محمدعبدالرحمن
الأسود الديمقراطي باراك أوباما والأبيض الجمهوري جون ماكين ، الأثنان على الصّفر حلقا رأسيهما في صالون (إيباك) كلازمة شرطية رمزية حتمية تأهيلية أخيرة قبل أن ينطلقا كمتسابقين رسميين إلى كرسي البيت الأبيض ، ففي هذا الصالون لا فرق بين رأس ديمقراطي أسود ورأس جمهوري أبيض أو العكس ما دامت القــُرعـة (بضم القاف) تعتمد القــَرعة (بفتح القاف) أساساً للعملية الإنتخابية في حسابات الصالونات الأمريكية الكبرى بقيادة (إيباك) .
العداءة العنيدة هيلاري كلينتون لم تخرج عملياً من السباق لأنها رفضت الحلاقة على الصفر بموسى (إيباك) ، بل العكس ، هي قدمت رأسها للحلاق الإسرائيلي على طبق مصنوع من خالص ذهب (العجـِل) العبراني ولكن ولأنّ لعبة ( الألوان) قد استحوذت على لب الجمهور الأمريكي فقد انعدمت حظوظها أمام القــَرعـة السـوداء فلو كان باراك أوباما أبيضاً لربما كان قد خرج من التنافس منذ الخطوات الأولى للسباق ، أما وقد شاء القدر أن يمنح أوباما العلامة الكاريزمية الفارقة في وقت بلغ فيه (البياض) الرئاسي البوشي حدوداً غير مسبوقة من الكراهية الداخلية كما الخارجية فقد رآى الكثيرون من الأمريكان البيض قبل سواهم في هذا المشاكس الأسود فرصة كاملة للتغيير الشامل فاقتنصوه كما لو أنهم يريدون به التعبير الدلالي الكثيف والصارخ في وجه بوش المعنى والمبنى والمرحلة : لقد مقتنا فيك حتى لونك جراء أفعالك.
مفاتن اللقيطة الصهيونية إذاً وبعد لازمة صالون (إيباك) لن تكون في قادم الأيام الأمريكية محل تنافس إندلاقي ـ إنزلاقي بين القَََـَرعتين الديمقراطية والجمهورية إلا بمقدار ما لبقية القضايا الأنتخابية من علاقة بها ، وهذا بالطبع ينحصر إلى حد كبير بالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط ، وعلى هذا الصعيد فما من فرق عليه القيمة بين رؤيتي أوباما وماكين ، فكلاهما تحت الشعار الستراتيجي الجامع المانع (إسرائيل أولاً ) سيمضيان في الترويج الإنتخابي لسياستيهما الشرق أوسطية واللتين ستختلفان بين أوباما وماكين تبعاً فحسب لتكتيكاتهما المكبلة سلفاً ، بدءً وانتهاءً ، بقيود الشعار إياه . وسواء تعلق الأمر بالأراضي الفلسطينية المحتلة أو بالعراق أو إيران أو لبنان أو سوريا أو أي مكان شرق أوسطي آخر ففي كل الأحوال لن يقدم أي من المرشحين على خرق الثوابت (الإيباكية) الكلاسيكية في حملته الإنتخابية.
بالنسبة لموضوع التسوية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي ولأن العقد المستعصية فيه لكي تتحلحل فإنها تحتاج إلى (معجزة) كما هو واضح وكما صرح مؤخراً المفاوض الفلسطيني أحمد قريع (أبوعلاء) فلا أوباما ولا ماكين بالرجلين القادرين على أن يقدما نفسيهما كمجترحي معجزات من العدم بعد أن استغل قادة الإحتلال الإسرائيلي كل الزمان بالإستيطان على ما تبقى من مكان يمكن لمارد المصباح السحري أن يتدبرعليه أمر الدولة الفلسطينية ، تلك التي لم يرفع بوش شعارها سوى لسد حاجة الذقون العربية الرسمية إلى ما أدمنت عليها من مخدرات الضحك على الذات .
وفي الشأن العراقي وإذ يعتقد أوباما بضرورة الإنسحاب الأمريكي المبرمج من العراق مترافقاً ذلك مع تفاهمات جوهرية شمولية (أيضاً مبرمجة) مع طهران النووية ذات الطموحات القومية والحوزوية المذهبية دون إغفال الخيار العسكري فلا يبتعد عنه ماكين في رؤيته كثيراً سوى لجهة التشدد المغالي والغطرسة الفاقعة وغيرذلك مما يطبع خطاب الجمهوريين المحافظين .
أما القضايا الخارجية الأخرى ذات الطابع التنافسي فهي بمجملها غير ذات جاذبية كبيرة بالنسبة للناخب الأمريكي إلا إذا استثنينا تلك المرتبطة منها مباشرة برفاهيته وأمنه ونمط حياته ، وهذه في الواقع مهما بلغت درجة تأثيرها على المزاج الإنتخابي العام فلن تكون ذات تأثير حاسم قياساً إلى القضايا الداخلية الأمريكية المتشعبة لنخلص إلى أنّ الأخيرة هي التي ستكون مربط حصاني الفارسين المتنافسين أوباما وماكين ، ولعل في هذه ، أي في ماهية وآلية التعاطي الديمقراطي والجمهوري مع الأمور والمسائل الداخلية الأمريكية يمكن للمراقب الخارجي إذ يراهن على الحصان الديمقراطي أن يتوسم إنعطافة من نوع ما قد تطرأ على مسيرة العقل القيادي الأمريكي وذلك لا بسبب من الأهلية الدماغية للفارس أوباما حصراًً بل بسبب من نزوع المواطن الأمريكي إلى التغييرعموماً بعد أن أوصلته سياسات المعتوه الجمهوري بوش إلى ما يشبه المفترق التاريخي ، وأوباما من هذا الباب حبته الأقدار تلك الميزات والعلامات الفارقة التي يحتاجها نفسياً وعقلياً الناخب الأمريكي المعني لكي يفصح بأعلى صوت عن موقفه الإنقلابي إن لم نقل الثوري من واقع حال يكفي أن يتسمى بوشي حتى يثير القرف المسبوق بالكوابيس والملحوق بالفزع .
وعليه فلو قدّر لأوباما أن يفوز بكرسي البيت الأبيض فقد تبدأ رحلة أمريكية بإتجاه جديد استناداً لا إلى برنامج إنتخابي ديمقراطي محدد بقدر ما إلى كاريزمية أول رئيس أمريكي أسود .