د/ نصار عبدالله
لم أشعر بأى قدر من الإشفاق على الرئيس الأمريكى جورج بوش
د/ نصار عبدالله
لم أشعر بأى قدر من الإشفاق على الرئيس الأمريكى جورج بوش عندما عرفت أنه سوف تحاوره مذيعة مصرية تتفوق عليه فى مستوى الذكاء بفارق شاسع ، ولكننى فى المقابل شعرت بقدر كبير من الإشفاق على المذيعة الذكية منى الشاذلى عندما عرفت أنها سوف تجرى حوارا مع الغبىّ جورج !! … لم أشعر بأى قدر من الإشفاق على بوش لسبب بسيط هو أن الذكاء المحدود نعمة كبرى من عند الله، من حيث أن صاحبه ـ بحكم محدوديته ـ يعجز دائما عن إدراك ماهو عليه من المحدودية!!، ويعجز بالتالى عن إدراك الفارق بينه وبين ذكاء من يتحاور معه مما يجعله يشعر دائما بالرضى والطمأنينة!! .. وأغلب الظن أن جورج بوش لم يشعر قط فى أى حوار أجراه أنه يقول كلاما غير منطقى أو غير مقنع أو غير مفهوم .. فهو ـ شأنه فى ذلك شأن سائر المحصنين ضد الفهم ـ دائما واثق تماما ، .. ومقتنع تماما، ..وسعيد تماما بما يخرج من رأسه !! . وبالمناسبة فإن جورج بوش ليس هو أول غبى يتبوأ موقع الرئاسة فقد سبقه إلى ذلك رؤساء شتى فى دول شتى …بعضهم وصل إليها برغم غباوته …والآخر وصل إليها بفضل غباوته!! ، ففى بلاد العالم الثالث على سبيل المثال كثيرا ما يكون الإنقلاب العسكرى هو المدخل إلى السلطة ، وفى هذا المجال فإن الشجاعة وسرعة اتخاذ القرار هى من أهم العوامل التى تحدد نجاح الإنقلاب أو فشله ، …وكقاعدة عامة ( وإن كانت لها بعض الإستثتاءات )، فإن الأكثر غباوة هو عادة الأكثر شجاعة ، لأنه بحكم غباوته عاجز عن تصور الأخطار والعواقب!! ، وكذلك فإن الأكثر غباوة هو الأسرع عادة إلى اتخاذ القرار!! لأنه عاجز عن الحساب من ناحية ، ولأنه غير مدرك لأهمية الحساب من ناحية أخرى!! ، والنتيجة العملية هى أن الأكثر غباوة بين أقرانه هو الأوفر حظا وهو الأقرب عادة إلى تبوأ السلطة فى تلك البلاد !! ، فإذا ما تركنا دول العالم الثالث وانتقلنا إلى الدول المتقدمة ، وبوجه خاص إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ودون اختزال مخل لذلك النظام المعقد فإن الذى يقدر له أن يصل إلى موقع الرئاسة هو عادة ذلك الذى تتوسم فيه المؤسسات والقوى الإقتصادية العملاقة أنه أقدر من سواه على خدمة مصالحها ، ومن ثم فإنها تحشد حوله من وسائل التأثير فى الرأى العام ما يكفل له أكثر من سواه فرصة الفوز، وكثيرا ما تفضل تلك القوى أن تلقى بثقلها وراء أقل المرشحين ذكاء ومعرفة ، وأبعدهم عن امتلاك رؤية سياسية ناقدة تمكنه من مراجعة ما تستهدفه مراكز صنع القرار ، حتى لا تضطر تلك القوى بعد ذلك إلى سلسلة من التصفيات الجسدية، أولها تصفية الرئيس نفسه بعد انتخابه ، ثم تصفية من قام بتصفيته ، وبعد ذلك تصفية من صفى ذلك الأخير!! ، وبذلك تتوه الحقيقة ويتوزع الدم بين المافيات الرأسمالية مثلما حدث مع الرئيس الأمريكى جون كندى عام 1963،… وللأمانة فإننى لست واثقا تماما من أن هذا هو الدافع الذى دفع بقوى اليمين الأمريكى أن يلقى بثقله مرتين وراء جورج بوش، لكن هذه الفرضية على الأقل هى واحدة من الفرضيات الممكنة التى يمكن أن نطرحها فى مجال تفسير اختيار واحد هو الأقل ذكاء على مدى تاريخ الرئاسات الأمريكية بأكملها ( كما تقول بعض المرا كز العلمية الأمريكية ذاتها ) ، وأيا ما كان الدافع الذى دفع بذوى المصلحة إلى مساندة بوش وتمكينه من النجاح رغم وجود بدائل لها نفس التوجهات، (وإن كان لها أيضا من الذكاء ما بدا فى أوانه أنه غير مطلوب وغير مرغوب فيه)، أيا ما كان الدافع فإننا نعود إلى لقاء منى الشاذلى وبوش الذى وجهت فيه إليه عددا محدودا من الأسئلة التى راعت فى صياغتها أن تكون وافية محكمة بحيث يشتمل كل سؤال فى أقل حيز ممكن على أكبر عدد ممكن من النقاط الفرعية التى تشغل بال المشاهد العربى ، وكانت النتيجة أن طالت بعض الأسئلة أكثر من اللازم ، وأقصد باللازم هنا هو حدود قدرة جورج بوش على الإستيعاب!!، ومن ثم فقد كان من الطبيعى جدا أن تخلو إجابته من الرد على بعض ما ورد فى أسئلتها، وإذا كانت السيدة منى الشاذلى قد استضافت بعض المعلقين لكى يحللوا تلك الإجابات ولكى يقدموا تفسيرا لأسباب ما اعتبرته تهربا من الإجابة عليها ، فإن أحدا منهم ـ ربما بدافع الديبلوماسية أو اللياقة ـ لم يتطرق إلى ذلك السبب البسيط والواضح ، وهو أن طول السؤال قد تجاوز سقف فهم بوش!.