أسوء شيء أن تلتفت فلا تجد إلا واقعا على غير ما يجب ، لا مستقبل ولاحاضر ولا ماض يدعمك بذاكرته كي تنطلق، حين تجد أنك في وطن محاصر فيه من كل جهاته وتوجهاته ، وطن لا يستوعب وجودك كانسان تنتمي اليه ، وتشعر بأنك جزء من كينونته تتمنى لو ترحل كنورس مهاجر ، بعيدا بعيد حيث تنفتح لك أفق جديدة تستعيد فيها قدرتك على أن تصنع ذاتك صناعة متقنة تنتج الأجمل وتعرف كيف تصاغ الحياة كما يجب.
الوطن ضيق ، ضيق يتسع للموسعين المتوسعين على حسابنا نحن الضائعون الذين نكافح من أجل تكوينه كما ينبغي بشرف .
الوطن مشفر مستقبلة بالغموض يجتاحه كساح الخيارات المؤجلة لإنقاذه ، يقذفنا الواقع إلى فك أنياب لا ترحم ، نستحم كل يوم بحميم البؤس المتسع ، فيما ترفل القلة بنعيم الوجود القارض لأحلام الناس ورغيف عيشهم وأمان وجودهم
يراوح الوطن بين هذا وذاك فيما يكون عليك ان ترى أكثر مما يرى الآخرون ، تظل هناك بين فكي واقع متوحش لا يرحم واقع يراوغ قدرتك على إدراكه ، ما تستطيع ان تنجزه ليس إلا إعجازا ناء به كاهلك ، جهدا ومشقة ، ومشنقة وطن مشنوق من الوريد إلى الوريد .
تمر الأيام على انتظار أن يغدو وطنك وطن ، تنمحي من خارطة الوجود رويدا ريدا ، غير أنك تبقى ممسكا بقلم وورقة ، تنثر أفكارك في قيعان لا تمسك فكرا ، ولا تنبت خيرا ، غير أشواك قديمة تتجدد وترتدي أسوء ماضيها.
أنت صحيح تدرك أي سخرية هنا يتلوها المكان الجامد أمام ناظريك ، تدرك أن ما يتجسد نقيض ما يحلم به الكثير وتحلم به أنت ، وان الواقع هو، هو بكل ما فيه من عفونة لا ينكرها إدراكك ، عليك ان تمارس مهارة السباحة فيه كي لا تكون عرضة لغرق أخرق يحاول إيقاعك في مصايده المحاكة بمكر وعناية فائقتين.
احتفظ بعقلك ، لأن العقل المستيقظ هو القادر على تجديد إمكانات التحدي لديك ، تحدي القدرة على ان تسلك ما يجعلك في حالة اجتياز مستمر لغموض الدرب الذي تعبره ويعبره الكثير ، والمعرفة تجعلك أيضا مدركا لكل ما تجهله ويستصعب أمامك، لكن الوطن حين يضيق يغدو الرحيل أمنية.
صحفي يمني