انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تمثلت في مسارعة بعض السياسيين، والكتاب الأيديولوجيين، إلى محاولة نقد و تفنيد كل جديد يعلن عنه على صعيد المحاولات والمبادرات التي تنشأ بهدف بلورة و تنظيم جهود العاملين في الشأن العام من مفكرين، ومثقفين، وكتاب، وغيرهم.. وقد وصل بعضهم إلى التخوين والقدح والذم وغير ذلك.!
وإن كان بعض المسارعين إلى ذلك، ينطلق من نوايا ودوافع مكشوفة، فإن الفعل بحدِّ ذاته يشكِّل تعبيراً عن الممانعة التي تبديها المجتمعات العربية من واقع بناها الموروثة أولاً وأنظمة الحكم السائدة التي تحتكم إلى مصالحها المباشرة ثانياً والأمراض المتأتية من هاتين الحقيقتين والتي تنتشر في أوساط النخب..!
إن هذا البعض من الذين يشهرون أقلامهم أو ألسنتهم يحملون مساطر تصنيفية مغرقة في التبسيط والكذبولوجيا لكن هذه المساطر قد لا تقل ضراوةً عن مساطر الحكام، والفقهاء التكفيريين من كل نوع..! وأصحابنا السلبيين لا يتورعون عن إصدار الأحكام الفورية الجاهزة وفق مساطرهم الاستئصالية الآيلة إلى الاغتيالات المعنوية لأصحاب المبادرات المختلفة.! وقد تزايد عدد هؤلاء مؤخراً بحيث صار يمكن لهم أن يبادروا بدورهم لتأسيس رابطة يسمونها: رابطة السلبيين العرب تنافس وبالضد من الروابط والمنظمات التي تقوم هنا وهناك.!
أكثر ما يقلق في جبهة السلبيين هذه هو رفضهم الفوري و المطلق لأي تغيير فكري ذاتي يقدم عليه المرء بفعل المراجعة التقييمية التي تفرضها جملة التحولات والتطورات المتسارعة والتي أصبحت سمة العصر وذلك في ميادين المعرفة، والممارسة، والاجتماع، والاقتصاد، وإلى ما هنالك من مجالات الحياة..! فتراهم يسارعون إلى نبش السير الذاتية لتذكير الناس بالماضي الأيديولوجي أو السياسي لهذا أو ذاك بما معناه أن من كان يسارياً ماركسياً أو قومياً ناصرياً فعليه أن يبقى كذلك إلى أن يغادر هذه الحياة الغائمة.! نعم ممنوعٌ عليه أن يرتقي أو يتراجع في طريقة ومحتوى تفكيره.! وممنوعٌ عليه أن يعي ما يستجد و بما ينسجم مع الراهن في الفكر والسياسة والواقع.! وممنوعٌ عليه أن يستعيد فهم ما غيِّبته الصنمية الأيديولوجية ذات مرحلة.! ممنوعٌ عليه وقفة للتقييم والمراجعة بعد كل مرحلة..! التغير والتطور ممنوع وفق منطق السلبيين أولئك أما المراوحة في ذات الدائرة فهو المستساغ عندهم لأن ذلك يعني الثبات والصمود والاستمرارية وربما الجهاد والتصدي للمشاريع إياها…!
وأكثر ما يدفع إلى الاستغراب أو الاستهجان، هو المنطق السلبي الذي يرتكز أصحابه إلى ربط كل ما يستجد في ميدان المبادرات التي تشكِّل محاولات اختراق للثقافة السائدة بمؤامرات الآخر الذي هو عدو دائم وأزلي …! فأصحاب المبادرات لن تفيدهم في شيء سجلاتهم العدلية فهم ما إن يلوذوا إلى عقولهم حتى يُصنَّفوا في خانة أعداء الأمة الأشرار وإلا كيف يصبح مثلاً الشيوعي ليبرالياً أو القومي ديموقراطياً أو المتدين متنوراً..!؟
السلبيون العرب بيقيناتهم الراسخة، وتصنيفاتهم ( الفاسخة )، يحتكرون الوطنية بعنجهية لقيطة وبحكم العادة بعد أن سبقهم إلى احتكارها السادة، والقادة ومن لفَّ لفهم..!؟ وبالرغم من كونهم يقفون على أرضيات مختلفة المنشأ، وبطبعات متنوعة، وخلفيات منها المستور ومنها المكشوف، فإن ما يجمعهم، ويؤهلهم لتشكيل رابطة كغيرهم، هو العداء الصريح لأي حراك عقلاني تنويري محتمل..! لذا، لن يكون الحوار معهم مجدياً البتة وذلك لأنهم مجرّد رد فعل..! أساساً هم يرون أنفسهم خارج الجدوى من أي حوار..! لقد كانوا من البداية خارج دائرة الفعل الواجب، والمفتقد، والمغِّيب.!؟