لم تعان اللغة في تاريخها الطويل منـذ وصول طلائع الفتح العربي الإسلامي، لما تعانيه اليوم من ذل ومهانة وتهميش وإقصاء في الحياة العامة للمجتمع المغربي، الذي عرف عنه احتضانه لهذه اللغة وتمسكه بها اكثر من غيره من شعوب المنطقة.
ففي السنوات القليلة الماضية بدأت الدولة للأسف الشديد (تحت ضغط اللوبي الفرانكفوني..) بنهج سياسة حصار لغة الضاد في القطاع الإداري والتربوي والإعلامي.. مما كان له الأثر الكبير في انصراف وتركيز جل الشباب إلي تعلم الفرنسية وجعلها لغة التداول اليومية والعائلية بينهم، وإعراضهم عن العربية بحجة أنها انتهت صلاحيتها لمواكبة التطور المعرفي والعلمي والأدبي. وهذا إن دل علي شيء إنما يدل علي أن هناك أياد خفية تعمل في مواقع صناعة القرار السياسي التي تحاول من خلاله تقويض وإبعاد هذه اللغة قدر المستطاع من المشهد اللغوي والثقافي المغربي الذي ما زال تربطه بفرنسا تبعية شبه ثقافية ما زالت بعض أثارها حاضرة إلي اليوم، فالأستقلال الثقافي واللغوي له أهمية بمكان في بناء مستقبل زاهر وواعد للشباب مع ضرورة الإنفتاح علي المحيط الخارجي بطريقة تضمن المحافظة علي المرتكزات اللغوية والثقافية والحضارية للبلاد. أما القول بأن اللغة العربية لا ترقي إلي مستوي تصلح فيه أن تكون لغة علم وتداول فهذا قول مردود (ولنا في سورية خير مثال). فاللسان العربي هو لسان بديع ودقيق في الأدب ومسالك البحث العلمي والنقد الفكري. ويكفينا فخرا أن تكون لغة الضاد هي اللغة التي اصطفاها الله سبحانه علي جميع لغات العالم وجعلها لغة الوحي ولغة العم في نفس الوقت. ومما زادها تشريفا وتعظيما ورود أحاديث في الأثر تؤكد أن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية. وبالرغم من المجهودات الحثيثة التي بذلها مجموعة من المثقفين والمفكرين والإعلاميين بالمغرب للضغط علي المؤسسة البرلمانية لاخراج قانون يهدف إلي حماية وصون اللغة العربية.. بإعتبارها اللغة الرسمية للمملكة. وبالفعل نجحوا في إصدار قانون خاص سنة (2003) عن البرلمان باحداث أكاديمية محمد السادس وصوتت عليه جميع الكتل البرلمانية في غرفتي مجلس النواب. غير أنه وبعد مرور حوالي خمس سنوات علي قرار إنشاء هذه الأكاديمية لم تخرج إلي حيز الوجود حيث بقيت حبيسة الرفوف دون ترجمتها علي أرض الواقع. عبدالحي كريط [email protected] المقال نشر بجريدة القدس العربي بتاريخ 2008/5/11 |