ركنان إذا صلحا صلح المجتمع والنظام السياسى ، وإذا فسد ا فسد المجتمع والنظام السياسى وهذان الركنان هما التعليم والعداله ، وإذا ما تأملنا فى الظاهرتين السلبيتين اللتان تتسم بهما نظمنا السياسية سنجد ورائهما التخلف بكل أشكاله ، والإستبداد السياسى ، والعلاقة بين الظاهرتين علاقة طرديه ، فكلما تراجع التعليم والعداله تعمقت حالة التخلف والإستبداد ، فالتعليم فى ابسط معانيه يعنى التقدم والتطور ، والعداله تعنى محاربة الظلم وإنتزاع الخوف ومعاملة جميع الأفراد على أسس من المساواه والحرية ، ولعل ما يميز مجتمعا عن ألأخر بمقايسس التقدم والرقى هو درجة تقدمها العلمى ومستوى العداله فيها .وأذكر هنا فيما طلبه تشرشل رئيس وزراء بريطانيا بعد الحرب العالميه الثانيه من وزرائه بتقديم تقريرا عن أحوال البلاد وما لحق بها من تدمير ، ومتسائلا ما إذا طالت الحرب مرفقى التعليم والعداله ، وجاءت إجابة الوزيران المسؤولان بالنفى وعندها أعلن تشرشل إنتهاء جلسة مجلس الوزراء . وهذا دلالة على أنه بالتعليم والعداله يمكن إعادة البناء وبشكل أقوى من قبل ، فلا يمكن لإنسان أمى ، وإنسان مقهور أن يبدعا وينتجا ويتقدما بمجتمعهم .
فالتعليم أساس الثرو البشرية ، وأساس لأى تنشئة سياسية وإجتماعية صحيحه ، وعبر التعليم تترسخ القيم الديموقراطيه فى التسامح ونبذ العنف وقيم التفكير العقلانى المبدع ، وتأكيد قيم المواطنه والإنتماء والولاء ، والنقد الذاتى البناء ، والقبول بالرأى ألآخر ، وحرية الفكروالقبول بإدارة الخلافات المجتمعية بأدوات سلميه متفق عليها . ولذا العلاقه وثيقه بين التنميه والتعليم وبدورها بالإستقرار وسيادة مبدأ الكرامة الوطنية ، ولذلك ليس المهم إمتلاك الموارد الطبيعية ورأس المال ، بل المهم هو فى كيفية إدارة هذه الموارد حتى ولو كانت محدوده ن وليس المهم أن تتوفرالمشاريع والخطط الإقتصادية التنموية ، بل ألأهم هو فى كيفية إدارة هذه المشاريع ، وكل هذا لا يتحقق بدون المواطن المتعلم القادر على الإبداع والإنتاج وإتخاذ القرارات السليمه ، ولا شك أن التعليم هو طريق للتنميه وألأخيرة هى جوهر ألأمن ألإجتماعى ، هذه بعض الجوانب الإيجابية للتعليم ، والتعليم يحتاج لكى يزدهر إلى بيئة سياسية أساسها العدل ، والعدالة اساس للملك الرشيد المستنير ، وهو أساس للأمن والأمان ، وبدون ألأمن لا يمكن للإنسان ان يبدع وينتج ويعمل ويفكر ، ويرتبط تحقق العداله بالمساواه والحرية وبهذه ألأركان الثلاثه تتوفر كل المرتكزات الأساسية لأى نظام سياسى رشيدوديموقراطى ناجح ، ومنتظم ومقبول ، وهذه المعايير هى التى تميز بين نظام سلطوى شمولى ونظام آخر ديموقراطى ، والعداله نقيض للظلم والجور والغبن ، وفى الوقت ذاته تؤكد على مبدأ سيادة القانون وتأكيد المساواه القانونية والسياسية بين المواطنيين .
وسؤال مقالتنا يتعلق بوضع التعليم والعدالة على مستوى السياسة الفلسطينية ؟ لا خلاف أن غياب العدالة وسيادة القانون وتراجع التعليم قد يفسر لنا كل الظواهر السلبية فى العديد من النظم السياسية فى دول العالم الثالث ، لكننا هنا فى فلسطين الحاجة مزدوجه للتعليم والعداله ، والسبب فى ذلك ألإحتلال الذى لا يمكن إجباره على الإنسحاب إلا ببناء وإعداد إنسان متعلم ومتحرر من الخوف الداخلى ، إن ما نشهده الأن من مناكفات سياسية تلحق جهازالتعليم وخضوعه لإعتبارات المنافسة السياسية ، بعنى بصورة او أخرى إنهيار هذا الجهاز ، وهكذا التراجع فى تقدم الفلسطينيين تعلمييا بعدما كانوا يفتخرون بانهم أقل الدول العربية فى نسبة ألأميه ، أما الوضع اليوم زيادة نسبة ألأمية التعليمية والفلسطينيون فى حاجة الى التعليم لأنهم لا يملكون إلا العقل البشرى وهذا هو مصدر ثروتهم ، وإذا ما خسروا هذا العقل ماذا سيتبقى لهم وكيف سيحررون أرضهم ويبنون مؤسساتهم الإقتصادية والتعليميةوالعلمية ، والفلسطينيون فى حاجة ايضا أكثر من غيرهم إلى العداله ومحاربة الظلم والجور ، ألا يكفيهم ما يعانونه من ظلم الإحتلال ، وألا يكفيهم الآف ألأسرى فى سجون الإحتلال الإسرائيلى ، ليفتحوا وليبنوا سجونهم ويملؤنها بأبناء جلدتهم ، إن ظاهرة الإعتقالات السياسية التى لم نعهدها فى تاريخنا السياسيى باتت ظاهرة مألوفه فى التعامل السياسى الفلسطينى اليومى ، لقد عانى المواطن الفلسطينى من مظاهر الفلتان ألأمنى وتراجع القانون ، وسيادة السلاح اللآشرعى وهو ما قاد النظام السياسى الفلسطينى إلى حالة الإنقسام السياسى التى تتعمق كل يوم مع تراجع التعليم والعداله ، ومن السهل أن نتصور الخلافات السياسية ومن السهل علاجها وإحتوائها ، لكن إذا استشرأت الخلافات وتعمقت فى مجالى التعليم والعداله فالأمر ليس بالبساطه والسهولة فى علاجها ، لأن ألأمر يتعلق بالإنسان وتنشئته ،فالأمر يحتاج إلى وقت طويل لإعادة الهيبة والمصداقية للتعليم والعدالة ، وبدون ذلك سيبقى الفلسطينيون أسرىسياساتهم الداخلية وليس فقط سياسات ألإحتلال ن وهذا أقصر الطرق للتغلب وصهر القضية الفلسطينية فى كيانات أخرى أكثر قوة ومناعة .
دكتور /ناجى صادق شراب /استاذ العلوم السياسية /غزه
،