اليمن : مفهوم الأمن والتنمية وخطف الدولة
بقلم : رداد السلامي
يظن النظام السياسي الحاكم أن إمكانية بناء جهاز أمني يعد كافيا للحفاظ على الأمن القومي للبلاد ، وهذا وهم ليس إلا ، لأن الأمن القومي منظومة متكاملة قوامها التنمية والبناء والديمقراطية كجوهر حقيقي ، ومفهوم الأمن لقومي كقضية مجتمعية كما يؤكد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق” روبرت ماكنمارا ” في كتابه : جوهر الأمن ” مؤكدا على على البعد الداخلي للأمن قائلا” في أي مجتمع يمر بمرحلة التحول ، الى مجتمع عصري ، فإن الأمن يكون معناه التنمية ، وليس المعدات العسكرية ، وإن كان قد يتضمنها ، وليس القوة العسكرية وإن كان يتضمنها ، والأمن ليس النشاط العسكري التقليدي وإن كان قد يشمله ، إن الأمن هو التنمية ، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن ، والدول النامية التي لا تنمو في الواقع لا يمكنها ببساطة أن تظل آمنة “
في بلادنا لا توجد تنمية حقيقية ، بل ليست موجودة أصلا ، واقتصادنا ريعي ، ولا يوجد اقتصاد منتج ،وحالة الوعي الراهنة لدى الشعب إحدى معيقات التنمية ، ودون إدراك خطورة الاستحواذ من قبل القوى التقليدية على الدولة بوعيها الاستحواذي الراهن فإننا لن نبني اقتصادا حقيقيا منتجا ، والتعليم إذ لم يتطور ويفرز مخرجات قادرة على التطبيق والإبداع ولديها وعيا سنظل نتراجع نحو الأسوأ .
اختزال أمننا القومي بوجود جهاز قمعي ، لا يمكن أن يجعلنا بمنأى عن الفوضى والمشاكل فالأمن وعيا وتنمية وتعليم متقدم ووجود دولة حقيقية ، هناك فساد كبير ضار بصحة التنمية في البلاد ، ولذلك لا بد من تعزيز الشفافية ، وإتاحة المعلومة أمام وسائل الإعلام ، له دور كبير في تعزيز الأمن القومي ، وإنعاش التنمية ، وفضح فيروسات الفساد أينما كانت ، شراء الأسلحة لن يحفظ أمننا القومي بقدر ما يحفظ أمن الكرسي كما هو حال الأجهزة الأمنية، كما أن هناك إشكالية كبيرة أيضا تتمثل في إن مواردنا لا تدار بالأسلوب العلمي الذي يحقق لنا تنمية ونهوضا حقيقيين ، بل تكدس في خزائن نخب الحكم ومن يواليها ، من مراكز النفوذ .
كما أن عملية صنع القرار تتم بمزاجية لا تدرك خطورة الانفراد بإصدار قرارات مصيرية ، ولذلك تفشل وتصاب باللافاعلية ، وصنع القرار لكي يكون فعالا يجب أن يكون إجماعيا، يعكس مصالح المجتمع وقواه المختلفة.
الفساد عندنا تطور الى الحد الذي أنه استطاع اختراع أدوات لا تحاسبه ،الدكتور سعد الدين بن طالب عضو هيئة مكافحة الفساد-في الحلقة النقاشية التي نظمها المشترك تحت عنوان”الأزمة الاقتصادية” تساءل عن ما هي طبيعة الفساد في اليمن بعد أن دعا إلى عدم استخدام كلمة فساد مالي وإداري، لأن ذلك تبسيط كبير لقضية الفساد في اليمن-حد قوله-وان القضية تتمثل في خطف الدولة ، ويأتي بعد خطف الدولة الفساد البيروقراطي وهذه مسألة كافية بالنسبة لخطف الدولة.
وقال بن طالب أن ما يسمى بالسياسة المالية والخطة الخماسية كلها كذب في كذب ، ذلك يقتضي أن يكون هناك برلمان وجهاز مركزي بمعنى أن الفساد هو الذي يوجد أدوات لا تحاسبه ولا تستطيع فعل ذلك.
فالفساد كما يقول بن طالب يستحوذ على الحكومة وعلى السلطة القضائية، وعلى البرلمان ، و هو من يتحكم في عملية التنصيب في مؤسسات الدولة من يكون ومن لا يكون ، من يكون وزيرا ومن يستبعد ، ولذلك فعملية الإصلاح السياسي كما يؤكد بن طالب يجب أن تطرح أمام عينيها ذلك ، وهل لا بد من خلق مصلحة حقيقية للنظام لخلق إرادة المحاسبة والمسائلة ، مؤكد ا انه في أي حالة من الحالات التي يستحوذ فيها الفساد على الدولة لا نتوقع استثمارا ، لا في السياحة ولا في الأسماك أو غيرها.
مشيرا أن الفساد في اليمن يأتي في التقارير الدولية تحت عنوان الاستحواذ على الدولة أو خطف الدولة.
——————–
*صحفي يمني