بقلم/سهام البيايضة
هات معطفك الأسود وتعال معي..أريد أن اخرج بك إلى عمان نجوب الشوارع تحت المطر..لف كوفيتك الحمراء المهدبه بلون الثلج, تلفع بها لحين الوصول إلى السيارة..فالمطر يتساقط بغزارة..تعال نجلس بهدوء وسأسمعك شريط موسيقى..ما دمت قد وافقت على مسايرتي.. ساترك لك الخيار..هل أسمعك ( تينا تيرنر).أم (عمر العبدالات) ..ما رأيك في( محمد عبدو)..الأردنيون يعشقون محمد عبدو هل تعجبك (الأماكن) ..أم تريد موسيقى اخف جلبه فالمطر يتساقط بهدوء دون جلبه..صوت ارتطامه بالزجاج أجمل موسيقى للصمت والخير فوق الأرض .. موسيقى هادئة تحاكي قطرات الماء المتساقطة على الزجاج الأمامي ..هيا لا تتكاسل ..تعال نشعر بالبرد وندع أضلاعنا ترتقص ونسمع اصطكاك أسناننا ونحتضن الضلوع بشدة علنا نجمع الدفء لعظامنا.تعال لنستمتع بالمطر في شوارع عمان.
ساخذك إلى طريق المطار وسألتزم بالمسرب الثاني, لا نريد أن نسرع, ولا أن نعيق السير, سأدع المطر يتساقط على الزجاج وعند لحظة انعدام الرؤية ساحرك المساحات..سنمر على أول دوار ثم ننتقل إلى آخر .وسأعيد دوران الدوار: مرة وثانيه وثالثة, حتى يلاحظنا شرطي المرور..سيظن أننا تأهبن.. .أنا وأنت ضائعان تحت المطر.
انظر إلى الأشجار على أرصفة الطريق, كيف انتعشت أوراقها, وكيف ترتجف سيقانها..وأصبحت أكثر اخضرار .غسلتها حبات المطر .انظر إلى تلك القطرات كيف تتراقص على أطراف الورقة قبل أن تتلقفها الأرض العطشى ..إنها طقوس العشق في الطبيعة ..هل تعتقد أن الحب للناس فقط؟؟
ساخذك إلى عمان القديمة ,ونتجول في الزحمة بين البخار المتصاعد من السيارات ..وسنمر على الأسواق المغلقة وبسطات الأشرطة والكتب القديمة.
أجمل ما في عمان القديمة تلك الأماكن الباقية, مع الزمن.هنا عراقة الماضي وامتداد الأصالة ,وسحر المكان الذي يستحضر الطفولة وايام الصبا ,لازالت ضحكاتنا ونحن عائدات من الكلية ترجع صدى الذكرى من الدوار الأول حتى ساحة الجامع الحسيني ,تعال لنتفقد محل احمد للإكسسوارات ومحل عمر بائع العطور الفرنسية ,الذي كان يغازلنا برش العطر فوق معاصمنا لنشم نبض العطر ,نجرب كل العطور ونستنشق رائحة ما نعرف ومالا نعرف فتختلط الروائح العطرية بين اصابعنا على ملابسنا فتضيع كل الماركات ويضيع ما يميزها عن غيرها في زخم عطري غير معروف .
في الساحة أمام المحلات لا يزال بائع الكعك والبيض المسلوق, ينادي :كعك ساخن!!. لهذا الكعك طعم خاص..وسنشم رائحة الفلافل من المطعم الشعبي المشهور وسنتناول الكنافة الساخنة, عالواقف, ونلتهمها من فوق الورقة بسرعة قبل أن تبرد, ما رأيك الآن بفنجان قهوة في ذلك المقهى القديم ذو كراسي القش والخشب المعتق ,أو كاس شاي بميرامية بسكر أو بدون سكر ..البرد يحب الطعم الحلو.
طقوس الشتاء في عمان مراسم أنثوية ..فيها الدفء و معاني العشق الوطني المنتشرة فوق الأرصفة وعلى طول الشوارع وبين البيوت الحجرية المتراصة فوق الأدراج القديمة.تحفها فروع الياسمين فوق أسوار البيوت.
عمان تحت المطر مواسم خير, وانتظار الرحمة, وابتسام الروابي والتلال الممتدة عبر الوجد الأردني, واستكانة المؤمنين لبركة السماء.
سهام البيايضة/تحت المطر