بقلم: سهام البيايضة
جمعتني إحدى الندوات المتخصصة بإدارة الانتخابات قبل أكثر من عشرة سنوات مع سيدات شكلن الطيف الأردني من حيث المنابت والأصول, و الفكر العقائدي الأيدلوجي.فكانت هناك سيدات يتبعن التيار اليساري واخرايات ليبراليات صاحبات فولتية عالية في الطرح والنقاش, وتيارات دينية مختلفة. رغم اختلاف الطرح الفكري, كنت القادمة من الجنوب صاحبة التوجه العشائري البحت. رغم نظرات الاستغراب والاستهجان,كوني اعترف بعشائريتي صراحتا وتخرج كلماتي دالة بوضوح عن مكان قدومي, إلا أنني كنت مصره على حمل هويتي وواقعي, شاء من شاء وأبى من أبى,حتى أنني احتملت فكرة تصنيفي المستترة باني,ضمن المستويات التقليدية والرجعية البائدة. لم تفوتني لمحة ولا تعبير, إلا تقبلتها بثقة عالية ,ففي ظل عدم البوح وانعدام المواجهة, فلا بأس بالنظرات,والشفاه المزمومة,بين الحين والاخر.
تبلور ووضوح أي فكر سياسي وأهميته, لا يقارن في وضوح الفكر العشائري وواقعيته.و بساطته وقربه المفسر للواقع المعاش عند الناس, وقعه أصيل, لا يحتاج لندوات وشرح ولا تعريف,فيكفي انه واقعنا وحالنا وتحت مظلته عشنا, وقبلنا بكافة الخيارات المتاحة, التي جعلت منه مساويا,لا بل ندا, يقف إلى جانب أي تنظير عقائدي مهما كان,لما تشكله العشائرية من اتجاه سياسي اجتماعي له اثاره ووقعة الحقيقي.لهذا وجدت نفسي, بسيطة الطرح مفهومة القصد ومعروفة الاتجاه قريبة جدا من الواقع حبالي مشدودة إلى تراب الأردن, لا تشدها أيادي خارجية انتفع منها أو تستنفع مني.
عندما يكون هناك حديث حول معوقات العمل الاجتماعي والسياسي بأبعاده المختلفة,تجد ان عصى العشائرية هي المقصودة, في أنها العالقة في دواليب التقدم الحضاري والسياسي, وكأن الغير عشائرية, قد سارت وانطلقت!!,وكأنِ ,بقيت لوحدي اجتر افكاري العشائرية واراقب انهياري المزعوم!!!.فهذا ليس بالصحيح بتاتا,لقد فشلت الأكثرية العقائدية وبقيت العشائرية بهدوء وروية,فهي لا تزال الأقدر على تسيير الحراك الاجتماعي والسياسي, لان الأغلبية تتمسك بواقع موجود, لها فاعليتها الاجتماعية والسياسية, فهي بسيطة ولا تحتاج إلى مفكرين وكتب مطبوعة,فالشيء المحسوس والمعاش غير التنظير الفكري.
نظريات التنمية الشاملة, تركز على التنمية الذاتية التي تنبع من الفكر المحلي الخاص ,وعدم اعتماد أفكار غريبة لا علاقة لها بالأوضاع الاجتماعية والنفسية للمجتمعات من اجل تحقيق توازن تنموي يطال كافة المستويات لتكون التنمية شامله وخاليه من الانحرافات في قطاعات ,على حساب اخرى,لهذا سمعنا كثير عن الأحزاب الشيوعية وعن الفكر الرأسمالي وحتى البعثيين وغيرهم, ولم تتشكل أي كتلة بهذه المسميات لغاية الآن في مجلس النواب او استطاعت ان تدعم مرشح حقيقي على مستوى الزخم الفكري والتنظيري المطروح,وكنتيجة لا بد ان تظهر بعد مرور اعوام من الولاءات , لان مختصر الانتخابات السياسية في الاردن “عد رجالك ورد الميه” ,وهذا لا يتكرر إلا بالعشائرية ,حتى الإسلاميين, واقصد في الأطراف واستثني عمان والزرقاء ,فلم يصل احدهم إلى البرلمان إلا بمساعدة الأهل والعشيرة.
اعمدة النظام الاردني , رسخت على واقع العشائرية , كيان هذا البلد أساسه عشائري ,حيث اجتمعت العشائر على مبايعة الأمير عبدا لله بن الحسين المؤسس, فكانت إمارة شرق الأردن .عشائر أردنية’ وقيادة ذات أصول هاشمية, مقبولة ومرحب بها,فوق الأرض الاردنيه . المراهنة على أن الكيان الأردني كيان عشائري مصطنع , طرح مبتور وناقص ,فلقد طالت التقسيمات والاتفاقيات جميع الأرض العربية وتم تقسيمها كافة بعد أن كانت امة واحده فوق الأرض العربية تلقفتها أمواج الفرقة والتقسيم والسلخ ,فكما شمخت دمشق والقاهرة شمخت الكرك وعجلون ,وذكرتا في التاريخ. ندوة “الأردن ليس للبيع” التي عقدها التيار الإسلامي ,لمناقشة عزم الحكومة على بيع مقدرات الدولة ,خرجت بتوصيات: أن على شيوخ العشائر تحمل مسؤولياتهم تجاه ما يحصل في البلد,والعمل على الحد من بيع أملاك الدولة, والتخفيف من مشاكل الناس, من ارتفاع الأسعار وكثير من القضايا المتفاقمة, بسبب انشغال الناس بأمور حياتهم الصعبة . توصيات خارجه عن تيارات إسلامية سياسية لها تأثيرها على ارض الواقع, وتدعمها مؤسسية معروف عنها الإدارة والتنظيم وفيها من الحمائم والصقور ما يغطي شمس الاردن,موضوع يحتاج إلى نظر!! المهم, أن بوصلة القرار النهائي قد توجهت في هذه الظروف إلى الثقل العشائري ليتخذ قراره وليعطي رأيه حول الأوضاع الحالية,والاعتراف بأنها-العشائرية- القادرة على إعادة الأمور إلى نصابها والحد من تغول الحكومة على باقي السلطات ,وعبث الديجيتاليون, والحد من بيع أملاك الدولة وإيجاد حلول لارتفاع الأسعار وأمور كثيرة أشغلت الناس وأثقلت حياتهم. الدعوة إلى إطلاق العشائرية وإعطائها موقعها الاجتماعي والسياسي, والإقرار بآثارها, لا يزيد ولا ينقص من قيمتها كونها موجودة على ارض الواقع ولا يزال لها هذا الوقع الكبير في حياة الناس وطريقة تفكيرهم,و هذا يعطي مؤشرين مهمين لا بد من التوقف عندهما:الأول أن من يستطيع الدفاع عن هذه الأرض هم أبنائها الحقيقيون والمنتمون إلى كل ذرة تراب في الشمال والجنوب ,وان من استفاد في السابق,ولا يزال في الحاضر يستفيد من هذا البلد ,لن يكون لهم أي دور تصحيحي,لانشغالهم بمصالحهم الخاصة ,بعيدا عن الشأن العام,إلا ما يمس هذه المصالح .المؤشر الثاني هو
للتذكير والدعم الأكاديمي . في أن الحكومات تحذر من “العملاق النائم في الأرياف” فما يحدث قريبا من الحكومات في العواصم والمدن لا يشكل أي حراك اجتماعي أو سياسي حقيقي إذا وضعت تلك الحكومات على المحك. الحقيقة الجديدة إن “عيال العشاير”واقصد أبناء العشائر لم يعودوا في هذه المرحلة (رعيان وحراثين ومرابعيه) –يا ليت بعضهم بقي_فلقد عجت بهم الجامعات والمعاهد واستلموا المناصب ,وكان البعض في الأداء لا يتعدى البحث عن طريقة ملائمة للغزو, على مقدرات ألدوله مثلهم كمثل الكثير ممن يشاركوهم الجلسات ويتناوبون وإياهم الوزارات والمناصب, فاختلط الحابل بالنابل في السياسة وفي الحياة,وخاب رجاء الناس بهم ,وتجمدت المشاعر ,وأحبطت النفوس ,لمرآهم, وهم يتمرغون بأموال ترش فوق رؤوسهم .أغمضت عيونهم عن واقع الحال, وارتعشت قبور الآباء الأجداد لانحرافاتهم, وهم ما ارتعش لهم قلب ولا تحرك لهم ضمير. عشائريتنا, التي تمتد فينا إلى العظم ,قائمة وموجودة ,رغم الانحرافات وضياع البوصلة,تحتاج في هذه المرحلة إلى الوقوف و المواجهة , لتنصف أبنائها ولتقف مع الحق ,وتصلح كل اعوجاج ,وتعيد الهيبة إلى الوطن ,وتضع الحدود من جديد. الأذكياء في كافة المجالات أصبحوا كثر .عند الديجيتاليون ,وعند التيارات الإسلامية ,وفي كافة المجالات ,وهذا اعتراف, ومنطق الحال,وموضوعية الطرح ,وتقدير الذات على حقيقتها ,المهم الآن البحث عن الحكماء في ظل هذه الزوابع ,والعودة إلى الرأي السديد وحكمة الأبناء ممن همشت أدوارهم .وعزلت أفكارهم ,في خضم البحث عن دور سياسي في النيابة أو في الوزارة, فكانت على حساب اصحاب الفكر والمواقف المنتمية والمقدرة للوضع العام والنابضة بحس الوطن والمواطن . المثل العربي يؤكد أن فاقد الشيء لا يعطيه, ولقد كانت للظروف مواقفها عندما كانت تسلم المراكز, “لسقط القوم وأرذلهم “,فجاءت النتائج, أنذال وسفلة يتحكمون في اقدار الناس وحياتهم ,والمشاهد كثيرة ومتعددة ,رفعت( ألردي) وأسقطت كرام القوم والناس . اجتماع ذكاء الأبناء وحكمة الآباء والأجداد من وجهاء العشائر, وإعادة الاحترام والتقدير لمن يستحقها, ووضع من شهدت عليهم أفعالهم في أماكنهم الصحيحة ,والبحث عن كبار القوم وعتادها,من أصحاب الرأي والمشورة والنصيحة,هي إجراءات وقائية ,تمنع رياح السموم عند هبوب العاصفة.
العشائرية التقليدية ,متصدرة لا محالة, فنحن جميعا معها ومنها واليها, تمتد فينا عبر الماضي وفي الحاضر والي المستقبل ,تنتشر في أدق التفاصيل ,مفهومة وواضحة ولا تحتاج للتنظير ,ولا تستطيع الحكومات أن تتغول عليها ليبراليون وديجيتاليون وحتى إسلاميون, لا يستطيعون جميعا, الصمود أمام ,عوض وغازي وطايل وصخر وجزاع وكل الأسماء الأردنية , ممن امتدت أقصى رحلاتهم , على خط الباصات المحلية, لزيارة القصبة,أو معسكرات تدريب القوات المسلحة, لوحتهم شمس البيادر ويبست أطراف أصابعهم البنادق ,عساكر ومزارعين ,صحيح أنهم لا يملكون ايميلات ولا يعلمون شيئا عن” الشاتنغ”, لكنهم نشامى الوطن وكنه هذه الأرض, فمن رضي أهلا, ومن امتعض ,فليتفضل ,لان هذا البلد قائم ,بأرضه وشعبه وقيادته ,لا بحفنة دولارات ولا ببراميل النفط والغاز,إنها عزيمة الأردنيين والإصرار. على البقاء.