أرشيف - غير مصنف

لن أذهب الى أمريكا الآن

علي السوداني- عمان
هذا فصل طازج حار مستل من باب الشتات العراقي الشاسع 

علي السوداني- عمان
هذا فصل طازج حار مستل من باب الشتات العراقي الشاسع  . كنت حصلت متأخراً على توصيف دولي بأنني ” لاجىء ” . لم اسعد بألأمر وواصلت شعوري العظيم بالتقوض وبالتآكل . لأستكمال اجراءات وحواشي اللجوء ، التقتني امرأة أمريكية على ما ظننت ، وطلبت مني ملء ورقات بيض بمسوغات لجوئي وأعلمتني أنني ربما سأوطن في أمريكا . قلت لها والله ليست بي رغبة – الآن - في العيش بأمريكا . استنكرت المرأة رفضي وافهمتني ان ليس أمامي سوى تلك الديار البعيدة . قلت السويد او نيوزلندة او استراليا التي تلوذ بها سلة من أصدقائي الحميمين الطيبين . قالت ليس ألأمر بيمينك وطلبت مني أن احكي لها سبب تمنعي وصدّي عن أمريكا وانا اللاجىء الذي لا حول له ولا حيل ولا حيلة ، فقصصت على مسمعها والمترجم هذه الفرضية الممكنة :

 
سأحط رحالي وراحلتي فوق أرض امريكا . أمريكا تحتل وتحطم وتفكك وتقتل بلادي الآن . انا كاتب مقاوم أحض رعية بلد ما بين النهرين على قتال وقتل جنود أمريكا وجندياتها . انت – مثلاً - ستكونين جارتي في نيويورك وستدفعين انت وشعب امريكا من جيبه وعرقه وكدّه كي اعيش أنا صحبة مقطورة العائلة . ستزورينني في صالة الدار وسأزقك كأس نبيذ الضيافة . ستظهر شاشة السي أن أن ، نبأ سقوط طائرة امريكية فوق دجلة وموت حمولتها المبنية من خمسين جندياً . سأطفر انا من مقعدي وأؤدي رقصة الثأر وسيسقط من كفك كأس النبيذ مزفوفا بالآهات وبالدمعات السواخن . ستكرهينني مقدار نصف درجة ، وبعد انفناء الليل سيتصل بك جنرال أمريكي يائس ويخبرك أن أبنك الوحيد كان من بين قتلى الطيارة المنكوبة فتكتمل الكراهية . ستقيمين قداساً على روحه . سألبس قناعاً سميكاً وقميصا أسود وأرش فوق رأسك بوسات العزاء . ستستعيدين منظر رقصتي المؤداة البارحة . ستواجهين معضلة التفسير . ستقولين في باطنك أن من حق ” mr. ali ” أن يفرح ويرقص لأن جيش بلادي قد حطم كل بلاده . لأبنك الفقيد ، ابن صغير حلو بديع وجهه مثل وجه ابني نؤاس . ابن ابنك سيلعب مع نؤاس في دارنا وداركم والحديقة والشارع والمطعم وتالياً المدرسة . سيقصف قلبي مشهد ” سام ” اليتيم فأشيله على كتفي وأسبّ الحرب ومشعليها . سأعزمك في بطن حانة وأرنّ كأسي بصحة كأسك . في رنّة الكأس العاشرة ، سأسكر وتسكرين وتتذكرين رقصتي ثانية فتطعنينني ب ” fuck you ” . سأهجر الحانة وأتركك في وحشة . ستلحقين بي بسيارتك وتمطرين عليّ مطرة مزامير . سأتلو عليك قصيدة تعشقينها من ديوان ” أوراق العشب ” وصاحبه ابن بلدك الخلّاق ” والت وايتمان ” . ستسمعينني قطعة مدهشة من الجاز ألأسود . سأسمعك تراتيل فيروز . في المرة الفائتة ، جرّحتك بحّة داخل حسن . قلت لي أكاد أشمّ وجعه . قلت لك بلادي كلها معمولة من وجع . قبّلتيني من جبيني . قبّلتك من ثغرك العسل . اقترحت عليّ حانة جديدة . اقترحت عليك مثلها . في الحانة ، شلت كأسك بصحة بغداد حرة وجميلة ، فرددت عليك بصحة أمريكا مسالمة وعادلة وكريمة . ثلمنا جرف الكراهية . من دكان خارج الحان ، اشتريت أنا لعبة حلوة لسام الحلو واشتريت أنت لعبة حلوة لنؤاس الحلو . استقللنا تاكسي آخر الليل ، فأخبرنا السائق أن طائرة أمريكية سقطت الآن في بغداد وثمة قتلى . زرعت عينيك في عينيّ وقلت لي ان كانت بي رغبة لأداء رقصة الثأر فلأفعلها في داري بعد غلق الستار . قلت لك سأفعل . ضحكت وقلت لي ” shit ” . ضحكت وبستك . بستيني . وصلنا باب الدار . كان نؤاس وسام يتقاذفان كرات الثلج والكركرات . شلت سام على ظهري . شلت نؤاس على ظهرك . تلك هي الحكاية – احبتي المقهورين بلا حساب – وكمالها سيكون في تعريب المفردتين ألأعجميتين النابتتين في جسدها الفضفاض !!
 

زر الذهاب إلى الأعلى