مع إقالة أو استقالة أي قائد أمني فلسطيني تثار ضجة كبيرة غير مبررة في معظم الحالات، وهذا ما رافق عملية إقالة رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية اللواء توفيق الطيراوي وقائد الأمن الوطني اللواء ذياب العلي، وهذه الحالة تذكرنا يوم تم إقالة اللواء جبريل الرجوب من قيادة الأمن الوقائي في الضفة الغربية وتسليم صلاحيات القيادة لزهير مناصرة والذي كان محافظ جنين في حينه، حيث لاقت هذه الإقالة معارضة من داخل الجهاز نفسه، ولا زلت أذكر بصورة جيده شدة الهجوم الذي تعرض زهير مناصرة في حينه من مدراء في الجهاز ومن على شاشات الفضائيات.
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية هو القائد الأعلى لأجهزة الأمن الفلسطينية ومن صلاحياته تعين وإقالة من يشاء من رؤساء الأجهزة الأمنية مهما علت أو تدنت رتبهم العسكرية، وهذه التغيرات يفترض من الناحية النظرية أنها تتم من أجل المصلحة العامة ومصلحة الأجهزة نفسها، كما أن تغيير رؤساء الأجهزة الأمنية كل فترة زمنية محددة أمر معمول فيه في كافة دول العالم باستثناء تلك الأنظمة الاستبدادية، وتغيرهم من فترة لأخرى يحول دون تشكل الأمبرطوريات الأمنية المرتبطة بشخص أو مجموعة أشخاص والتي قد تعكس نفسها على النظام السياسي بأكمله.
ولا نريد الخوض في التحليلات التي رافقت هذه الإقالات والتي ربطت الأمر في القضايا السياسية والأوضاع الداخلية الفلسطينية وخاصة موضوع حوارات المصالحة في القاهرة، ولا بالدوافع من وراء هذه الإقالات، ونود التعامل مع الموضوع على أنه قرار مهني جاء بعد انتهاء ولاية اللوائين الطيرواي والعلي.
ولكن الأمر الذي يستحق التوقف عنده وتقيمه وقول الرأي فيه هو الجانب الإعلاني والإعلامي في هذه القضية، فصحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية كانت أول من نقلت خبر إقالة الطيراوي والعلي، لا بل ذهبت بالأمر لأكثر من ذلك وهو أن المُقالين رفضا قرار الرئيس بإقالتهم، وتبعها بعد ذلك عدد من الصحف العربية ومنها الشرق الأوسط والقدس العربي والتي تحدثتا عن توتر في المقاطعة برام الله وإن الرئيس الفلسطيني أمر أجهزة الأمن بالاستنفار تخوفاً من حدوث قلاقل داخلية على خلفية هذا القرار.
فلماذا تترك القيادة الفلسطينية الشارع الفلسطيني عرضةً للإشاعات والتقولات، وجعل وسائل الإعلام الإسرائيلية المصدر الأول والأخير للخبر مما يزيد الساحة الفلسطينية إرباكاً وتوتراً نحن لسنا بحاجةٍ لهما كوننا لدينا ما يكفي من التوتر والإرباك الداخلي لسنوات طوال قادمة. فأين المشكلة أن تصدر الرئاسة الفلسطينية بياناً إعلامياً توضح فيه الأمر وما به من تفاصيل إقالة وتعينات جديدة في الأجهزة الأمنية بموجب مراسيم رئاسية واضحة وفق ما نصت عليه القوانين والأنظمة المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية، وتوضح مسببات ومبررات هذه التغيرات في الأجهزة الأمنية واضعة حد لكل تحليلات وتأويلات قد لا تكون دقيقة.
وما ينطبق على هذه القضية في الموضوع الإعلامي ينطبق على أمور كثيرة في الأمور الداخلية الفلسطينية، فوسائل الإعلام الفلسطينية والصحفيين الفلسطينيين غائبين أو مغيبين في الكثير من المسائل الحساسة والهامة والتي نستقي المعلومات عنها إما من وسائل إسرائيلية أو دولية وتكون على شكل تسريبات من هنا وهناك مما يربك الساحة الفلسطينية ويجعل من الحقيقية موضوع صعب المنال فلسطينياً.
لهذا يجب أن يكون في السلطة الوطنية الفلسطينية ناطقين إعلاميين في المسائل السياسية والشؤون الأمنية لديهم القدرة على إيصال المعلومة الدقيقة، وفي المقابل يجب أن يكون متاح لهم الوصول للمعلومة الدقيقة والصادقة.
*- فلسطين المحتلة