من على صفحة موقعه الإلكتروني وفي باب “من أنا” كتب أنور مالك معرفا بنفسه: ” صوت جزائري حتى النخاع، قلب بنبضتين مرة للأمة المستباحة وأخرى للوطن الأسير في قبضة المفسدين والعملاء واللصوص”، ويسرد من على هذا الباب ألم الغربة والفراق للأم الحنونة والوطن الغالي، ودرجة شوقه لهذا الوطن الذي سلبه اللصوص على حد تعبيره.
ولكن من يقرأ ما كتب أنور مالك تحت عنوان “هل انتصر لبنان بالعفو الإسرائيلي عن سمير القنطار” في صحيفة “وطن يغرد خارج السرب” عن تحرير سمير القنطار والثمن الذي دفعه لبنان مقابل “عفو” إسرائيل عنه، وعرج من خلال مقالته على العراق وأفغانستان والدور الإيراني في تخريب وتدمير هاتين الدولتين على حد تعبيره بصورة تظهر توجهاته الطائفية التي باتت صرعة العصر وهوس البعض بعد الاحتلال الأمريكي للعراق رغم محاولته نفي هذه الصفة عن نفسه في أكثر من مكان، في الوقت الذي ركز فيه على الدور “التخريبي” لإيران في لبنان أيضاً، يدرك أن الكاتب أنور مالك أجاز لنفسه الشوق والحنين للأم الحنونة وللوطن ويستكثره على غيره عبر تعامله مع موضوع قضية سمير القنطار وكأنه يتحدث عن بورصة أسهم وليس عن قضية وطنية وإنسانية عنوانها كان الأسير سمير القنطار ولكنها في الواقع تمثل قضية وطنية تصور معاناة آلاف الأسرى.
والمواقف والآراء التي عرضها الكاتب أنور مالك في مقالته قد يخجل حتى أسوء موظفي العلاقات العامة والإعلام من قولها في كل وزارتي الخارجية لدولتي الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي، ولا حتى موظف صغير في حكومة مالكي العراق، ومن الواضح أن الكاتب نفسه لديه عدم قناعة مطلقة بما كتب كونه بدء مقالته بالدفاع عن نفسه، وبطلبه من القارئ عدم فهمة بصورة خاطئة، وعدم اتهامه بالطائفية من خلال قولة:
”في البداية لست ضد حرية سمير القنطار مطلقا، ولا ضد تحرير كل الأسرى العرب والمسلمين بلا استثناء من السجون الصهيونية والأمريكية، التي هي بلا شك أرحم بكثير من السجون العربية ومآسيها، بل أكثر من كل ذلك فأنا أفرح وأناضل من أجل تحرير أي أسير مهما كانت هويته، ومهما كان موقع اعتقاله في فلسطين أو في غوانتانامو أو في كابول أو في العراق… الخ، أو في أقطارنا العربية سواء بسركاجي في الجزائر، أو القنيطرة بالمغرب، أو برج الرومي بتونس، أو صعدا باليمن، أو الحائر بالسعودية، أو أبوسليم بليبيا، أو كوبر بالسودان، أو طرة بمصر… أقول هذا كمقدمة ضرورية حتى لا يزايد علينا أي حد مهما كان توجهه أو حتى لمجرد حسابات ضيقة نحونا”.
وهذا يشير إن مثل هذه الآراء وهذه المقالات تكتب بعناية فائقة وبإشراف محكم من قبل أكثر من جهة لضرب ومواجهة الثقافة الوطنية المقاومة في ظل النظام العالمي الجديد، وذلك بهدف تعزيز ثقافة الاحتلال القائمة على أن المشكلة في العراق هي إيران وليست الاحتلال الأمريكي، وفي أفغانستان كذلك، وسبب العدوان على لبنان في العام 2006 هو حزب الله والمقاومة الوطنية وليس فاشية الاحتلال وعقليته الاستعمارية، ومن يقف وراء سلسلة الاغتيالات في لبنان هي سوريا وليست الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، وفي فلسطين نكبة الشعب الفلسطيني بسبب نهج وتفكير المقاومة الفلسطينية وليس بسبب الاحتلال وجرائمه.
وعودة لموضوع سمير القنطار في مقالة الكاتب أنور مالك، فمحاولة التقليل من شأن سمير القنطار والمقاومة الوطنية اللبنانية بدأت من العنوان الذي اختاره الكاتب لمقالته ” هل انتصر لبنان بالعفو الإسرائيلي عن سمير القنطار”، فيا حضرة الكاتب الكبير دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تعفوا عن سمير القنطار ولم تطلق سراحه بمحض إرادتها أو من منطلق أخلاقها الكريمة كما تحاول أن تصور من خلال استخدامك لكلمة عفو عند حديثك عن تحرير سمير القنطار من سجنه، فحتى إعلام دولة الاحتلال لم يستخدم كلمة عفو التي تحاول ترويجها، فهو استخدم كلمة “شحرور” باللغة العبرية والتي تعني تحرير، ولم يستخدم كلمة”حننا” العبرية والتي تعني بالعربية عفو.
أما سعيك لتثبيت رواية الاحتلال حول تفاصيل عملية نهاريا البطولية وبالتحديد فيما يخص مقتل “دان هاران وابنته” وإصرارك أن الرواية الإسرائيلية هي الصحيحة مستشهداً بنتائج التحليل التي أثبتت أن الطفلة قتلت بعقب بندقية، وإن التحليلات أثبتت وجود أنسجة من دماغ الطفلة على بندقية سمير القنطار، فكيف حكمت بصدق الرواية الإسرائيلية ودقتها؟، ومن يتوقع من الاحتلال أن يقول غير ذلك؟، في المقابل هل تعلم أن المحكمة الإسرائيلية والرقابة في دولة الاحتلال تمنع حتى بعد مرور ثلاثون عاماً على عملية نهاريا من النشر الكامل لمحضر محكمة الأسير المحرر سمير القنطار رغم توجه بعض الصحف الإسرائيلية للمحكمة العليا للحصول على هذا المحضر؟.
وبدلاً من سعيك للتباكي على جمجمة الطفلة إينات ولدعم الرواية الإسرائيلية التي تسعى بشكل دائم لتصوير المقاومة بأنها ليست إلا “عصابات وقتلة أطفال” كنت أتوقع أن تسخر قلمك وقدراتك الإعلامية في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الطفولة الفلسطينية واللبنانية ، وجرائم الاحتلال الأمريكي ضد أطفال ونساء العراق وافغانستان لا أن تكون من ينبري وبكل قوة لخلق المبررات لجرائم الاحتلال والسعي الحثيث لتبرئته من هذه الجرائم عبر اعتبارك لجرائم الاحتلال ردات فعل على ما تقوم به المقاومة ، فمجازر قانا الأولى والثانية والدوير ومروحين وعيترون وصور والرميلة ومعربون ويارون مجازر نفذتها الطائرات الإسرائيلية بقنابل عنقودية وانشطارية من صنع أمريكي نقلت لدولة الاحتلال عبر الأجواء العربية، ومحاولتك تحميل المقاومة الوطنية اللبنانية المسئولية لهذه الجرائم فيه الكثير من الظلم والتجني على المقاومة الوطنية اللبنانية ولا نريد أن نضعها في سياق آخر.
ومنطق التشكيك لم تخلو منه أي كلمة من كلمات مقالة أنور مالك تجاه المقاومة وسمير القنطار، فتحدث عن فترة سجن سمير القنطار فكأنها فترة نقاهة إن لم يكن يريد الذهاب لما هو أبعد من ذلك قائلاً ” هب الجميع يحتفلون بسمير القنطار، وقلدوه نياشين الزعامة المطلقة، لأنه قضى في سجون الصهاينة ثلاثين عاما، مكنه السجانون من الدراسة الجامعية، حيث أصدرت إدارة السجون الإسرائيلية عام 1993 قرارا يسمح له بالدراسة الجامعية، متخصصا في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتخرج منها في سبتمبر / أيلول 1998، بالرغم من أنهم حكموا عليه بتهمة قتل أطفال، بل أن له حضور إعلامي نذكر مثلا رسالته لقناة الجزيرة القطرية مؤخرا وقرأها غسان بن جدو في برنامجه “حوار مفتوح”، وكذلك مقابلة صحفية مع موقع عرب 48 في يناير / كانون الثاني 2003… الخ، فترى ماذا نقول عن المساجين في المعتقلات العربية الذين لا يزال يقبعون تحت التعذيب والتنكيل بهم، يمنعون من التعلم والاغتسال ورؤية أولادهم أو حتى الحصول على نسخة من المصحف؟ بل أن المراسلات العائلية بالنسبة لمن أهاليهم يبتعدون عنهم بمئات الكيلومترات تخضع للمراقبة والشطب وتحديد عدد السطور”.
ففي هذا المجال والذي يتضح جهل الكاتب أنور مالك به هو أن الكثير من الحقوق الذي حصل عليها المعتقلين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومنها الحق في التعليم وتوفير مواد ثقافية لهم للقراءة والتعلم انتزعها المعتقلين نتاج لنضالات طويلة دفع المعتقلين ثمنها آلام كثيرة، وسقط منهم الشهداء لانتزاع مثل هذه الحقوق، فقد بلغ شهداء الحركة الأسيرة الفلسطينية ما يقارب (190) شهيداً منذ العام 1967، بالتالي هذه الحقوق لم يعطيها الاحتلال للأسير المحرر سمير القنطار ولسائر الحركة الأسيرة من باب اللطف أو الأخلاق الحميدة أو التزاماً منه بالمواثيق والاتفاقيات الدولية بخصوص الأسرى، لا بل أن هذا الاحتلال ألإسرائيلي وغيره من الاحتلالات أبعد ما يكون عن الإنسانية وحقوق الإنسان، وعلى الرغم من هذا يجد من يدافع عنه ويبرر أفعاله أمثال الكاتب أنور مالك.
أما عن سؤالك ماذا حرر حزب الله في هذه الحرب ؟، فمسيرة تحرير الأرض اللبنانية لم تبدأ من تموز 2006 بل بدأت منذ منتصف سنوات الثمانيين، وإن كان تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي بقوة المقاومة في العام 2002 هو البداية لهذه الانتصارات نأمل أن لا تكون مزارع شبعا آخرها، والعلاقة بين الاحتلال والمقاومة لا تقاس بميزان الربح والخسارة، فعدد من يسقط من المقاومة وشعوبها أضعاف مضاعفة مما يسقط من قوات الاحتلال وشعبه نتيجة اختلال التوازن في القوة العسكرية والقدرات المادية، والحقيقية الثابتة في هذا المجال أن النصر دائماً للمقاومة مهما طال الوقت ومهما اختلت الموازين.
ويبقى السؤال لماذا هذه المواقف المناوئة من كتاب عرب ضد أبناء شعوبهم وضد مقاومتهم للظلم والاحتلال؟، فهؤلاء الكتاب المتواجدين في أوروبا والغرب يمكنهم القيام بدور إعلامي كبير لنصرة قضاياهم الوطنية والقومية، ولكن مع الأسف قلائل هم يقفون في الجهة المضادة للغرب وسياسته ضد الشعوب العربية وقضاياها العادلة، وقد تكون الامتيازات التي ينعمون بها في هذه الدول هي السبب والدافع وراء مواقفهم هذه، بالإضافة لشروط الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي في الدول الغربية لما هو غير أوروبي أو من غير ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء.
وكلمتي الأخيرة للكاتب أنور مالك أنه بقدر اشتياقك لوطنك الأم الجزائر، وحنينك لقهوة أمك التي أجهشت بالبكاء عند رحليك قسراً عن وطنك، كان نفس درجة الحنين أو أكثر لدى سمير القنطار ورفاقه الأسرى لأوطانهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم، وإن كنت تقدر مدى الحنين للوطن كان الأحرى بك أن تقف خلف من يسعون لتحرير أوطانهم وشعوبهم لا خلف جلاديهم وسافكي دمائهم.
فلسطين -06-08-2008