أرشيف - غير مصنف
الباحث التونسي حبيب عائب: إسرائيل ستستولي على مياه العراق!!
إعتاد المراقبون وصانعو القرار على تقديم صورة قاتمة عن معاناة الشرق الأوسط من ندرة كارثية في المياه، لكن الماء متوافر ويزيد عن إحتياجات المنطقة، والمشكلة في سوء توزيعه وتحكم الدول الأقوى في موارده الرئيسة. كما لا يستبعد أن تحصل إسرائيل على مياه من العراق.
هذا هو رأي الخبير التونسي حبيب عائب، المحاضر بجامعة باريس، الأستاذ المشارك بمركز البحوث الإجتماعية بالجامعة الاميركية في القاهرة، والباحث المتخصص في قضايا الحصول على الموارد، ومؤلف العديد من الدراسات، الذي أعرب عنه في أثناء مقابلة مع وكالة انتر بريس سيرفس في مدريد.
وشرح عائب أنه “بإضافة المياه الجوفية إلى مياه الأمطار والأنهار، لتحققنا من أن كمية المياه في المنطقة تتجاوز إلى حد كبير إحتياجات أهالي المنطقة منها، فيزيد إجمالي المياه فيها عن 2,000 متر مكعب للفرد سنويا، فيما يقدر حد الندرة بمجرد 500 لتر مكعب للفرد سنويا. “الماء متوافر إذن”.
وفي ما يلي أبرز ما ورد في مقابلة انتر برس سيرفس مع حبيب عائب في أثناء زيارته لمدريد للمحاضرة عن قضايا الموارد في الشرق الأوسط في مقر “البيت العربي” الذي سيصدر له في نهاية اذار الحالي، كتابا عن التداعيات الإقتصادية والإيكولوجية للنزاعات في العالم العربي.
الانتر برس: كيف تفسر هذا التضارب بين واقع وفرة الموارد المائية في الشرق الأوسط الذي شرحته، وما تعده تحذيرات كارثية من حروب قد تقع بسبب ندرتها؟.
عائب: لابد من النظر في بعض الحقائق الجغرافية والجيو- سياسية البارزة في المنطقة.
أولا: يقع الشرق الأوسط في الرقعة الصحرواية الكبرى الممتدة من محيط الأطلسي حتى جبال تاوروس وزاغروس، أي حتي إيران والعراق.
ثانيا: الشرق الأوسط يستورد مياهه من الخارج، فيأخذ نهر النيل مياهه من البحيرات الكبرى في أفريقيا، فيما ينبع دجلة والفرات في تركيا. هذه الأنهار تسهم بنحو 160,000 مليون متر مكعب في السنة، وهو ما يفوق الإحتياجات الفعلية لسكان الشرق الأوسط البالغ مجموعهم نحو 150 مليون نسمة.
الانتر برس: ما هي المشكلة إذن؟.
عائب: المشكلة تكمن في سوء توزيع المياه، فتتمتع بعض الدول كالعراق مثلا، بموارد مائية هائلة تصل إلى 4,000 متر مكعب للفرد سنويا، بالمقارنة بنحو 250 مترا مكعبا في غزة، ونحو 500 متر مكعب في إسرائيل. كما أن الدول القوية في المنطقة، كتركيا حيث ينبع دجلة والفرات، ومصر حيث يصب النيل، وإسرائيل التي تحصل على مياه نهر الأردن وبحيرة طبرية والروافد والمستنقعات والمياه الجوفية، هذه الدول تتحكم في أهم الموارد المائية في المنطقة.
الانتر برس: هل يكفي النظر إلى خريطة الموارد المائية في الشرق الأوسط للتعرف على مستقبل الحدود النهائية لإسرائيل ولدولة فلسطين التي طال الحديث عنها؟.
عائب: ليس الأمر كذلك بالتحديد. فلا يوجد لدى إسرائيل أو الفلسطينيين ما يكفيهم من الموارد المائية الذاتية، وبالتالي يضطرون إلى الإعتماد على الخارج…
الانتر برس:… لكنه قيل أن المؤتمر اليهودي العالمي والوكالة الصيهونية، في إجتماعات لهما في سويسرا في أواخر القرن الثامن عشر، قد حددا معالم خريطة إسرائيل لتشمل جزءا من مياه نهر النيل…
عائب: هذا هو شأن المشروع الصهيوني. لكنني لا أتخيل أنه سيسمح لإسرائيل أن تتجاوز الحدود الحالية.
الانتر برس:لكنك قلت أن إسرائيل ليس لديها ما يكفيها من المياه وبالتالي عليها أن تعتمد على موارد خارجية. هل يمكن إن تحصل إسرائيل على مياه دجلة والفرات في العراق؟.
عائب: بشكل غير مباشر. كلنا نعلم بممارسات “إستئجار” بلد ما لأراضي بلد آخر لزراعتها و”إستيراد” منتجاتها. هذه الممارسات التي تجريها عشرات الدول، تعرف بظاهرة “المياه الإفتراضية”، أي بأن تشتري دولة ما مياه دولة أخرى على صورة محاصيل مزروعة في هذه الأخيرة وبمياهها.
وبالتالي، ليس من المستحيل أن يُسمح لإسرائيل بزراعة أراض واسعة بالقرب من دجلة والفرات، يتم ريها بمياههما، ثم الحصول على منتجاتها. هذا أمر وارد مع العراق الجديد.
الانتر برس: هل تتوقع إندلاع “حرب مياه” في الشرق الأوسط؟.
عائب: لا أعتقد. والسبب هو أنه لا مصلحة لأي دولة في المنطقة في شن مثل هذه الحرب. تركيا ومصر وإسرائيل، وهي التي تجمع أكبر مصادر المياه في المنطقة، ليس لديها أي مصلحة في إطلاق حرب لن تأتي في نهاية المطاف بزيادة في الموارد المائية المتوفرة لديها. ومن ناحيتها، لا تملك “الدول الضحية” كفلسطين والأردن أو العراق القدرة على محاربة تركيا أو إسرائيل مثلا على الماء.
الانتر برس: ما هي المشكلات الأخرى التي تتحكم في المياه؟.
عائب: القضية الرئيسة هي قضية إنعدام ما يسمى “عدالة المياه”، عدالة توزيع المياه. هناك العديد من الوسائل، إضافة لما سبق، لحرمان المحتاجين للمياه من الحصول عليها، ومنها مثلا تسعير المياه حتى بسعر منخفض، ما يتيحها للقادرين فقط وما يحرم العاجزين عن دفع ثمنها منها.