للقضية ما يبرر وجودها ، أي أن أسبابها متوافرة ، لكنها ليست كما يردد البعض كامنة في الوحدة ، لأن الوحدة تمت بإرادة الشعب وحنينه الأزلي إليها ، لكن العودة إلى جذور الأزمة سيقودنا إلى توصيف دقيق لأسباب بروز ها التي أضحت مؤرقة ، حد الخوف من الدخول متاهة لن يخرج منها أحدا معافى ، فبقدر ما تفتح القضية كأزمة لازمت مخرجات حرب 1994 وجسدت إرادة المنتصر ، شهية القوى العالمية وأماني التشطير لدى البعض ، تمثل نزفا عميقا في وجدان جزء من وطن كله نازف الفرق في أنه يحس والآخر مخدر فاقدا للإحساس ومسيطر عليه ، فيما صودر وعيه تماما ليبق حبيس أدراج المشايخ والمنفذون وقوى الغنيمة والفيد، وسجونهم الخاصة تحت الأرض وفي بداريم بيوتهم الفخمة.
لذلك فالقضية تستمد وطنيتها من كونها أيضا عبرت عن ذاتها بأرقى صور النضال ، وانتهجت خطا نضاليا راقيا ، ليعيد حملتها إلى الأذهان الاعتبار لدستور الوحدة الذي أقصي تماما ، لتقصى معه الشراكة الوطنية برمتها ، بعد حرب لم يكن فيها النصر حليفا لأحد ، بقدر ما كان حليف لذوي المطامع المحقونين بشهوة الفيد والغنيمة، المسكونين بعشق العلو والتجبر ، الخلل ليس في الوحدة ، والقضية وجودا لا يمكن تجاهله والتعامي عنه وتحقيره ووجودها يعبر عن خلل في شيء ما، كان سببا في جعلها تتنامى وتتراكم ، وترحل إلى أن تصبح بهذا الحجم تيارا غاضبا لن تثنيه بعدها إرادة القوة ، فمن يريد أن يصنع له حياة أخرى غير هذا البؤس سيجازف حتى بحياته بعد أن يكون قد وصل إلى طريق مسدود لا يفضي إلى حياة تتوافر فيها الحقوق
والكرامة ، عندها يستمد شرعيته من مبررات عدة أبرزها ، عدم وجود ما يسانده في شقه الآخر ، وتعمد السلطة تجاهله أو ترقيع قضاياه ، بحلول لا تسمن ولا تغني من جوع ، وقمعه ومحاولة تشتيته، عملا لا يحل أزمة ولا يصلح وضعا بقدر ما يزيد من تأجيج صوت التجزؤ وتخليقه وهو ما تريده السلطة أصلا، قد تكون رفعت شعارات تجاوزت في مضامينها مفهوم الوحدة اليمنية ، لكن ذلك لا يبرر القمع لمجرد أن شعار رفع ، لأن السلوك ظل سلميا ، والنضال كان وفق الدستور والقانون ، استمرت السلطة في القمع ، وسال الدم ، فيما تزداد الأزمة اتساعا .
إن سعي الأحزاب للالتحام بحملة القضية سعيا يكسبها القوة ويعاضد بعضها البعض فالأحزاب تصبح قوية بها لتمنح الأحزاب القضية أيضا بعدا وطنيا واسعا و شرعية أكيدة ومسارا دستوريا وقانونيا سليما ، هذا لايعني ان القضية غير مشروعة ولكن النظام حين يقوم بحرف مسارها واختراق حملتها وتخليق صوتا وسلوكا مضاد للوحدة يفقدها وطنيتها وشرعيتها وقانونيتها ليمارس القمع ويزيد من توتير الأوضاع” وعلى حملة القضية أن يكونوا أكثر إدراكا لذلك” لأنه أضحى كما يبدو عاجزا عن الحل وفاقدا لأدوات التعامل الايجابي معها ، وبالتالي فإنه يتعامل مع القضايا الوطنية والحقوقية والمطلبية السلمية أيا كانت وفي أي مكان بسلبية لا تخدم وطن ولا تحل أزمة،إن الحوار يجب أن يستمر بين المشترك وكافة القوى الوطنية الحية ومكونات المجتمع اليمني للوصول إلى تشكيل قناعات بأن النضال في إطار وطني جامع وموحد هو الحل لجعل منطق الإقصاء والقوة لدى سلطة القهر والدم والارتداد ،يستجيب لصوت العقل ونداءات الإصلاح، فالوطن بيت اليمنيين جميعا وميراث أجيالهم الصاعدة ، وعليه فإن نضالهم بأرقى الأساليب وفق الدستور والقانون والإطار الوطني الجامع وحده الكفيل بجعل المستقبل أكثر آمنا والإصلاح حقيقية تقترب من أحلامهم التي وأدتها الافتراقات والانقسامات السياسية والاجتماعية والنخبوية، فجذر الخلل والأزمة هو نظاما سياسي أقصى الكل وتنكر لمثل الاختلاف الرشيد من ديمقراطية حقيقية وانتخابات حرة نزيهة ، اكتفى بمظهرها ، ليلمع ذاته أمام الخارج ، ليؤدي عمليا إلى إنتاجه من جديد ، فيما الجوهر غائب ، ولو حضر فيها لاحتضر هذا النظام المتهالك منذ أمد بعيد. ———————– كاتب وصحافي يمني