أرشيف - غير مصنف

جاهلية 2

ميساء البشيتي
وكأن الإسلام ما زار هذه الديار ولا حط رحاله هنا ، كأن معالمه اختفت ، تبخرت ، طُمست حروفها على مرّ الزمن فلم يعد يظهر منها إلا خيالات متكسرة ، مهشمة ، منقوشة على جدران باهتة وملامح من عدم .
 
 
تفحصت جيدا ً طقوس عبادتهم علّني أجد ضآلتي المنشودة فيها ، لكنني عبثا ً أحاول فما هي إلا حركات معدودة وإيماءات مرصودة وقلوب
 
 
وأفئدة جوفاء تديرها عقول مأجورة .
 
 
درت حول نفسي مستنكرة ، حاولت أن أفهم لغتهم ، ماذا يتكلمون ؟ ماذا يسّبحون ؟ من يشكرون ؟ لمن يستغفرون ؟
 
 
السلطان .. السلطان هو سيّدهم ، هو إلههم المزعوم على الأرض ، هو قِبلتهم للصلاة وله وحده عبارات شكرهم ودعاؤهم وإرضاؤه هو همهم الأول والأخير بل همهم الأوحد .
 
 
من أين سأبدأ معهم الحوار وكل الطرق إلى عقولهم مغلقة ، كل السبل إلى أفئدتهم متعرجة ملتفة بكل ألوان اللف والدوران ؟
 
 
كيف أبدأ معهم الحوار ودروبهم ملتوية وأفكارهم متحجرة وكلماتهم حروف مبعثرة في الهواء وقلوبهم كأنها قدت من حطب ؟
 
 
كيف السبيل إليهم وأعينهم لا تبصر أبعد من مرمى الحجر ؟ ولمن أمد ّ يدي وهم تماثيل
 
 
نحتت وُشكلت من باطن الصخر ؟
 
 
وكأن الإسلام ما زار هذه الديار وما حط رحاله هنا ، وكأن الإسلام ما انبعثت رايته من هنا وما رفرفت وما علت ، وكأن نبيّ الله ما تلا على أهل هذه الديار ثلاثين جزءا ًً من السور .
 
 
كأنها الجاهلية الأولى بعثت من جديد وامتدت أزمانها حقبا ً وحقب فانتشرت معالمها على كل الوجوه والصور ، رق في ازدياد وجَوار ٍ تملأ جنبات القصر وعبودية للناس ، للطير ، للشجر ، للحجر .
 
 
كيف السبيل إليهم وهم في غيّهم وطغيانهم يعمهون ؟ لا سبيل إليهم .. لا سبيل.. فلن يصلح العطار ما أفسده الدهر .

زر الذهاب إلى الأعلى