أرشيف - غير مصنف
القذافى حين يستنهض الأمة فى ذكرى ميلاد نبيها
بقلم د. نور الدين عثمان
الخبير فى مركز تاريخنا للدراسات والنشر – دمشق
قد يختلف البعض منا مع بعض مواقف، ورؤى القائد الليبى معمر القذافى، والخلاف، أمر طبيعى ومشروع، شريطة ألا يصل إلى حد الخصومة فى غير الحق، وفى غير صالح الأمة، فإذا كنا قد اختلفنا مع القذافى، فى بعض الرؤى والمواقف، قديما فنحسب أننا لا ينبغى أن نختلف اليوم معه، خاصة فيما يطرحه منذ ثلاث سنوات حول أهمية إعادة الاعتبار لدور (الأشراف) وآل البيت فى قيادة وريادة الأمة، وأهمية إحياء قيم العدل والوحدة ودرء الفتن ورفض التعصب كما استقرت عبر تجربة الدولة الفاطمية، والتى استمر حكمها ما يزيد على الـ260 عاما، وكانت مثالا للحوار الراقى والتجاور المثمر بين أتباع المذاهب الإسلامية، وخاصة الشيعة والسنة، وكانت دولة استقرت فيها قيم المواطنة بمعناها المتداول اليوم، فمنزلة ومقام المواطن فى تلك الدولة كان بقيمة ما يقدمه لأمته وليس بمذهبه أو حتى دينه، ولذلك وجدنا وزراء وقادة مسيحين بل ويهود لكفاءتهم وعطائهم ومواطنيتهم وليس لمذهبهم أو يدينهم فى صدارة الحكم الفاطمى.
نعود فنقول أنه إذا كان الخلاف مع القذافى جائزا فيما مضى تجاه بعض الرؤى والمواقف السياسية فإنه اليوم تجاه قضيتى (الأشراف) و(الفاطمية) غير جائز لأن دعوة الرجل دعوة للوحدة ولاستنهاض حقيقى للأمة، ودرء فعلى للفتن المذهبية والسياسية التى تتقاطر على رؤوسنا كقطع الليل البهيم، بأيدى وهابية جاهلة تدعى وصلا بالإسلام ولكنها فى الحقيقة أيدى أمريكية / صهيونية .
إن الاتفاق مع القذافى فى إعادة الاعتبار لدور الأشراف ولقيم الفاطمية الجديدة، إزداد وضوحا بعد خطابه التاريخى الذى ألقاه قبل أيام فى نواكشوط بموريتانيا فى مناسبة ذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم، وهو خطاب شامل وهام بكافة المعايير: السياسية والأخلاقية، والإسلامية، وليسمح لنا القارئ أن نتوقف فقط تجاه دعوتين رئيسيتين تضمنهما هذا الخطاب المهم؛ الذى احتوى على عشرات القضايا الأخرى ذات الدلالة والأهمية فى تاريخنا وفى علاقاتنا بالغرب المسيحى. أما القضيتين فهما:
الأولى: قضية الاشراف وأهمية استعادة دورهم فى بعث الإسلام ونهضة الأمة.
الثانية : إعادة إحياء قيم الفاطمية المتصلة بالوحدة ورفض التعصب ودرء الفتن وتوحيد الصفوف. وحول القضيتين نسجل ما يلى:
* * *
بالنسبة للقضية الأولى: يقول القذافى :
بهذه المناسبة التي يتجمع فيها الآلاف من أبناءالأمة الإسلامية من كل القارات، هناك عدد كبير من الأشراف يتواجدون هنا، وتعودتُعلى أن أراهم في كل صلاة جامعة بهذه المناسبة، عندما قمنا بالصلاة الجامعة في مناطقأخرى. (ويبدو أن هذه هي المناسبة وفقا للقذافى) التي يتواجد فيها الأشراف مع بعضهم البعض، لأنالأشراف اضطهدوا، وشردوا، وتشتتوا، وتعرضوا للتنكيل والمطاردة من بعد فشل جيوش ” آلالبيت ” في الوصول إلى الخلافة. يعني بعد تغلّب معاوية على “علي”، لأن معاويةدنيوي، وعلياً أخروي. معاوية جبار وقلبه صلب ويريد الحرب، وقاسٍ في الحرب حتىعلى المسلمين.
“علي” فرضت عليه الحرب، ولكنه ليس دنيوياً كمعاوية، وبالتاليكان جانب “علي” لين، ولذا هُزم في الحرب هذا الجانب، وقطع رأس الحسين.
ويقول القذافى فى موضع آخر ثم بدأتفي عهد الدولة الأموية مطاردة ” آل البيت” حتى لا يطمعوا في الخلافة الإسلامية،فتشتتوا، وخرجوا من الجزيرة العربية ومن الشام، وتشتتوا في العالم، ووصلوا إلىالأندلس وإلى أوروبا، وتشتتوا في شمال إفريقيا بالذات، وفي مناطق أخرى منالعالم.
والذي بقي منهم أُجبرعلى تغيير إسمه، مثلما أُجبر المسلمون في الأندلسعلى تغيير أسمائهم العربية ودينهم إذا أرادوا البقاء.
فللأسف عومل الأشراف فيالبلاد العربية وفي الجزيرة العربية كما عومل المسلمون في شبه جزيرة إيبيريا.. فيالأندلس، في إسبانيا، في أوروبا.
هذه المأساة التى شخصها القذافى ووضع إطارها التاريخى الصحيح والذى بحسب أن كافة الخبراء والمؤرخين يؤكدونه، كان لابد لها من علاج أو دواء على حد وصف القذافى، فما هو؟ الدواء من وجهة نظره هو قيامالدولة الفاطمية.
* * *
تلك هى القضية الثانية المهمة فى الخطاب التاريخى للرجل فى نواكشوط والتى قال عنها نصا فى أرجاء خطابه:
[ الدولة الفاطمية التي هي أنجع الدول الإسلامية في المنطقةالعربية، وهي الوحيدة التى دامت 260 عاما هي الوحيدة التي تساوى فيها كل الناسبإسم الهوية الفاطمية، هي دولة العل
م، ودولة الثقافة، ودولة الفن، ودولة توسيعالنطاق الإسلامي إلى غاية ما وصل صقلية.. عّم البحر المتوسط فوصل إلى جنوب إيطالياوجنوب أوروبا].
م، ودولة الثقافة، ودولة الفن، ودولة توسيعالنطاق الإسلامي إلى غاية ما وصل صقلية.. عّم البحر المتوسط فوصل إلى جنوب إيطالياوجنوب أوروبا].
ثم يقول القذافى : (الآن نحن في شمال إفريقيا عرب ما قبل الإسلام نسمي أنفسنا أمازيغ،بربر، طوارق، تبو، فولاني، هوسا إلى آخره، عرب، عربي تونسي، عربي جزائري، عربيليبي، موريتاني، مصري، حجازي إلى آخره، سوري.. مذهب مالكي، مذهب حنبلي، مذهبشافعي. وظهرت بدع أخرى.. السلفية، والسلفية المقاتلة، والزندقة.
وتقسمت الأمةشيعا وأحزابا و”كل حزب بما لديهم فرحون “، أضعف الأمة وأوهن قواها وذهبت ريحهاوتشتت) ثم فى موضع آخر نجد القذافى يرجع اضطهاد بعض المسلمين اليوم إلى الآتى:
[ بقت طوائف من بقايا الدولة الفاطمية العتيدة تحت الاضطهاد الآن، وتحتالتحقير، وهضم حقوقهم والسخرية بهم، واضطهادهم]
كل الطوائف الإسلامية المضطهدةالآن، هي من بقايا الدولة الفاطمية.
ثم يؤكد على نتيجة مهمة مفادها الآتى:
[ إذا قامت الدولة الفاطمية فإن كل هذهالطوائف المضطهدة الآن سواء في الشام.. في الجزيرة العربية..في شمال إفريقيا، ستبُعث من جديد وتأخذ مكانها في الحياة وتتساوى مع بقية المسلمين].
[ وهذا الاضطهاد يجب أن لا يستمر، فهذا عصر الجماهير وعصرالحريات، وهذه الطوائف كلها لابد أن تتكاتف مع بعضها مع الأشراف لإحياء الدولة الفاطمية]
* * *
ثم يجزم القذافى بتحقق الدولة الفاطمية حين يقول: .
[ وأقول لكم إن العمل يجري بثبات بين المثقفين والمفكرين وحتى السياسيينوالمشرعين والكتاب والصحفيين وعامة الناس والعلماء والواعين، للاقتناع بضرورة قيامالدولة الفاطمية في شمال إفريقيا بحيث تقضي على كل الفروق والتقسيمات والتشتتوالتشرذم الموجود الآن، وتصبح هوية فاطمية واحدة ثم يؤكد: وسواء في عصرنا أو بعدنا،ستقوم الدولة الفاطمية لأن الناس الآن تشتغل ليلا ونهارا على قيام الدولة الفاطميةسلما وليس حربا.
وفي ساعة من الساعات نعلن خلاص إننا إتفقنا على الدولةالفاطمية، قد نجد غالبية البرلمانات من المؤمنين بالدولة الفاطمية، غالبية المجالسالوزارية من المؤمنين بالدولة الفاطمية، غالبية الحكام من المؤمنين بالدولةالفاطمية، غالبية الصحفيين والمفكرين والكتاب والمعلمين مؤمنين بالدولةالفاطمية ].
“عندئذ – وفقا لرؤية القذافى- تقوم الدولة الفاطمية تلقائيا وتشكل لها هياكل بما يناسب العصر” ويبشر القذافى المؤمنين بدعوة الفاطمية الجديدة بحتمية تحققها ثم يطالبهم بعدم الاهتمام بالدعوات التى تشوه دعوة الفاطمية بقوله: لا تهتموا بالجهلة والمرتعدين والخائفين الذين يدّعون أن الدولة الفاطمية ، هي دولة الإباحية ودولة الفسق.
هذا عيب، فالإباحية الموجودة الآنلا تعرفها الدولة الفاطمية، والفسق الموجود الآن لم يكن موجودا في عهد الدولةالفاطمية.
أي دولة الآن حتى إسلامية تقدر تبريء نفسها من الفسق ومن الفجور ومنالفساد ؟!.
متى شرّعت الدولة الفاطمية شرعت ؟.
هي لأنها دولة الحرية.. حريةالشباب، وحرية النساء.
والموجودون الآن يخافون من حرية هذه القوى الشعبية،يفسرون الحرية في عهد الدولة الفاطمية بأنها إباحية واختلاط.
أي إباحية أكثر منالإباحية الموجودة الآن والفساد الموجود الآن ؟!.]
من يستطيع أن يرفع صوته علىالدولة الفاطمية ويبريء نفسه ؟! من يستطيع ؟ !.
ثم يخلص القذافى إلى قوله: هذه ترهات مردود عليها، هميتحججون بهذا لا من أجل هذا الشيء، بل خوفا من إنبعاث الدولة الفاطمية.. دولةالحرية، ودولة الشباب والفن والثقافة والعصرية والعصرنة.
* * *
ويختم القذافى رؤيته الموسعة عن الفاطمية والأشراف بقوله: الأشراف – كما قلت– ينبغي أن لا يبقوا تحت الأرض دائماً، ويجب أن يظهروا للسطح ويأخذوا مكانهم أينماكانوا، ويكفي شتاتا ومطاردة وإضطهادا. كل شريف يجب أن يرفع رأسه ويتمسك بإسمهولقبه وشرفه ونسبه، وهذا فخر، ويجب أن يجمعوا أنفسهم من كل مكان وفي كل مكان لتكونهي الحركة الأقوى لأنهم أصحاب حق.
ثم يطالب قبائل الصحراء الكبرى التيتمتد من العراق والشام والجزيرة وسيناء إلى حدود السنغال وموريتانيا، الذين سبق واجتمعوافي تمبكتو وأعدوا وثيقة تاريخية للوحدة أن يتحركوا على أرضية الفاطمية والأشراف بهدف استنهاض الأمة وتوحيدها .
* &#
160; * *
160; * *
إن هذه الرؤية لدور الفاطمية وقيمها، وأهمية استعادتها اليوم وعلاقة الأشراف ونسل آل بيت النبى، بهذه النهضة تمثل فى تقديرنا دعوة تاريخية تحتاج إلى تبنى وإلى أوسع حوار، وليس إلى تهكم أو سخرية كما يحادل بعض المتسعودين والمتمولين من الوهابية ومن واشنطن فى آن واحد أن يصوروا الأمر. إن دعوة القذافى هى دعوة للمستقبل، رغم استنادها للماضى، بل ربما هذا الاستناد الواعى للماضى (آل البيت – الفاطمية) هو السبب الأبرز والأهم فى كونها دعوة صحيحة ذات جذور وتمتلك حيثية ومصداقية وسط الدعوات الأخرى، إن عودة قيم الحرية والعدالة والوحدة ودرء الفتن ورفض التعصب، تمثل حاجة كبرى تتطلبها الأمة فى هذا الزمان المليئ بالتحديات الجديدة والخطيرة والتى يأتى سيادة الفكر التكفيرى الوهابى، والعدوان الأمريكى/ الصهيونى على الأمة، أحد أبرز وجوه الأزمة وتحدياتها. ونحسب أنه دون امتلاك فقه للتجاوز يستند إلى موروثنا الإسلامى المستنير ودعواته وتجاربه الوسطية الراقية (مثل الفاطمية) لن يمكننا أن نتحرك بقوة نحو المستقبل ولن نستطيع أن نتصدى بشجاعة للعقبات التى تعترض طريق أمة العروبة والإسلام وما أكثرها. والله المستعان.