يوم للام.. لا يكفي
بقلم: غصوب علاء الدين – حزين من اختبر عيد الام بدون ان تكون هالتها حاضرة في المكان والزمان، حزين من اختبر ان لا يكون هناك مجيب على الطرف الاخر من وجوده ليقول لها: كل عام وانت بخير يا امي، حسرة تغلف من اصبح هذا اليوم يذكره انه وحيد في هذا الكون الهمجي، لا قهوة صباح ولا خبز مجبول بحب ابدي ولا صدر حنون يضم جنون الحياة ويجعل من كل الاشياء ممكنا.
لماذا لا نذكر حنيننا الى خبزها وقهوتها الا في يوم ما؟، تكون حاضرة في كل ثنايا حياتنا، تسهر على زرعتنا لتنموا، لتكبر، هي جليستنا وصديقتنا وحامية اسرارنا، هي الوحيدة في دنيانا من نرتبط به بسرنا الكوني للوجود، هي كل الاشياء النابضة بعروقنا، ضعفنا وقوتنا وخوفنا وجرئتنا، هي جنونا وحكمتنا، شغفنا وقسوتنا هي كل متناقضتنا، هي كل ما نحن.
كثيرون منا استفاقو نهار يوم ما، وارتجف قلبهم رعبا على سواد المشهد، لم يبحثوا عن وردة او اغلفة ليقدوا قلبهم، كان يوما ملبدا بالقسوة كثرت بها التساؤلات، لماذا؟، وكثرت بها اشعار وكلمات جوفاء حاولت مهزومة ان تمليء فراغ الاشياء، عصارة الدمع تحولت الى دماء مخثرة تأبى الانصياع لرجفات الجسد المنتفض على ذكرى اليمة باستذكارها، احبك يا امي، هل تسمعيني؟.
الاف خطفت منهم رعشات الحياة، واصبحوا بلا هدف، من نحن بلا ام!، لا شيء، ما العائلة بلا حضورها الحاني بكل الاشياء، حلوها ومرها، لا عائلة، انها اشباه عائلات تحاول لملمة اشلاء ذاتها لتقول لنفسها ولغيرها: لقد رحلت ولكننا باقون على ذكراها، نحبها ونحب انفسنا والحياة تمضي، ولكن بلا وجودها وهمسها الحاني على جبيننا المريض لا يمكن ان تكون الحياة كما نعرفها.
اطفال فقدوا بوصلتهم قسرا وذبحا، فرقتهم الة الموت مبكرا عن طفولتهم، ليال ستمضي ولن تكون بجانبهم تسقيهم روحها، شتاءات ستمضي ولن تكون هناك لتدفي قبلهم المنتفض بردا ورعبا من الاتي، ايام ستنطوي وحجر قاسي عصي يولد في القلب لانها لن تكون في جنبات البيت لتقول لهم: برضاي عليكم، وما بعد رضى الام لينجينا من بشاعة الوحدة، اطفال سيصبحون رجال ونساء مبكرين، لن يعودوا اطفال بسن الورد، رجال ونساء سيفتقدون يوما وكل يوم معنى ان يكون لطف اليوم ابرد من نسمة صيفية تتغلغل الى جسد معترق في صحراء قاحلة.
هي من يمسك بانامله خيوط النور لنا، تجمع البعيد وتقرب الشارد، هي كل جمال طفولتنا وعذريتنا وصفاء قلبنا، انها الحبيبة الاولى والرمق الاول في صرختنا للحياة، ما اصعب ان نفقد ذاكرتنا، ما اصعب ان لا نفرق بعدها ما بين قسوة ذاتنا ورقة الفراشات في ربيع يأبى ان ينتظر.
نحن الى خبزها وقهوتها وهمسها وصوتها وحنوها، احن لمناكفاتها وصدقها وابتساماتها، احن الى شفتيها على جبيني ووجنتي في هزائمي المتكررة، احن لضعفها لضعفي، احن لشموخها عندما تنهضني من ذاتي العليلة الى المجد الاتي، احن لفرحتها بان تجد في فشلي نجاج قادم، احن اليها في محطات حياتي من طفولتي الى اكتمال بدري، احن الى حنينها الا منتهي، انها نهاية بداية الاحزان، وحزننا الابدي على فقدها.
يوم واحد لا يكفي، هناك من كان يعتقد انها باقية واليوم ينظر الى كل الاشياء انها صورتها، ويستذكر: ماذا لو؟، يوم واحد لا يكفي من اعطتنا من قطرات عرقها ونسمات سهرها وانتظارها لنا بان نعود من مكانننا كما كنا، لا يكفي ساعات الدهر ما قد كنا سنقدمه لها بانها هي نحن كما نحن، ببئسنا وجبروتنا، بكذبنا بان هناك ما يمكن ان يكون بدونها، لا تكذيوا ايها البشر النائمين في كوابيس الغد، انها كل الاشياء، انها الام، انها بداية الخلق وخاتمته.