ليت الشباب يعود يوما
بقلم :سهام البيايضة
قائل هذه الامنية ,لابد ان قلبه قد اكتوى بنار حسرة الشيخوخة,حتى اصبحت كلماته متداولة على السنة الكثيرين ممن اشتعل الشيب رؤوسهم, قبل ان يشتعل في قلوبهم وخواطرهم, يستصرخون ايام الشباب ويتمسكون بتلابيب العمر, متحدين, الشكل والظاهر الذي انحرف الى مسيرة الهرم والكبر, وبداية مظاهر الشيخوخة والوهن .ولا تزال في النفس رغباتها ونداوتها, ليقف ابيض الشعر ليحد من نزعات النفس في الاستمتاع بنظرة هنا او تعليق هناك او حركة عفوية فيها خفة ورشاقة قلب, لا يزال يرفرف باجنحته الخفيفة رغم ثقل السنين وامتداد العمر.
انها لحظات التوقف للمراجعة ,عند الصدمة الاولى والشعور المفاجيء بان سنوات العمر قد عدت مسرعة وان كثير من الامنيات لم تتحقق ولم تكن قريبة من المنال, والوقوف على ارض الواقع, بعد غفلة الانشغال في امور كانت مرتبة لخدمة مسؤوليات وواجبات حملتها الايام مع سنوات العمر, التي مرت كمر السحاب, مسرعة غير مترويه, لنكتشف ان العمر قد مضى وان الاولاد, قد كبروا, وان الحياة لم تمهلنا لنعيد النظر ,او لنصلح الحال, او لنستدرك شيئا مما مضى وغاب ,نواجة تعب المفاصل والعضلات, ونلجم احلام النفس, ورغباتها وليقف وهن الجسد,امام خفوت طاقة الجسد, وقصد الاستمرار بوتيرة ,إعتقدنا انها ثابته ومستقرة ,مع استقرار النفس التي احتفظت برغبتها في الحياة, وتتمسك بنبضات القلب وشغفه.
أن نكبر, وان نهرم ,شيء لا بد ان نستعد له ونعمل له, لنكون أقرب الى واقع الحال وتغيراته الحتمية, حتى لا نصطدم بذهول مواجهة العمر المسرع في خطاه ,متخطيا خطط العقل وامنياته, لنقف فجأة, امام مرآة احد المداخل, وتحت ضؤ النهار, فنجد ان التجاعيد قد بدات تخط خطوطها مع الزمن الذي رسم سنينه وايامه فوق تعابير الوجه وعلى مساحات الجسد كافة.
وهن الجسد والعقل ,حقيقتان لا بد ان نستعد لهما,و للتغيرات في كل منهما ,حتى لا نقع في اندهاش الغفلة امام حتمية تقدم العمر, التي تتقدم ولا مجال لعودة سنينها التي انقضت وانتهت.
الانحدار فوق منحنى العمر المتزايد بسلبية الجسد والعمر, والمنحدرة الى حافة القبر,تذكرة وعبرة ودروس في الحياة وفي النفس البشرية ,لا يجب ان نتعداها دون ان نعتبر ونتعلم ونستنتج, من تجربة الاهل والاقرباء ومن وصلت بهم نهاية الايام الى اقتراب من اخر المطاف ,اباء وامهات واجداد ,تراجعت لديهم الذاكرة, ووهن العقل وانمسحت ومضات استرجاع الذكرى ,وتكاسلت الاقدام وارتجفت الاعصاب ,وانتفضت قبضة اليد,وهي تتناول شربة ماء او تحاول ايصال لقمة الى الفم.
جسد ضعيف يرتجف ,وعقل تحولت مفاهيمة لتحاكي طفولة مبكرة عند طفل عنييد,وعمليات هدم مستمرة لاجهزة وانسجة جلدية ملت من البناء والهدم لتركز على الهدم فقط, قبل ان تبدا بقتل خلايا الدماغ, وتنسيه الذاكرة والازمنة الماضية, وافكار وتجارب في الحياة, اغنت وتحكمت ووجهت , فيها التنوع واختلاف المقاصد والراي لنجتمع جميعا على مفترق الحياة- اذا اعطينا شيئا من العمر- لنقف متساوين امام انهيار الجسد وفشل الذاكرة, في استرجاع زخم المعرفة, في مرحلة عمرية تعيدنا للشعور بالضعف والعجز الا بما حضيناه من محبة الاولاد واقرب الاحبة الذين يتواجدون للمساعدة والتكريم ومساندة سواعد حملتنا اطفالا لنحملهم عاجزين هرمين.
صعب جدا ان نعايش سقوط هالة عظمة الاباء والامهات, امام العجز والضعف, بعد ان نهلنا من ينابيع عطائهم ووجودهم معنا ونحن نحبوا ونمشي ثم نكبر, لنعيد اليهم بعض من كبرياء ذلك الزمان المتجدد بقوة الايمان وامتنان العلاقة بين افراد العائلة الواحدة , التي تعبر عن عظمتهم وكبريائهم التي نستمد منها القدوة والوجود, لتتحول لضعف وارتماء في معظم الحالات,,وحاجة في الارتحال الى عوالم الانغلاق والسكينة والحركة المحدودة ,لا بد ان ,تعترينا مشاعر في الصبر والتحمل ونحن نشاهد اجبتنا قد استولت عليهم معالم الوهن والاقتراب من ختام المشهد الانساني لحقيقة وجود كيان ,كان قبل ثمانين عاما, طفلا, والان اصبح نفس الطفل.بحضورنا وتحت انظارنا.
اصعب الامور, ان نشاهد اباءنا وامهاتنا وقد كبرت اعمارهم ,وهرمت عقولهم واجسادهم ,وان نعيش اضعف حالاتهم التي سقطت مرتمية, بكل ما في الضعف والنحدار المعنوي والانساني, نتلقفهم بايدينا التي كانت صغيرة تتمسك باطرافهم, خوفا من عتمة ليل او مشاهدة شخص غريب نتوحشه ونستجدي الاطمئنان بنظرة حنو تطمئن قلوبنا الصغيرة ,بان لا داعي للخوف فالآمان ينتشر بحس الام والاب ووجودهما, كل شيء على ما يرام.فلا داعي للخوف او القلق.
منذ اللحظة الاولى لقدومنا اطفالا عاجزين ,حملتنا اياديهم , وهم لنا
فرحين ,متاملين ان تمر الايام , متمنين ان يطيل الله في اعمارهم ليروا هذا الولد وهذه البنت وقد اكتمل نموهم ,واستقرت حياتهم ,بشفقة المتأمل السعيد والمنتظر بشوق الى المستقبل.بفارق نفسي وجسدي كبير, بين ان تكون ولد, محمولا بيد امك او ابيك وفي قلوبهم فرح وسعاده , او ان تكون حاملا لامك او ابيك ,وقلبك مهموم,.انه تماما. كالفرق بين طلب الحياة من اجل الامل وطلب الموت من اجل الرحمة.
فرحين ,متاملين ان تمر الايام , متمنين ان يطيل الله في اعمارهم ليروا هذا الولد وهذه البنت وقد اكتمل نموهم ,واستقرت حياتهم ,بشفقة المتأمل السعيد والمنتظر بشوق الى المستقبل.بفارق نفسي وجسدي كبير, بين ان تكون ولد, محمولا بيد امك او ابيك وفي قلوبهم فرح وسعاده , او ان تكون حاملا لامك او ابيك ,وقلبك مهموم,.انه تماما. كالفرق بين طلب الحياة من اجل الامل وطلب الموت من اجل الرحمة.
يد بيضاء كريمة , كل الايادي التي رعت الكهولة ,ونفس صابرة زكيه ,تدير ايام اب عتي, فقد الذاكرة ,نسي من حوله الا من بقي داخل لفافاته العقلية المنسية,من الزمن البعيد, والباقية بين الثنايا تظهر بين الحين والاخر وبدون سبب, يتذكر الماضي ويفلت الجديد,يكرر الكلام ويعيد نفس الاسئلة في كل حين ,لا حافظ ولا مسترجع ,او ام عجوز ,فوق فراش المرض تعاني وتتقرح,لتتاكد امامنا, امثولة البقاء والاستمرار وان للبداية نهاية ,تمر بنا منتظرين ,نقترب من بؤرة الحدث قبل ان يداهما سيل الفراق والجفاء,والنسيان.
دعواتنا وترحمنا على كل من اقعده العجز على فراش الوهن والمرض ,وتقدمت به السنون لتمحي الذاكرة ولتبقي على جسد بالي ومتعب ,نسي الابناء واسم الزوجة ,ينادي اصدقاء ورفاق سبقوه الى دار الحق ,وغابت سيرهم وبقيت في الذاكرة البعيدة سطور تاريخ ,تكتب عنهم وعن امجادهم وسنوات العمل والعطاء ,لنبداء من حيث انتهوا ونكمل ما بدؤا ,نتوارث القلوب الطيبة ,والوفاء المتجدد ,في دعوات استغاثة وتوجه الى الرحمن ان يحنن قلوب ابنائنا علينا اذا ما انقضت سنين العمر ووهن الجسد وانمسحت ذاكرة الايام,…قولوا آمين.