ارتفاع تكاليف الطباعة.. تقلص الإعلانات.. تراجع الاشتراكات.. كلها إفرازات للأزمة المالية المستفحلة دفعت عددا من كبريات الصحف الأمريكية إلى أن تودع طبعاتها الورقية لتكتفي بمواقعها الإلكترونية. فبعد قرن أمضته كصحيفة ورقية يومية لم يعد بإمكان “كريستيان ساينس مونيتور” أن تدبر التكاليف اللازمة لصدورها كمطبوعة، وكان عددها الصادر يوم الجمعة الماضي آخر عدد يومي ورقي لها، بحسب الصحيفة نفسها.
وستصدر الصحيفة -التي تخرج في ولاية بوسطن- نسخة ورقية أسبوعية لها حتى شهر أكتوبر القادم، وبعدها ينتهي عهدها بالورق نهائيا، ومن ثم تكتفي بموقعها على الإنترنت، الذي يزوره في الوقت الحاضر ما يزيد على مليوني متصفح.
وتعد “المونيتور” أحد أشهر الصحف الأمريكية، حيث حصلت على 7 جوائز “بوليتزر”، وهي أعلى جائزة صحفية أمريكية، واشتهرت الصحيفة -بحسب المراقبين- بالاتزان، والعمق في التحليل، والتميز في الموقف، والابتعاد عن الاستقطاب السياسي، والمهنية العالية، حتى غدت نموذجا ومثلا يحتذى.
ولم تكن “كريستيان ساينس مونيتور” الأولى بين الصحف الأمريكية التي تتوقف عن الصدور كمطبوعة ورقية، إذ سبقتها قبل أسبوعين صحيفة “سياتل بوست إنتلجنسر” عن الصدور بشكل ورقي نهائيا، بعد ما يزيد على 146 عاما.
وكانت الصحيفة توزع أكثر من 117 ألف نسخة كل صباح مما يجعلها أكبر صحيفة يومية مطبوعة في البلاد تكتفي بموقعها الإلكتروني، وخسرت الصحيفة العام الماضي 14 مليون دولار بفعل الأزمة المالية وطرحت للبيع من قبل شركة “هيرست” المالكة لها في يناير الماضي.
الدائرة تتسع
وتتسع يوميا دائرة الصحف الأمريكية التى تودع الورق للأبد، ففي فبراير الماضي انضمت الصحيفة البارزة “روكي ماونتن نيوز كولورادو” إلى قافلة الصحف التي أغلقت أبوابها، وذلك قبل أسابيع قليلة من احتفالها بعامها الـ150.
وسبقتها على الطريق نفسه صحف يومية عريقة احتجبت عن الصدور كمطبوعة ورقية، منها “سينسيناتي بوست” و”بالتيمور إكزامينير” و”كنتاكي بوست”، ويتوقع مراقبون أن تغلق صحيفة “ذا توكسون سيتيزن” خلال الشهر القادم.
وحتى “نيويورك تايمز”، إحدى أبرز الصحف الأمريكية، تواجه مشكلة مالية، فهي ترزح تحت ديون بقيمة مليار دولار أمريكي، ولا تملك منها كسيولة إلا 60 مليون دولار، وقد سجلت أسهمها تراجعا بنسبة 55% خلال العام الماضي.
وعلى الرغم من القرض الذي حصلت عليه من الملياردير المكسيكي اللبناني الأصل كارلوس سليم حلو، فإن قيمة سهم الشركة المدرج في البورصة ما زال يقل عن أربعة دولارات أمريكية.
أسباب أخرى
وهناك أسباب أخرى غير الأزمة المالية العالمية وراء اندثار الصحف الورقية الأمريكية والاكتفاء بالمواقع الإلكترونية أبرزها المنافسة الشديدة من جانب الإنترنت، وخاصة في أوساط الشباب وتراجع التوزيع والاشتراكات.
فقد سجلت أول 23 مطبوعة أمريكية تراجعا حادا بنسبة 6% في عدد النسخ الموزعة خلال عام 2008، وفقا لموقع “نيوز بيبر ووتشو” الذي أشار إلى أن الصحف كانت تسجل خلال دورات الانتخابات الأمريكية ارتفاعا ملحوظا في عدد النسخ الموزعة، الأمر الذي لم تشهده الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
ومؤخرا تلقت “سان فرانسيسكو كرونيكل”، الصحيفة التي لم يكن يتوقع لها السقوط باعتبارها توزع حوالى 400 ألف نسخة يوميا، ضربة قاسية جراء تخفيض عدد نسخها الموزعة وتراجع عائداتها الإعلانية والمنافسة القوية التي تواجهها بسبب الصحف الإلكترونية، وقد باتت الصحيفة الآن مهددة بالانضمام إلى “مقبرة المطبوعات” التي بالكاد تتسع لأي منتسب جديد.
ستختفي بعد 30 عاما

60;
60;
ووفقا للإحصاءات، يناهز متوسط سن قراء الصحف الورقية في أمريكا خمسة وخمسين عاما وما فوق، ويصف 19% فقط من شريحة تتراوح أعمارها بين 18 و34 عاما أنفسهم بأنهم قراء للصحف الورقية، بينما تعتمد الأغلبية على الإنترنت كمصدر للأخبار.
وتوقع الخبير الإعلامي فيليب ماير في كتابه “الجريدة الزائلة” الذي أصدره في العام 2004 أن كل المطبوعات ستختفي خلال الأعوام الثلاثين المقبلة، لتحل محلها مصادر الأخبار الإلكترونية.
وأضاف ماير وآخرون أن المواقع الإخبارية الإلكترونية التي أصبح لها اسم معروف واكتسبت عددا من القراء ستكون حينها في الموقع الملائم وتستفيد من تزايد الاعتماد على شبكة الإنترنت كمصدر للخبر والرأي.