمهم لكنهم برغم ذلك يكرهون ان يحكمهم رئيس ملتحي او ان يرفع الاذان في البرلمان او ان تظهر مذيعة محجبة على شاشة التلفزيون , انهم باختصار اهل الدين الشعائري الذي نستدعيه عند الزواج او الطلاق او الموت ونضعة في الثلاجة باقي ايام العمر.
لقد تابعت من بعيد وبشغف شديد كل ما يخص الثورة المصرية واصبحت خبيرا في مشاكل السولار والدولار والخبز والبلطجية والمطالب الفئوية والفلول ومن فللهم والقمامة والسير والمياه الملوثة والقلوب الملوثة ايضا وادمنت على متابعة نجوم التوك شو في كل مساء حتى ظننت اني اعيش الحدث مع اهله ولكن ان يصل الأمر الى حد ان اصبح ممن قتلوا مصر او اشارالى قتلها فلا والله لا استطيع .
ساطفيء التلفاز اللعين والغي كل حساب لي على مواقع التواصل الاجتماعي وسوف امتنع عن متابعة ما تفعلونه بانفسكم وبمستقبلنا الذي ارتبط بكم فاذا كان لا بد من الموت فاني افضل الموت دون سابق انذار فهذا ارحم من الموت الذي ياتي على موعد مسبق معلوم .
كان الله في عون مصر على كيد بعض المصريين .




