أبناء باريس يقتلون أبناء باديس في الجزائر الحلقة الثالثة – 3-

يحي أبوزكريا
بعد إستقلال الجزائر في 05 تموّز – يوليو 1962 ألفّ الرئيس الجزائري الأسبق محمّد بوضيّاف الذي أغتيل في 28 حزيران – يونيو عام 1992 في الجزائر كتابا بعنوان : الجزائر الى أين ! وبعد عقود مازال السؤال ساري المفعول ومازالت الأجوبة تتوالى على هذا السؤال دون أن تعرف الجزائر طريقها باتجاه السلامة الكاملة . والواقع أنّ الاجابات على هذا السؤال كانت كثيرة ومتشعبة , كما أنّ الاجابات التي تطرقّت إلى المسؤول عن الكوارث السياسية والأمنيّة التي حلّت بالجزائر وصناعة الموت كثيرة أيضّا . وبعد كتاب الحرب القذرة للضابط الجزائري الحبيب سوايديّة والتي يتهّم فيها المؤسسة العسكريّة بإقتراف مجازر فظيعة ضد مدنيين في الجزائر , وكتاب الضابط السابق في المخابرات الجزائريّة هشام عبّود والذي كان يعمل بقسم التحاليل والتقييم في المخابرات الجزائرية عندما كان على رأسها الأكحل عيّاط وبعدها عمل مديرا لمكتب مدير المخابرات الجزائريّة بعد لكحل عيّاط محمّد بتشين الذي بدوره أصبح المستشار الأمني لزروال في وقت لاحق , وكتاب عبّود يحمل عنوان : مافيا الجنرالات ومن المتوقّع أن يثير زوبعة كبيرة كالكتاب الذي أثاره كتابا الحرب القذرة في الجزائر لسوايديّة ومن قتل من في بن طلحة ! ليوسف نصر الله , و كتاب رجل المخابرات العسكرية العقيد محمد سمراوي سنوات الدم في الجزائر .
 
وفي كتابه مافيا الجنرالات يحمّل هشام عبود المحلل في الإستخبارات الجزائريّة سابقا الجنرالات مسؤوليّة الضلوع في معظم قضايا الإغتيالات والإضطرابات السياسية و الأمنيّة , ونفس هذا الضابط كشف لجريدة لونوفال أوبسرفاتور الفرنسيّة من أنّ الجنرال العربي بلخير رئيس ديوان رئيس عبد العزيز بوتفليقة حاليّا أصدر شخصيّا الأمر باغتيال المعارض الجزائري المحامي علي مسيلي في فرنسا , وكان عبّود الذي يعيش لاجئا سياسيّا في باريس قد سربّ معلومات خطيرة للصحافة الفرنسية عن الأدوار التي إضطلعت بها الأجهزة الأمنيّة في الجزائر . إن الكارثة التي حلّت بالجزائر يتحمل وزرها بالدرجة الأولى جنرالات فرنسا و الذي هم أركان ما يعرف بحزب فرنسا وللإشارة فإنّ أحد عشر -11 – جنرالا من الذين ألغوا خيار الشعب الجزائري في كانون الثاني – يناير 1992 , منهم تسع - 9 - جنرالات كانوا ضباطا في الجيش الفرنسي و المخابرات الفرنسية , و منهم الجنرال محمد العماري رئيس هيئة الأركان السابق و الذي إعترف لمجلة لوبوان –   Le point الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 17 جانفي 2003 ص 45 على أنه شارك في معركة الجزائر , هذه المعركة التي قتل فيها آلاف الجزائريين في الشوراع و الزنزانات , و كثيرا ما كان الجنرال العماري بأنه مستعد لقتل ثلاثة ملايين في الجزائر ولا يسمح بإقامة دولة إسلامية في الجزائر , بل كان يقول أيضا أنا مستعد أن أعطي الإسلاميين منطقة صغيرة نائية على طريق غزة وأريحا أولا , كان يعتبر نفسه صهيونيا و الإسلاميين كالفلسطينيين , والجنرال محمد تواتي لعب دورا كبيرا في قتل ثوّار الجزائر و كان يشارك قوات بيجار في ذبح الجزائريين وطبعا أما الجنرال خالد نزار الذي أحد أخلص المخلصين لفرنسا ويفتخر بأن أباه كان وفيا للجيش الفرنسي الذي عمل فيه , و أنه ينتمي إلى مجموعة لاكوست التي تسللت إلى الثورة الجزائرية و نحرتها من الداخل , و خالد نزار الذي إنضم إلى الثورة الجزائرية في آخر أيامها بتخطيط من المخابرات الفرنسية وجد نفسه يعين الرؤساء ويقيلهم , و يقتل نصف الشعب الجزائر , و لعلّ خالد نزار هو أبرز مصداق لما قاله الجنرال شارل ديغول و هو يغادر الجزائر : لقد تركت في الجزائر بذورا ستينع بعد حين .
 
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ فرنسا وعندما عجزت عن قمع الثورة الجزائرية و التي فجرها الرجال المخلصون الغيورون على الجزائر , أسست أجهزتها الأمنية ما يعرف بالجيس السري و الذي أرهب المواطنين الجزائريين ,و في إطار التنسيق المحفوف بالسرّية التقى “جون جاك سوزيني” و”بيار لغيار” يوم 10/02/1961 في مدريد , وأتفقا على تأسيس تنظيم إرهابي جديد يحمل اسم منظمة الجيش السري .O. A . S كبديل لكل التنظيمات السياسية العاملة على ترجيح فكرة “الجزائر فرنسية”، ترأسها الجنرال المتقاعد” صالان” بمساعدة الجنرال” جوهو” و”غاردي”وسوزيني .و هذا التنظيم الذي إستعان بالعملاء الجزائريين و الخونة كان يقتل الجزائريين ويذبحهم و يتخذون من دماء الجزائريين حبرا لكتابة شعار : الجزائر فرنسية إلى الأبد , على الجدران , و في الساحات العامة وغيرها . إستعانت منظمة الجيش السري بالأقدام السوداء و العملاء وكان من أهدافها :لتحقيق أهدافها ، رأت منظمة الجيش السري مشروعية كل الوسائل: تخريب المصالح الحيوية و التصفية الجسدية للإطارات الجزائرية .
و إغتيال المؤيدين لسياسة ديغول و أعمال السطو و النهب للبنوك ومصالح البريد و تأسيس فروع للمنظمة في فرنسا و تشكيل ميليشيات يؤطرها أساسا ضباط م
تقاعدون وبعض الغلاة من العملاء الجزائريين و الأقدام السوداء و خلق جو من الإرهاب المنظم
و توزيع المناشير التحريضية واستعمال البث السري الإذاعي والكتابات الجدارية
والقتل الجماعي والفردي لكل من يعترض برنامجها .
و تعتبر منظمة الجيش السري البوتقة التي إنصهرت فيها مختلف التنظيمات الإجرامية بعد أن أحسوا بإقتراب ساعة إنهيار حلمهم القائم على أسطورة الجزائر فرنسية إلى الأبد .
و حاولت هذه المنظمة الوقوف ضد إستقلال الجزائر وذلك بإرتكاب جرائم عديدة في حق الشعب الجزائري والممتلكات العمومية ,
وتخطيط العمليات العسكرية ونشر شبكة من الخلايا ضمت مختلف شرائح المعمرين والأجهزة الأمنية و إستهداف عدد كبير من الجزائريين من مختلف الشرائح
وقتل المساجين في زنزانات مراكز الشرطة مثلما وقع في مركز شرطة حسين داي
و تنفيذ سلسلة من التفجيرات قدرت بنحو2293 تفجير بالعبوات البلاستيكية خلال الفترة الممتدة مابين سبتمبر 1961 و مارس 1962 أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 700 ضحية و تصعيد العمل الإجرامي للمنظمة بعد التوقيع على وقف إطلاق النار،
 الحرق العمدي للمؤسسات منها ما أصاب مكتبة جامعة الجزائر في 7جوان 1962 حيث أتى على أزيد من 600 ألف كتاب .
وبقدر ما كان لهذه المنظمة من تأثير في إيجاد ضمانات للأقلية الأوروبية في المفاوضات بقدر ما أثرت سلبا على مصير بقائهم في الجزائر المستقلة . و أصدرت هذه المنظمة في ذلك الوقت البيان التالي : أيها الفرنسيون من جميع الأصول ..
 
إن الساعة الأخيرة لفرنسا بالجزائر هي آخر ساعة لفرنسا في العالم وآخر ساعة للغرب.
اليوم كل شيء جاهز كي يضيع أو ينجو ، كل مرهون بإرادتنا، و بالجيش الوطني.
نحن ندرك أن المعركة الفاصلة قربت ونعرف أن الانتصار في معركتنا هذه يتطلب الوحدة الشاملة والانضباط التام.
وكذلك قررت كل الحركات الوطنية السرية وتنظيماتها المقاومة دمج قواهم ومجهوداتهم في حركة مقاومة واحدة هي:
منظمة الجيش السري O.A.S
أيها الجزائريون بجميع أصولكم.
بكفاحكم من أجل الجزائر فرنسية، فإنكم تكافحون من أجل حياتكم وشرفكم ومستقبل أبنائكم ، تشاركون في الحركة الكبرى للتجديد الوطني.
وفي هذا الكفاح ، ستتبعون أوامر منظمة الجيش السري فقط.
تأكدوا أننا سنوجه أسلحتنا جميعا ، ضد التخلي عن الجزائر وإن الانتصار مضمون إذا عرفنا كيف نناله في الهدوء والثقة، كلنا واقفون جاهزون، كلنا موحدون .
تحيا فرنسا…إنتهى البيان
 
وفرنسا التي كانت مصرة على البقاء في الجزائر ومنحت الإستقلال لتونس والمغرب من أجل أن تبقي يدها على الجزائر نجحت وبإمتياز في تأسيس عصابة من الجزائريين الذين ألحقوا أكبر الأضرار بثورة الجزائر وإستقلالها . و قد نجح عملاء باريس بقتل مئات المجاهدين من أبناء باديس خلال الثورة الجزائرية المباركة . فالشهيد مصطفى بن بولعيد أحد الستة الذين فجروا ثورة التحرير تمت تصفيته من قبل أحد الجواسيس الجزائريين الذين كان مغروسا في صفوف الثوار , و ذلك خلاف الرواية الرسمية التي أعتمدت بعد الإستقال من أن الشهيد بن بولعيد قضى خلال إنفجار مذياع مفخخ في ظروف غامضة .
و حسب رواية الطاهر الزبيري آخر قادة الأوراس التاريخيين فإن عودة مصطفى بن بولعيد إلى مركز قيادة منطقة الأوراس فاجأت عجول عجول الذي آلت إليه قيادة المنطقة العسكرية التي كانت تحت قيادة بن بولعيد و ذلك بعدما تمكن عجول عجول من التخلص من شيحاني بشير نائب بن بولعيد الذي خلفه على رأس المنطقة قبل إعتقاله على الحدود التونسية الليبية، وكان عجول هو الذي أمر بقتل نائبه شيحاني بشير و عشرات المجاهدين و كان بشير شيحاني يعتبر من أهم العقول الجزائرية ومن أكبر المثقفين , إلى درجة أن بن بولعيد وبخ عجول قائلا له : إن الجزائر غير قادرة على إنجاب مثل بشير شيحاني .
 
ويرى الزبيري أن الجهاز المفخخ الذي أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد تركته فرقة للجيش الفرنسي بمكان غير بعيد عن مركز قيادة الأوراس ، وعند مغادرتها للمكان عثر المجاهدون على الجهاز فحملوه إلى مصطفى بن بولعيد
الذي أراد تشغيله فانفجر الجهاز مما أدى إلى استشهاد البطل بن بولعيد ، وقد إعترف بعض جنرالات فرنسا في مذكراتهم بأنهم هم من خطط وفخخ الجهاز الذي أدى إلى استشهاد أحد مفجرّي الثورة الجزائرية مصطفى بن بولعيد قائد المنطقة الأولى . أما سعيداني فقد إتهمّ عجول بإغتيال نمر الأوراس , و أنه غير مكانه عندما أمسك بن بولعيد المذياع المفخخ المذياع الذي لغمّه على الألماني بطب من عجول عجول أحد الجواسيس الجزائريين داخل صفوف الثورة الجزائرية .
 
و يذهب الكاتب محمد عباس إلى القول بأنّ المخابرات الفرنسية وعلى أعلى المستويات في باريس هي التي دبرت عملية إغتيال مصطفى بن بولعيد بإعتراف جنرالاتها الذين إعتبروا هذه العملية إنجازا كبيرا لهم يستحق الإفتخار ، حيث نشر أحد رجال المخابرات الفرنسية كتابا تحت إسم مستعار تحدث بالتفصيل عن هذه العملية “الناجحة” التي أدت إلى تعطيل ولاية الأوراس من 1956 إلى غاية نهاية 1959 وبداية 1960 وتحييدها عن الكفاح المسلح . و كان لفرنسا جيش كبير من العملاء الجزائريين الذين كانوا تابعين للمخابرات الفرنسية . و لم يكن مصطفى بن بولعيد المجاهد الأول أو الأخير الذي صفته المخابرات الفرنسية بأيدي العملاء الجزائريين المدربين إبان الثورة الجزائرية , فهناك آلاف المجاهدين و الذين قتلوا في الجبال أو دلّ على مكان وجودهم العملاء الجزائريون فقتلوا أو نسفت بيوتهم كما حدث مع علي لابوانت و حسيبة بن بوعلي .
 
و مثلما تمت تصفية مصطفى بن بولعيد فقد صفيّ أيضا أحد قادة الثورة ومهندس مؤتمر على أيدي بعض الذين كان يعتبرهم رفاقا له في كانون الأول –   ديسمبر 1957 . و كان رمضان يرى أمور الجزائر يجب أن تكون بيد قادة الثورة الجزائرية في الداخل و ليس بيد قادة الخارج , و قيل أن هواري بومدين و من إستولوا على الحكم لاحقا كانون وراء تصفيته .
 
و توالت الإغتيالات في الجزائر أثناء وبعد الإستقلال , الأمر الذي أكدّ للجزائريين أن منظمة الجيش السري الفرنسي لم تغادر الجزائر مع ديغول , و أن عملاء فرنسا من الجزائريين الخونة كلفوا بالبقاء في الجزائر لمهام أخطر , و هكذا توالت الإغتيالات حيث أغتيل محمد خميستي بالرصاص سنة 1962   , و إغتيل محمد خيضر في العاصمة الإسبانية مدريد 1967 وكريم بلقاسم في فرانكفورت سنة 1970 و كل من محمد خيضر و كريم بلقاسم كان من اللذين الخلية المفجرة لثورة التحرير , و عندما أطاح هواري بومدين بالرئيس أحمد بن بلة في 19 حزيران – يونيو 1965 هاجر كريم بلقاسم إلى ألمانيا و قال قولته المشهورة : سبع سنوات من الإستقلال كانت أسوأ من سبع سنوات من الحرب , و قرر بومدين تصفيته , كما جرت تصفية كثيرين من قبل الأجهزة الإستخباراتية الجزائرية و التي كانت مؤلفة من أصحاب التوجهات الفرانكفونية و الشيوعية , وتكونّ بعضهم على يد الإستخبارات السوفياتية السابقة والستازي . و قد إتهم أحمد محساس – وهو من مواليد 1923 ببودواو ، و الذي بدأ نضاله في صفوف الحركة الوطنية في سن مبكر و أعتقل مرارا لنشاطه السياسي , و كان عضوا في المنظمة الخاصة مستوى القيادة العليا و في عام 1950 أعتقل من قبل الجيش الفرنسي و نقل إلى سجن البليدة وفرّ لاحقا مع أحمد بن بلة – الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة بفضح أسرار المجاهدين و الثوّار الجزائريين , و كشف محساس أن بن بلة قدم للشرطة الفرنسية كل المعلومات عن المنظمة السرية دون أن يتعرض لأي تعذيب وقال لقد كشف ودل المخابرات الفرنسية على كل الشخصيات الثائرة , وبادر إلى ذلك دون أن يعذبّ .
 
 
 
 
 
 
 
يحيى أبو زكريا
 
مشرف البرامج السياسية والاخبارية 
Exit mobile version