الرئيسيةأرشيف - غير مصنفالقبائل العربية لا (السامية) (الحلقة الثانية)

القبائل العربية لا (السامية) (الحلقة الثانية)

القبائل العربية لا (السامية) (الحلقة الثانية)             
 
مصطفى إنشاصي

أوضحنا سابقاً أن كتبة التوراة جعلوا أصل جميع أجناس الأرض بعد الطوفان هم أبناء سيدنا نوح عليه السلام، دون ذكر للقلة التي آمنت معه من قومه وركبوا معه السفينة، وقصروا ركاب السفينة على نوح وأبنائه وزوجاتهم! وصنفوهم كالآتي: سام الأب الأعلى للعرب واليهود. وحام الأب الأعلى للزنوج والأفارقة، ويافث الأب الأعلى للأوربيين والأجناس الأخرى؟! علماً أن علماء الأجناس والتاريخ والآثار وإلى حد بعيد التوراة نفسها تتناقض وتعتبر القبائل العربية التي سكنت فلسطين (الكنعانيون حسب نسبتهم في التوراة إلى كنعان بن حام) قبائل عربية تنسب إلى (الساميون بحسب أيضاً أجناس التوراة)؟!. ثم اختلقوا القصة السابق ذكرها عن سيدنا نوح عليه السلام ليحرموا مَنْ زعموا أنه (كنعان ابن حام) من الحق في مشاركة من زعموا أنهم أبناء (سام بن نوح) في البركة.
ويعلق الدكتور (جورجي كنعان) على تلك القصة المختلقة التي جاءت في سفر التكوين بأن اليهود: “ومنذ عملوا في سفر تكوينهم على ربط نسبهم بالأب الأول عملوا في الوقت ذاته على حشو اتجاهاتهم السياسية والقومية في تاريخهم الديني، وضمنوه نزعاتهم العنصرية وميولهم العدوانية، نحو كافة الأمم والشعوب فنوح يلعن باسم يهوه، أب الكنعانيين ويبارك أب اليهود وغالباً ما تمثلت اتجاهاتهم السياسية، في إضفاء البركة على أب ووصم الآخر بلعنه. وكان تفسيرهم للبركة أو اللعنة أنها أبدية تلحق ذريته إلى آخر الدهر”. ويتساءل: “ترى لماذا صب اللعنة على كنعان، ونوح هو الذي سكر وتعرى، وحام هو الذي أبصر عورة أبيه؟ ما هو الذنب الذي ارتكبه الابن الذي لم يولد بعد؟ ولماذا صبت اللعنة عليه من بين أخوته الآخرين؟ ألأن الكنعانيين سبقوا اليهود في مضمار الحضارة، أم لأنهم أعطوا الأمم الروح والمحبة والحكمة وهم أصحاب الأرض”.
عربية لا (سامية)
ولأن تلك القصة مختلقة وكاذبة ولا دليل على صحتها إلا ما جاء في كتاب اليهود “التوراة”، الذي لا يمكن بأي حال أن يُعتبر كتاب دين سماوي ولا كتاب تاريخي موثوق يمكن الاستدلال بما جاء فيه؛ سأبدأ باستبدال تلك المصطلحات والأسماء والمفاهيم التي أصبحت تعتبر مسلمات وحقائق تاريخية وعرقية وعلمية عالمية، التي تشير إلى مفاهيم دينية وتاريخية وأهداف ومصالح يهودية غربية في وطننا، في الوقت الذي لا يوجد فيه عليها أي دليل علمي إلا ما جاء في التوراة عن تاريخ أنساب الأجناس البشرية بعد الطوفان.
وأبدأ باستبدال مصطلح (السامية) بمصطلح العربية. فقد درج باحثوا العلماء الغربيين الذين كما نعلم أسسوا علم الآثار من أجل تأكيد صحة ما جاء من خرافات وأساطير في التوراة اليهودية، ولتتبع رحلتي سيدنا إبراهيم وموسى على الأخص، لإثبات حق اليهود المزعوم في وطننا من الفرات إلى النيل، وأن فلسطين هي (الأرض الموعود) لليهود لإقامة (الدولة الموعودة) لهم فيها، لتحقيق أهداف أخرى ضد الأمة والوطن ليست موضوعنا، وتبعهم بالنقل والنسخ دون مراجعة أو تدقيق أو تمحيص لآرائهم وكتاباتهم وهم يدسون السُم في العسل معظم الكتاب العرب. وقد رج علماء الغرب على تسمية الشعوب التي تُنسب إلى جزيرة العرب أو التي تتشارك في اللغة والأفكار والعقائد من سكان العراق وبلاد الشام ووادي النيل ودوله بالشعوب (السامية)، وهي تسمية حديثة وضعها مستشرق نمساوي (ولهلم) سنة 1781م نسبة إلى (سام بن نوح)، الذي ذكر سفر التكوين من ذريته أقواماً عاشوا في جزيرة العرب والأقطار المجاورة لها كـ(الكنعانيين) والآراميين والسبئيين والكوشيين والمصريين …الخ، بعد أن لاحظ أوجه التشابه الظاهرة بين لغاتها وأفكارها وعقائدها.
كما أسس علماء الغرب علم جديد أطلقوا عليه اسم (اللغات السامية أو لغات الشعوب السامية) وبدؤوا يؤسسوا لذلك العلم من أجل تحقيق نفس أهداف علم الآثار الذي أسسوه سابقاً، واللغات (السامية) تطلق على لغات القبائل العربية التي سكنت الجزيرة العربية منذ فجر وما قبل فجر التاريخ، وسموها (الساميين)، وقد تحدثت تلك القبائل لغة انحدرت من أصل واحد، وهي لغة غنية بمفرداتها وآثارها الأدبية، وقد تشعبت إلى فروع ولهجات يمكن تقسيمها إلى كتلتين: شرقية وأهم فروعها اللغة الأكدية ومنها البابلية والآشورية، ثم اللغات العربية ا
لجنوبية كالحميرية والمعينية والسبئية. أما الكتلة الغربية فهي الأمورية والكنعانية والفينيقية والعبرية والعربية الشمالية (الحجازية).
وبعد أن أشبعوا تلك اللغات دراسة وتصنيف وتقسيم انتهوا إلى نتيجة هي الأكثر خباثة وأشد خطورة؛ من أجل إثبات زعم اليهود في نسبتهم إلى مَنْ زعمت التوراة أنه (سام بن نوح)، ليثبتوا صحة تلك الخرافة التي بدأنا حديثنا عنها، وهي:
أنه قبل أن تتكون الشعوب (السامية) كان لها أصل واحد منه تفرعت، ألا وهو الأصل العربي. ونفس النظرية تنطبق على نشأة لغات الشعوب (السامية)، فقبل أن تتطور تلك اللغات كان لها أصل لغوي واحد تفرعت عنه، ألا وهو الأصل اللغوي العربي، ممثلاً في اللغة العربية التي كانت بلا شك اللغة السامية الأم! كما أن الشعب العربي هو الشعب (السامي) الأم لكل الشعوب (السامية). وإن اللغة العربية هي أقرب اللغات (السامية) إلى اللغة (السامية الأولى). وأن اللغة العبرية هي الأقرب إلى اللغة العربية!.
وعلى ذلك تكون اللغة العبرية التي يتكلم بها اليهود هي أقرب اللغات بعد اللغة العربية إلى اللغة (السامية الأولى)؟!! ما يعني صحة انتساب اليهود الحاليين الذين هم يهود الخزر المتهودون في القرن الثامن الميلادي، الذين لا يمتون بأي صلة عرقية للعرب ولبني إسرائيل الأوائل، أنهم هم أحفاد بني إسرائيل الذين كانوا مع موسى، ووعدهم الرب بفلسطين (أرض الميعاد)! وأنهم أبناء عمومة العرب الذين يسكنون الأرض من الفرات إلى النيل (رحلة سيدنا إبراهيم) الذي وعده بها أيضاً الرب! وعلى ذلك تكون الخرافة التي زعمتها التوراة عن سيدنا نوح وأصل الأجناس البشرية صحيحة، وهي صحيحة بدون ذلك عند النصارى الذين يؤمنون بالتوراة على أنها (العهد القديم)، وأنها وحي ومنزلة من الله على سيدنا موسى، أنه (سام بن نوح)! كما أن خرافة التوراة عن مباركة الله لـ(سام بن نوح) وذريته وحرمان (كنعان بن حام) بسبب خطيئة أبيه صحيحة أيضاً.
خلاصة القول أن كل ذلك يضفي الشرعية الدينية والتاريخية على المزاعم اليهودية في فلسطيننا والأرض من الفرات إلى النيل وعن السيادة العالمية لليهود! متجاهلين أن تلك اللغة التي يسمونه (العبرية) هي في الأصل اللغة القديمة للقبائل العربية (الكنعانية) التي سكنت فلسطين قبل مجيء يني إسرائيل أليها نحو 1200 ق. م، الذين استعاروا من تلك القبائل العربية جميع ما له علاقة بشئون حياتهم، من الإله إلى أدوات الزراعة وبناء المنازل وغيرها إلى اللغة، لأنهم كانوا جهلة في كل شيء.
وفي اعتقادنا أن هذه التسمية لا تقوم على سند من تاريخ أو علم آثار؛ وأن الأولى أن تسمى هذه الشعوب بالجنس العربي ما دامت قد نزحت من جزيرة العرب. فجزيرة العرب أخذت تذكر باسم العروبة الصريح في كتب اليونان والرومان وأشعار العهد القديم منذ ألفين وخمسمائة سنة، واسم العرب الصريح أخذ يطلق على أهلها المستقرين في داخلها وتخومها الشمالية جزئياً ثم شمولياً منذ ألفين وخمسمائة سنة أو أكثر على ما تدل عليه النقوش والمدونات القديمة.
 
 
 
اقرأ أيضاً
- Advertisment -spot_img

أحدث الأخبار

منوعات