كل يوم.. كل يوم.. في ذات الساعة العاشرة مساءٍ..أدخل في السرير ..وتأخذني أمي في حضنها لتهمس في أذني؛ في سالف العصر والأوان..كان فى..هنـــاك ؛ سيدة صُغننة تسكن حجرة صُغننه .. وكل حاجتها صُغننه …وتظل أمي تُعدد وتُكرر كلمة صُغننه ولا مليون مرة.. معلقة صُغننه ،كوباية صغننة ، سرير صغنن ، حذاء صغنن… صُغنن صُغنن ……. ومع كل كلمة ( صُغنن ، صُغننه ) أبكى وأتلوى من كثرة الضحك…ثم أذهب في النوم راكبا فرسه خيالي ………..مرت الأيام وصرت ( أرمح فى الشوارع ) ؛ طول بعرض باسم الله مشاء الله ولا أشاوس( صحوات) العراق ..ولكم ان تتخيلوا ( هِلفا ) يذهب يوميا ليشترى ( ربطات خبز ) ومن حيث لا يدرى.. أن ؛ عدد الأرغفة ( تنقص ) رغيفا ، والوزن (يخف )جرامات، والحجم ( يقل) سنتيمترات ..والسعر يصعد قروشا عديدة إلى السماء ..و يذهب إلى بيته راضيا مرضيا ؛ ليلتهم يوميا بمفرده ربطة خبز عن آخرها ولا يشبع !…ويوم بعد يوم يفتك الجوع بجسده أكثر وأكثر عما قبل… يرتاب في نفسه وتظهر على ملامحه الحيرة والشك ….يذهب إلى ( الصيدلية ) بسحنته ليشتكى كثرة الأكل بلا شبع.. فينصح الصيدلي بضرورة شراء( علبة ) مستوردة من دواء ( سد النِفس )..!.. تمر الأيام ؛ ويرى أن ( شريط الدواء ) يزداد هو الآخر فى السعر وتقل عدد حباته (حبة) تلو حبة … فيقبّل يديه ويقول في نفسه مستورة ولله الحمد من قبل ومن بعد ..ويتحسس بتوجس ( مصرياته ) ويخرج منها جنيها ورقيا ويرفعه عاليا أمام عينية بعد أن ارتدى ( عوينات القراءة ) فيرى وكأنه لم ير من قبل ؛ ان الجنية الورقي المحترم صار أصغر حجما عما كان وأقل ليونة ..فيحاول الاطمئنان على الفكه ( الفراطة ) فيراها أضحت من الألمونيوم المائع ..فيحاول تقبيلها بفمه ليعيدها كما كانت .. فيصعق صعقا حينما يرى آثار أسنانه واضحة على محياها … فيعجب أشد العجب من قوة أسنانه ( الشمشونية ) فيذهب إلى الطبيب خائفا مرعوبا ؛ ينصح الطبيب بضرورة إجراء تحاليل فورا ؛ وتظهر نتائج التحاليل الطبية ؛ فقر دم وهزال عام وجفاف .. ويأمر بضرورة( تناول ) عدة زجاجات من ( محاليل الصوديوم والجلوكوز ) ..يمكث بالمشفى عدة أيام للعلاج .. ويعود إلى بيته ؛ فينكرونه فــ يقسم لهم بأغلظ الإيمان ويعطيهم أمارات أنه هو هو ..ويجلس بينهم وينظر في أرجاء المكان ….فيرى سيدة صُغننة وكوباية صُغننة وسرير صُغنن ………وتلفاز صغنن بداخله ( مسئول حكومي كبير ) يقول كلام ( صُغنن ) يدّعى ان الدولار أنخفض واليورو أرتفع والطحين شطح والبترول شحط والمواطن ( سعره ) انكمش والوطن فقد سيادته…فيبكى ويهرول إلى حضن أمه ويهمس لها ؛ قول لي حدوتة الست الصُغننه فى البلد الصُغننه ………..