بقلم :سهام البيايضة
هناك اعتقاد سائد هذه الايام بان الدين والايمان مقتصر فقط على شيوخ الدين, وعلى من ظهرت عليهم مظاهر التدين المعروفة في مجتمعنا .من حيث اطلاق اللحية وارتداء الدشداش القصير ,ولبس المنديل بدون عقال, واحيانا اشاهد العمامة, وفي بعض الاحيان اشاهد طاقيه فقط ,ويترك المنديل على الاكتاف ,اما الحذاء فغالبا ما يلبسون الصنادل او(حفايات) تظهر من تحتها الاكعاب المتشققة في الغالب والاصابع ,يجرونها احيانا عند المشي البطيء ,وتنفلت من اقدامهم عند الاسراع.
احترام الحريات الشخصية في ارتداء الفرد ما يشاء ويرغب, داخل مجتمعه ,حق مشروع, طالما انه لا يخالف العرف او ما تعود المجتمع عليه,فهذا شيء نقره ولا نتدخل به, الا في حالة حدوث خطأ سلوكي ,وفكري يلقي اللوم, ويطلق الانتقادات واحيانا الاحكام على الناس, بعيدا عن اسس الحكم الصحيح والموضوعي والعادل .
معظم اصحاب الدين الذين التقيتهم ,سواء في حياتي الطلابية او العملية كانوا افراد عاديين ,طبيعيين ,يعتبرون انفسهم قدوة في السلوك والقول والمظهر,لا يمكن ان تفرق بعضهم عن الرجل العادي الذي يمارس حياته وثقافته ودينه في العصر الحديث ,وفي سنوات الالفية الثالثة من هذا الزمن الذي نعيش,كل حسب قدرته الاقتصادية وعمله ,لا بل ان بعضهم, قد فاق عارضي الازياء في الصفات الشكلية والجمالية ,والذوق الرفيع ,في اختيار اللون و”الستايل” الحديث ,ونوع العطر ,وقليل من الاكسسوارات الرجالية مثل الساعة التي يلبسها او القلم الذي يكتب به ,والحذاء الذي يتنقل فوقه.مع التركيز في الاساس على اهم صفة نادى بها الاسلام الحنيف,الا وهي النظافة وحسن المظهر.فلقد كان خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز ,اذا مر بطرقات المدينة المنورة, عصفت ريحه,ليعلم الناس انه قد مر من هنا.وذلك قبل ان ينتقل الى دمشق ليصبح خليفة المسلمين ابان الدولة الاموية,وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر اصحابه بإرتداء اجمل ما عندهم عند استقبال الوفود العربية ,القادمة الى المدينة المنورة للدخول في الاسلام,وحديثه صلوات الله عليه وسلم :ان الله جميل ويحب الجمال.
لم يكن المظهرالخارجي, في يوم من الايام هو عنوان التدين والايمان, الذي هو بالاساس في القلب ,وصعب جدا ان تقاس قوته, او ان يستدل على مدى رسوخه, بالعين المجردة, وحسب انطباق الشخص على معايير المزاج الخاص ,فهذا امر بين العبد وربه ,والله وحده هو علام القلوب ,فلا يجوز باي شكل من الاشكال الاعتقاد, او التجروء على حكم الله في كون هذا الشخص كافر او مؤمن من خلال مظهره فقط ,فلا احد يملك حق الحكم على الاخرين, الا ما انكشف بعكس ذلك, بالكلام والسلوك الفاضح والمقصود.
زارتني احدى السيدات المستورات,التي افصحت لي عن احوالها واولادها السبعة,اكبرهم لم يتجاوز الثانية عشرة .وصغيرهم تضعه مرة على الكتف الايمن, ثم تنقله الى الايسر, في محاولة لاسكاته,مقاطعا حديثها وشرحها لأوضاعها,.مما جعلني اقاطعها بالسؤال عن زوجها الكريم,حيث استطرت بالسؤال عن ماذا يفعل ليواجه متطلبات الحياة ومسؤولية الاطفال ؟ فردت انه قد خرج في سبيل الله,فعدت للسؤال مستفسرة :هل خرج للجهاد ؟هل هو في الشيشان؟,عندها شعرت انني احرجتها فأعدت السؤال موضحة : اقصد ماذا يعمل زوجك؟ردت: انه يخرج لدعوة الناس الى الدين الاسلامي مع رجال الدعوة, يسكنون الجوامع وينتقلون في سبيل الله,فعدت للسؤال :وهل هو مسافر خارج البلاد ,فردت :لا انه في الاردن,فقلت لها :وهل نحن في الاردن كفرة ليدعونا الى الاسلام من جديد؟ام يعتقدون اننا ردة؟
المهم انني سمعت العجب ,والاهم انني سالتها عن اولادها وحاجتهم للرعاية والتكفل بمصروفهم ومأكلهم فردت: انه تركنا في رعاية الله ناكل من حشاش الارض!
حقيقة , شعرت انها تتحدث عن دين ليس بالدين الذي تعلمناه ونحن في الصغر ,وطبقناه في الكبر وان هناك عوالم جديدة في الدين لا اعلم من اين اتت. ومن الذي افتى بها وسمح بتطبيقها ,فاذا كانت اللبنة الاساسية في المجتمع الاسلامي هي الاسرة والابناء والتربية والمعاملات والاجتهاد في طلب الرزق والعمل والدعوة الى اتقانه والتوكل على الله في الرزق, وطلبه بالاجتهاد ومقارعة الحياة ,من اجل كسب الاجر, وان مقدار الاجر والثواب بمقدار مواجهة الحياة والناس ضمن مجتمع متكامل بالعمل والعقيدة والايمان,فاين ذلك الزوج من مسؤولياته ومن اسرته ومن مجتمعه؟ ,اليست اسرته اولى بان يجاهد بالعمل من اجلها؟؟ ,اليس من حق الزوجة الجلوس والاطمئنان في بيتها تحت رعاية زوجية تضمن لها عدم سؤال الناس ,ونظرة الشفقة عليها وعلى اولادها؟, وترك الناس في احوالها ومعتقداتها ,طالما ان الجميع يحفظون جانبهم فلا ضرر ولا ضرار ولا اذى في الناس والخلق؟
عندما تخرجت من الكلية وفي اليوم الاول للعمل ,عدت ضجرة وحزينة ولا رغبة لي بالعمل,وذلك عندما رايت تنوع واختلاف الحياة الطلابية عن الحياة العملية,وشعرت انني لست بحاجة لان اخوض تجارب الحياة ومقارعة الناس والمدراء والزملاء ,فقلت لوالدي انني لا ارغب بالعمل ,واذكر انني سالته :اليس الله هو الرزاق وهو الكفيل بعبادة؟فلماذا نضطر للعمل ؟عندها ضحك مني والدي وقال لي :ان العمل عبادة وان قاهر عمله لا يقهر وانني ساخدم بعملي الوطن وابناء بلدي, وان العمل سيوفر لي الخبرة في الحياة ,والقدرة على التعامل مع الناس وان هذه الخبرة ستضع العالم امامي, في مشهد واحد كما في كرة بلورية,وان الاجر بمقد
ار العمل والاجتهاد وما نخسره بالمال نكسبه بالمعنويات والخبرة .
لم يكن والدي من اصحاب الدعوة في يوم من الايام ,يصوم رمضان ويصلي صلواته الخمس ويعمل من اجل اسرته ومجتمعه,مثله كمثل الكثيرين ممن قامت على سواعدهم اركان الدولة ,ومؤسساتها ,يحملون عقيدتهم بالفطرة وعفوية المسلم البسيط ,المتوكل والقانع ,يدعمنا في خيرنا وشرنا ويشد ازرنا عندما تتقاعص الهمم ويذكرنا ان المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
لقد تعلمنا ان نواجه الحياة وان نعمل وان يكون لنا قرار فيها, وان نكون الامتداد الخير والطيب لسيرة الاجداد والاباء,وان نزرع الخير والعمل الطيب لا منتظرين مكسب ولا مديح,نعيش الحياة كما لواننا نعيش ابدا, ونخاف الله وكاننا سنموت بعد لحظات .
هكذا عشنا وشكرنا, وهكذا زرعنا في الابناء معاني الحياة ,فلا تطرف ولا احكام مسبقة ,ولا تضييق على العباد ناخذ بأبسط الاحكام وأوسطها في الخير والشر. مسلمين نحفظ اللسان واليد عن الناس.
نسال الله الثواب والمغفرة وحسن الختام.