أرشيف - غير مصنف
عاصمة الثقافة العربية .. ام عاصمة الاستيطان الاسرائيلي؟
نزار السهلي
لم تكن بحاجة الذهنية العربية مع ما اكتسبته حتى التخمة من الجرائم المرتكبة بحقها الى مزيد من شهادات جنود الاحتلال الاسرائيلي لتكتشف معها ان هناك اوامر صدرت للجنود للقتل بدم بارد سكان الاراضي المحتلة في فلسطين ومعها شعوب المنطقة التي فجعت بجرائم يندى لها التاريخ البشري , فالسوري والمصري واللبناني والاردني والعراقي كان شريك الفلسطيني في فعل الجزرة المفتعلة بحقه وحق شعوب المنطقة المستمرة والمتواصلة بحالتها الفلسطينية منذ ستين عاما كمنهج اختطته الصهيونية طريقا وحيدا للسيطرة وفرض سياسة الامر الواقع على شعوب المنطقة العربية ليصار بعدها ان تعتمد الذهنية العربية احصاء ما لحق بها من جرائم مقابل ذهنية صهيونية اعتمدت سياسة البطش والقوة والجريمة كاداة لتنفيذ سياساتها الاستعمارية الاستيطانية على الارض الفلسطينية ولقد راجت هذه السياسة الصهيونية بقوة تنظيمها الشامل امام الوهن العربي المتصاعد متوازيا مع وتيرة الجرائم الإسرائيلية المتصاعدة باشكال عدة ارتقت الى فاشية عنصرية عبرت عن ذاتها خلال مراحل عدة من تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي لتتوج بيوميات العدوان الاخير على غزة وما تبعها من اجراءات هستيرية جراء الفشل في تحقيق اهداف العدوان وفشل الجانب الاسرائيلي في فرض شروطه في مفاوضات اطلاق سراح شاليت ” مالىء الدنيا وشاغل ساستها ” للعودة الى ذويه بينما يقبع اكثر من احد عشر الف أسير خاف قضبان الفاشية الجديدة دون ان يتحرك العالم المتحضر ومن خلفهم دعاة النهج التفاوضي والخيار السلمي الاستراتيجي للحكومات العربية التي وجدت نفسها وسيطا للضغط لاطلاق شاليت الذي حفظ اسمه معظم السياسييين الذين يفدون الى المنطقة تباعا , بينما ممنوع على المواطن الفلسطيني فوق ارضه ان يتواصل مع ذويه وان يحتفل بكل مناسباته التي تحاصرها عقلية عنصرية فاشية
من الضروري والواجب الوطني والاخلاقي متابعة ما تقوم به “اسرائيل ” من اجراءات على ارض الواقع لخلق وقائع جديدة ووضعه في ميزان رسائلها ووسائلها الاعلامية المضللة الموجهة لقوى الخيارات الاستراتيجية للمبادرات السلمية الذي ابى النظام الرسمي العربي التنازل عنها ..فتبرير سياسة الاستيطان المتبعة حينا بدواع امنية واحيانا التطور والنمو الطبيعي للمستوطنات وفي الجوهر كحق ديني وتاريخي فقد اعلن حزب العمل في العام 1977 ان المستوطنات تمثل ركيزة اساسية لقوة اسرائيل ووجه الدعوة انذاك لحزب الليكود الى اقامة المستوطنات في “جميع اراضي اسرائيل “
عاصمة التهويد والاستيطان
من الممكن جدا اعتبار مدينة القدس النموذج الابرز في السياسة الاستيطانية للعقلية الصهيونية فمن الناحية السياسية كان قرار ضم القدس في 27/6/ 1967 اول قرار اتخذته اسرائيل بعد الحرب ومن الناحية العملية شهدت المدينة اسلوب التهجير عن طريق هدم الاحياء وتهجير سكانها ومصادرة ممتلكاتهم عن طريق الطلب من سكانها تقديم ثبوتيات ملكيتهم التي تعذر العثور عليها بعد الحرب وادى ذلك الى صدور قانون املاك الغائبين الذي بموجبه اتاحت اسرائيل لنفسها السيطرة على معظم اراضي القدس وانتزاع املاك الفلسطينيين العرب ومن اجل توسيع هذا القانون بما يخدم اهدافها في مصادرة الاراضي الحقته بقانون ” الحاضر الغائب “
حيث يعتبر المالك غائبا عن المدينة التي يملك فيها بيتا وان كان ذلك حاضرا في مدينة اخرى واصدرت حكومة مناحيم بيغن قرارات تغطية قانونية ابرزها اعلان حق ” دولة اسرائيل” في مصادرة الاراضي العامة والصخرية في الضفة الغربية وتقدر بمليون و200 الف دونم وزيادة الاستيطان في العقدين الماضيين حسب موقع عرب 48 الى 137 % في المناطق المحتلة
ولهذا يمكن اعتبار القدس نموذجا لسياسة الاستيطان نظرا للوسائل المستخدمة للسيطرة عليها وتهويدها ومع انطلاق فعالياتها كعاصمة للثقافة واجراءات الاذلال المفروضة على الوفود المشاركة ومنعها من الوصول الى المدينة وفرض مجموعة اجراءات تهدف لمنع أي نشاط احتفالي في القدس او داخل الخط الاخضر ونشرت صحيفة هارتس 20 /3 لميرون بنبستي مقال بعنوان الحديقة الممجوجة في اشارة الى حديقة الملك داوود المنوي اقامتها في حي البستان في سلوان يتحدث فيها ان رؤساء بلدية القدس المتعاقبون عليها لديهم مهمة الهية وروحانية وهم يعملون دون أن يأبهوا بنتائج افعالهم. هكذا تصرف تيدي كوليك حين أعلن عن اقامة الحديقة الوطنية في منطقة ضمت مئات البيوت بما فيهم من الاف السكان العرب الذين اصبحوا بذلك مخالفي بناء وبيوتهم مرشحة للهدم؛ هكذا تصرف ايهود اولمرت بفتحه نفق المبكى، “صخرة وجودنا” الفعل الذي ادى الى خسائر عديدة في الارواح، من يهود وعرب؛ وهكذا يتصرف رئيس البلدية حديث العهد، نير بركات، في قضية هدم المنازل المخطط له في سلوان وفي امكان اخرى في المدينة.
ولكن من غير الجدير الاستخفاف بهذا الوصف والغائه وكأن به هذيان متزمتين رومانسيين وذلك لانه اذا حاول كل واحد منا نبش ذاكرته فانه سرعان ما سيكتشف انه هو ايضا تربى على روايات مشابهة، وضعت في شبكة التعليم الصهيونية للتصدي للواقع الذي يهدد طريق رسم ماضي اسطوري. رد فعل المهاجرين الصهاينة على المشهد المادي والبشري الذي ظهر لهم لدى قدومهم البلاد كان مزدوجا: في البداية، بدأوا ينظرون الى المشهد الظاهر للعيان كشريحة تخفي من تحتها المشهد الحقيقي – مشهد وطنهم العتيق. في هذا المشهد الذي تكشف امام ناظريهم، بحثوا عن بقايا لا تزال موجودة من حلمهم ورويدا رويدا رسموا لانفسهم خريطة جديدة، غطت المشهد المهدد. ولكن لم يكن هذه مجرد خريطة من الورق والارهام؛ فقد اصروا على ان يصمموا الواقع، المشهد المادي، وفقا لرؤياهم واحلامهم. فقد حطموا المشهد الفلسطيني وبنوا مكانه مشهدهم الخاص، حيث تشكل الاسطورة العتيقة مبررا وذريعة
اذا الاعتماد على الاساطير والخرافات المؤسسة للكيان الصهيوني وتزوير التاريخ ومحاولة خلق وفرض الوقائع على الارض يجب ان يؤسس لواقع جديد لمواجهة تهويد المدينة وباقي البلدات الفلسطينية وهذا يفرض على القيادات الفلسطينية اولا ومن بعدها القيادات العربية التي ستجتمع في القمة العربية القادمة في الدوحة الى سرعة الحسم في اتخاذ القرارات لمواجهة سرعة التهويد التي تتطلب سرعة مماثلة في حركة العمل الفلسطيني والعربي يكون جوهرها الحفاظ على القدس عاصمة لفلسطين وللثقافة العربية رغم انف الاستيطان.