أرشيف - غير مصنف
اليمن: كل سوء سيبلغ مداه ويتعدى حدوده..!!// رداد السلامي
يستنتج مما يحدث أن البلاد لم تعد كما أريد لها، مهندسو ثروتي 26سبتمبر و14اكتوبر، ذلك أن الحاضر لا يختلف عن الماضي في شيء، سوى أن هناك شعارات جوفاء، وعدالة مكتوبة بحبر أسود ، وميزان ذو كفتان متساويتان في الصورة ، وعلم يرفرف عاليا.
التخلف والاحتقان تنميتان مستدامتان في تفاصيل وجزيئات الوطن، وما يقال أنها دولة ومؤسسات ليست سوى أوكارا لاقتراف رذائل التضليل والتطبيل، والإفساد ، وتصوير القبح جمالا.
البلاد محقونة بالأزمات الناسفة ، وكل ما يبدو أنه إيجابي يلف السلبية ، فيما تطوق أحزمة الذهب خواصر حسناوات يرقصن على مآسي الناس.
الدماء لم تجف، والدخان ما فتئ يتصاعد من حناجر البنادق الشاحبة بهدير الموت، كل شيء هنا له لون الدم، وملامح الحرب، وحشرجات البؤس.
الوجوه تزداد شحوبا ، والغلاء يطحن ، والفقر يطحن ، والرصيف يكتض بأطفال الشوارع ومصارعو ذل الحاجة يتناسلون ، وهجير الواقع لافحا لا يرحم.
يتقوقع الناس، ويلوذون بالصمت ، الألم وحده يتفاعل في ذواتهم، والنظام استمر في دك الممكنات الصالحات، وإنتاج المسكنات لتخدير الجموع الجائعة ، كل سوء بعد أيام سيبلغ هنا مداه، ويتعدى حدوده.
القوى المعارضة لا تجيد إلا فن السخرية والشتم ، ولديها الكثير من القابلية للرضوخ، والانجرار وراء ما تهوجس به السلطة لها سرا وعلانية، فتنساق محكومة بوعي راضخ وآخر انتهازي وثالث عصبي، وبدلا من تثوير الناس ، وتشكيل وعي ناهض ، تخمد أنفاسهم ، وتبرر لما يحدث بعد نضال خطابي فوقي فاشل، ليبقى المثل الانهزامي في أذهانهم” ليس بالإمكان أحسن مما كان”
هناك فعل غائب، وسلوك نضالي مقموع، وأقلام ممنوعة وصحف مدفوعة الثمن، وقبل ذلك هناك شعب مطحون بين رحى الجوع والفقر ودوامة الأزمات، يكابد البؤس، مشتت الو لاءات ، ومسكون بثقافة الضدية العصبوية ، والانقسامات المختلفة، الثقافة اليمنية الوحدوية الجامعة، والدولة الوطنية الناظمة لاختلاف هذا التناقض غائبتان ، و45عاما من قيام الثورة و 18 من تحقيق الوحدة لم ترتب لوجود بنية ثقافية وطنية ، أو دولة حقيقية، محكومة بوعي وتفكير الثوار والوحدويين، إذ أن التصفية لاحقت من يحمل هذا الوعي، والإقصاء العصبي بمختلف أشكاله و الذي يسيطر على عقلية قله حاكمة هو السائد بتغلغل حتى في أوساط دعاة الوطنية والوحدة والتغيير في المعارضة ذاتها، وكلما بزغ ما يوحي بمخاض ميلاد أو تحول جديد أجهض قبل اكتماله ، وأي جديد لحراك وطني نضالي وحدوي المنطلق .. بدأ يتشكل يضرب في داخله، ويفكك ويفتت، من خلال حرف مساراته ، وتقزمه الشعارات المحصورة في نطاق ضيق، وتلوي عنقه قوى مدسوسة من قبل السلطة ونافذوها وأجهزتها الاستخبارية المتخصصة في فنون القمع وحرف المسارات وإنتاج الانشقاقات، فيخمد زخمه وقوته ، ويفضي إلى تمتين وجود السلطة ونافذوها، لتشرع بتأسيس ثقافة اليأس والانهزام والاستسلام، وتنتج ثقافة مجتمعية مخاتلة وخاملة ، تتواءم مع إنجاز ما يعيق التحول الايجابي ، ويشرعن القمع،
أيضا ثمة ما يوحي بتواطؤ خطير ، ولعبة خفية متقنة، تديرها النخب المحسوبة على المعارضة وتنتمي إلى مناطق جغرافية معينة من الوطن، إذا أن هناك ما يدل على صياغة وإدارة للصراع، من قبل قيادات في المعارضة محسوبة على تلك المناطق ، كثيرا ما تفضي إلى تقوية للسلطة وإضعاف للمعارضة، تلك القيادات تمارس لعبتها بتوافق تام مع الحاكم ، محكومة بوعي عصبي مناطقي وقبلي ضيق، فيما يلاحظ أن البؤس متفشي في مناطق جغرافية معينة ،فيما مواطنو ونخب مناطق تمثل أقلية بالنسبة لبقية مواطنو ومناطق الوطن ، باذخون حد الترف وهو ما يفسر أيضا حدس التنبؤ بوجود تلك اللعبة .
*صحفي يمني