ما يحدث في مدينة الثورة (الصدر)، بعد الذي حدث في الفلوجة، ديالى، البصرة، وغدا الموصل، وغيرها، حلقة جديدة في مسلسل اخفاقات العملية التي سميت سياسية، وهي عسكرية طيلة عقود الاحتلال الخمسة الماضية، قتالية، غير متكافئة، بين مسلحي حكومة ناقصة، شرعيتها تآكلت حد الصفر، بضرب ناخبيها جملة ومفرد، بتجاوز على مدينة فقيرة لها طموحات وطنية، وبين مدنييها الذين احتفظوا بسلاح في بيوتهم دفاعا عن أنفسهم مع غياب القانون في حال غير طبيعي للعراق، خاصة مع تكديسه في الشمال.
إنها عملية يديرها من الطرف الرسمي ناس لا عقل سياسيا لهم أثبتت الوقائع، ولا قيامة حقيقية لهم ولها لولا دعم قوات أجنبية، هنا أساس النكبة العراقية، عقلهم طائفي عنصري فردي أناني، مرتكز على انتفاع شخصي مما يجري، ضمن شرعية مفترضة مشكوك بها استُهلكت بعد خمسة أعوام قتل وتدمير في أرجاء العراق، ونهب بلا حدود على كل المستويات، فاتسع المعارضون والمقاومون لحكم مضطر من خيبته، بضيق أفقه الطائفي والعنصري، لتنفيذ اجندة غير مثمرة ولا وطنية.
لا يهم مَن على رأس الضاربين المضاربين بوحدة الوطن واستقراره فجلهم متورط حتى باعترافه خفية أو عن مقدرة في عملية فقدت مصداقيتها أكثر فأكثر يوما بعد يوم، ولا يستطيع التراجع عن غيه، لأكثر من سبب، ما يؤشر إلى أن الحكم زج نفسه حتى النهاية في زجاجة تلك العملية وآن أوان كسرها، لتحرير القوى المحشورة فيها في الأقل، وتحرير الوطن المدمر وإرجاعه إلى وحدته أساس وجوده السوي وحياته.
الحكم يزعم أنه يحارب الإرهاب، أي إرهاب هذا استمر كل هذه الأعوام المفعمة مصائب على هذه الرقعة الفسيحة من الوطن، مع تزايد وتنوع الرافضين له، من اقصى اليسار إلى أقصى اليمين بمصطلح الأمس، ومن أقصى الحدود إلى أقصى الحدود، بمصطلح الجغرافيا والتأريخ داخل الوطن وخارجه. الرافضون له من كل الطوائف والملل سمعت جماعة الخضراء ذلك جيدا أم لم تسمع، استطاعت إعادة أعداد اللاجئين الغفيرة منهم في الخارج إلى الداخل للسيطرة عليهم وتجنب تنامي معارضة ديمقراطية حقيقية هناك أم لم تستطع، هي تنجح في ذلك، فمعظم ادارات الهجرة في البلدان العربية تدير ظهورها الآن لهم بضغط أو لتبادل مصالح بعد نضوب الجيوب وغلاء الحبوب، لكن عودتهم هذه لن تكون محمودة العواقب لأحد مع دوام المشكلة وتفاقمها بعيدا، البعض يفهم ذلك الغلاء ورخص العقار والدولار علامة حرب آتية جديدة.
يدعي شيخ الجماعة الخضراء سعيا إلى مصالحة لإنقاذ البلد، ويرفع المالكي إياه الدائر في فلك وما ملك يده ضد الطرف الأهم لعملية المصالحة، البعث نعم، بفيتو لم يخوَّل حق استعماله إلاّ إذا خفية من احدهم يتجنب كشف الوجه. مصالحة مع مَن ومتى وأين وهذا العراق يحترق؟ مع أم اللبن؟ تعرف يا حاكم العراق، لستُ من أي حزب، أنا ابن الوطن الذي لم يبع نفسه لأحد، أعطيت عمري لصياغة تأريخه المضيء والمظلم أدبا عرفه وقدّره أكثر من جيل، فهمت وحاولت الإفهام لا جدوى مما يفعله مسلحون مدعمون بطائرات الأجنبي ومنهم أكثر من ألف رفض الانصياع لقتل أخيه وألقى سلاحه في بطولة اخلاقية يحسد عليها. والسلاح فهمتُ منذ أعوام لا يحل هنا المشكلة، هي ليست مشكلة عسكرية بين قيادة وطنية ومتمردين، أو عصابات اجرامية كما وصفتَ، بل كما هو واضح بين مَن لا يجيد سياسة أهله، ترك يده على السلاح طليقة، وقيّدها أو قيّدوها له أمام حل تفاهمي سياسي سلمي، وبين أهل ما أحبوا الشقاق كما قيل، لكن أحبوا العراق.
نذكر انتفاضة آذار بداية التسعينات ضد صدام، في ثلاثة أيام خمدت، وأنتم الآن في العام السادس والنار مضرمة ومعكم جيوش أمم وما استطعتم إخمادها وما زلتم تدورون حول أنفسكم، العلة ليست في الواقع إذن، بل كيف يُفهم ويدار هذا الواقع ومَن يديره. نعم، ليس العراق المشكلة بل كيف يدار ومَن يديره.
اللائمة والعتبى على هذه الفوضى الضاربة أطنابها في بلدنا طيلة عقود ليست على المتورطين فقط بعملية بدأت سياسية خرقاء منذ البداية وتطورت تآمرية واستمرت وانتهت دموية، ولا أقول المورَّطين، هم راشدون، ذهبوا بوعي مصلحي ناقص إلى ورطتهم، وبأنانية انغمروا فيها، خدعوا أنفسهم، وما خدعهم الآجنبي، فلو كانوا توقفوا عند احتباس الضمير وحاسبوا كشريك في الأقل لشريك يدفع عن فطنة تبدّت غفلة إلى تورط تنفيذا لمصلحته، ما استطاع أرغامهم على قبول المَعيبة. هو إئتلاف الراغبين الحر. هكذا أسموه. اللوم بعدهم وقبل توجيهه لأجنبي يقع أيضا على معارضين ومقاومين وثائرين، لنبذ بعضهم بعضا. مَن كان مخلصا للعراق لا يكره مَن أحبه وأراد له مثله الخير والوفاق. صدريون، بعثيون، ليبراليون، قوميون، شيوعيون، عربا، كردا، هم أخوة، أمهم أرض العراق، أبوهم الأعلى سماؤه.
يمجد العراقيون حاكمهم حين يلجم الانفصاليين واللصوص والطائفين، ويُلعَن إلى الأبد حين يضرب وطنييهم ورموزهم. ذاك تأريخهم مليئ بالعبر، قد ازدهر لمن اعتبر.
ارفعوا ايديكم عن الثورة (مدينة الصدر) وكفاكم تفكيرا بأنفسكم فقط.