بقلم سهام البيايضة
احتوت القصص الشعبية كثير من المفاهيم الاجتماعية التي كانت تعبر عن مواقف حصلت
بين الناس, وحملت شخصياتها نماذج عن صفات وسلوك أشخاص ارتبطت تلك المفاهيم والصفات بهم,على سبيل المثال : زوجة الأب, الظالمة لأطفال الزوج ومصدر الحرمان والخشونة, التي استبدلت بحنان الأم وعطفها.لدرجة أن أي سلوك قاسي تجاه الأطفال يستحضر صورة زوجة الأب القاسية ,التي تقسوا على أطفال زوجها, وضرتها استنكارا ورفضا لهذا السلوك ,أما الأطفال,ولشدة الشعور بألم اليتم يسمى من فقد أبوه باليتيم كما نعرف جميعا ,ويسمى يتيم الأم بالقصص الشعبية بالحطيم ,زيادة في وصف صعوبة فقدان الأم عن الأب, وهذا له مظاهره الاجتماعية, في تردي أحوال الأسر بعد وفاة الأم وبعد زواج الأب من الأخرى في معظم الأحيان, وبداية علاقات التنافس, وعدم التقبل المتبادل بين الطرفين لتأخذ زوجة الأب في الغالب دور المستغل, والباحثة عن فرص الاستفادة من الزوج ورزقه على حساب الأولاد, لافتقاد عنصر الأمومة والشفقة بينها وبين الأولاد.
اليتيم ,والحطيم خاصة ,كانت ولا تزال له هذا الكم الهائل من الشفقة والشعور المتعاطف الممزوج بالحزن كونه فقد أمه مصدر الحنان والرأفة والشفقة ,بغض النظر عن المستوى المادي والاجتماعي الذي يعيشه, فكسر خاطر ونفسية, الأولاد بفقدان أمهم من المشاعر المؤلمة والمؤسفة دائما,وعيوننا لا بد أن تغرق في دمع الشفقة لرؤية طفل فقد أمه.
صورة اليتم, فيها الحس بالنقص وعدم اكتمال دورة الحياة بشكل طبيعي مع ذلك الطفل مهما كان سنه..
تقول إحدى القصص الشعبية الطريفة, أن احد زوجات الأب قد جلست “تفلي” شعر ابن زوجها المتوفى, لتتأكد من عدم غزو القمل لشعره,وأثناء عمليات كشف الشعر, وجدت أن رأسه مليئا( بالفشخات) وعلامات الضرب والندبات المختلفة فسألته مستغربة عن سبب كل هذه الفشخات والكدمات المنتشرة فوق فروة رأسه .
فأجاب:”من قول الحقيقة يا خالتي”!!
فردت مستغربة:”وهل قول الحقيقة يؤدي إلى كل هذه الفشخات في الرأس ؟؟”
أجاب :”إنها الحقيقة يا خالتي ,كلما قلت الحقيقة شعرت بضربة جامدة على راسي تدميني وتترك ندبة لا تزول أبدا ,كما تشاهدين ألان في راسي!!”.
فقالت مستنكره :”لا ابدآ,لا بد انك قد فقدت عقلك!!كيف للحقيقة أن تفشخك يا ولد؟”
فرد عليها قائلا:يا زوجة والدي المرحوم. مضى على وفاة والدي ستة أشهر, فمن أين لك هذا الذي في بطنك؟؟”
ما أن نطق بآخر حرف حتى كانت قد نقرت رأسه بقوة وانهالت عليه بالضرب فتهرب من ضرباتها وشتائمها وهو يصرخ متألما:”الم اقل لك أن قول الحقيقة يفشخ الرأس؟؟”
عقدة الفشخة أصبحت هي المتحكمة في معظم مظاهر الحياة,لدرجة أننا نعيش الآن الوهن العربي والتخاذل العربي الذي تلا الفشخة وراء الفشخة ,حتى أدمت الضربات مساحة الرأس العربي بالندبات وآثار الضرب المبرح, لأمة يتيمة الشعور وحطيمة النفس, يتكفل أمورها آباء عزلتهم زوجاتهم عن أبناءهم الذين يعيشون اليتم وهو لا يزال على قيد الحياة,معزولين عن الحقيقة التي يعرفها الأبناء ويقاسون عذاب قولها .
رمزية اليتم والحقيقة نجدها في كل مكان فيه مسئول ومواطن ,حاكم ومحكوم ,مدراء وموظفين مثقفين وجهلاء.
امة تعيش قهر الأقرباء وأبناء الجلدة, وسطوة القابعين خلف ستائر اجتماعية واقتصادية تمد يدها الخفية من وراء الفقر وارتفاع الأسعار,تنقر رأس أمة, أصبحت تهاب من أن ترى يد مرفوعة خشية أن تكون نهايتها عليها, لتزيد من وجع الوهم والانحطاط ونقص الشخصية, التي تعودت أن تتبع ولا تترأس, تجر إلى متاهات الخديعة بسهولة ويسر, في انخداع شعبي طال السياسة والاقتصاد وحتى العلاقات الاجتماعية .
الشعور باليتم والانعزال,من مظاهر حياة المواطن العربي بكل مكان,يعرف الحقيقة ويعرف حلول معضلات المشاكل الملتفة حول رقبته ويرزح تحت عبئها ظهره ,يورث هذا اليتم لأبنائه واحفادة ,شعور أزلي .
ضربات الرأس المتتالية,فوق الرأس العربي, قد أدمته ونزعت قوة الرأي عنده وجعلته منزويا في إدارة شؤونه الخاصة, في اقل مستويات القصر في مداه الفكري, تجنبا لألم الحقيقة, والشعور بلا جدوى في زمن كثرت فيه الأيدي المرفوعة والمستعدة للنقر والفشخ.!!