قمة الدوحة بين المتشائمين والمتفائلين
بقلم : زياد ابوشاويش
الباحث عن أسباب تدعو للتشاؤم من نتائج هذه القمة سيجدها في تاريخ هذه القمم والتجربة السابقة لتطبيق قراراتها المتعددة التي لم تنفذ حتى اليوم وأيضاً سيجد ظواهر راهنة تعزز تشاؤمه وقلقه، والباحث عن شمس التفاؤل الدافئة سيجد أيضاً ضالته في بعض الوقائع والخطوات الراهنة، ولكن بعيداً عن تاريخ القمة وسوابقها.
إذن نحن أمام لوحة مختلطة الألوان وتوقعات ترتكز على كم كبير من التجارب السابقة، وأيضاً بنفس القدر أمام حجم للتناقضات والاختلافات في مواقف الدول العربية وتحالفاتها الخارجية تقدم كل المبررات للمتشائمين الذين يتحدثون عن نتائج مخيبة حتى لو اتفق العرب في هذه القمة على التشخيص وسبل العلاج، ويقولون في هذا الصدد أن الأنظمة العربية بغالبيتها غير جادة في تنفيذ قرارات المواجهة السياسية ناهيك عن العسكرية مع اسرائيل وكذلك عاجزة عن اتخاذ قرارات تتجاوز إرادة الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا الاطار يجلب المتشائمون بعض تجارب الماضي القريب وخاصة مأساة العراق وصدام حسين، ويتحدثون عن تجربة مماثلة تظهر اليوم بحدة في السودان المعلق على مذكرة ظالمة وغير قانونية باعتقال رئيسه رغم رفض وزراء الخارجية العرب لهذه المذكرة في اجتماعهم التمهيدي للقمة. والأقرب وأكثر وضوحاً ما جرى في غزة وعدم قدرة النظام الرسمي العربي على عقد قمة طارئة بالخصوص رغم بشاعة العدوان ودمويته، بل أكثر من ذلك عدم الاتفاق على تشخيص الحدث، وفشل هذا النظام في تقديم يد العون للشعب الفلسطيني في غزة بطريقة فعالة حتى بفتح معبر رفح.
ولو استطردنا في تبيان سوابق الفشل والانقسام والصراع حول القضايا الاستراتيجية والتكتيكية لوجدنا ملفات كثيرة ومحزنة، لكن نستطيع القول أن المحبطين من القمة والمتشائمين من نتائجها يمتلكون ذرائع شديدة الوضوح والدلالة على واقعية موقفهم من هذه القمم عموماً ومن بينها الدوحة.
وفي الظواهر الراهنة فقد كان غياب قادة مصر من الصف الأول وخاصة رئيسها عن قمة الدوحة مؤشراً خطيراً على سوء الحالة العربية، ذلك أنه لا يوجد ما يبرر هذا الغياب سوى الكلام السطحي وغير المقنع عن محطة الجزيرة وانتقادها المستمر للحكومة المصرية والرئيس المصري على قصة معبر رفح الذي أغلقته السلطات المصرية في عز العدوان على قطاع غزة حارمةً أبناء القطاع من متنفس لتعزيز صمودهم وبذرائع لا تقنع رجل الشارع المصري أو العربي.
إن حجم مصر ونفوذها المفترض كما توليها ملف المصالحة الفلسطينية يحتم عليها حضور هذه القمة على وجه الخصوص، والحرد بهذا الشكل دليل غير طيب على نوايا النظام المصري تجاه عملية التضامن العربي والمصالحة، وقد يقول بعضهم أن هذا الموقف تقرر خارج حدود مصر.
المسألة الأخرى في الظواهر الحالية والداعية للتخوف هي فشل المصالحة الفلسطينية وعدم تمكن الفرقاء من الاتفاق على مجمل النقاط قبل انعقاد القمة رغم حاجتهم الماسة لمثل هذا الاتفاق قبل القمة ليتمكنوا من تسلم المساعدات والبدء في الاعمار أو إزالة آثار العدوان على غزة.
إن هذا الفشل يدل على أمرين:الأول أن طرفي الصراع الفلسطيني الداخلي فتح وحماس ليستا جاهزتين للقبول بالشريك الآخر على أرضية القواسم المشتركة ولم تستوعبا حراجة الظرف بعد. والأمر الثاني أن الوضع الاقليمي والدولي لم ينضج كفاية لتمهيد الطريق أمام الاتفاق.
وبالاضافة للموقف المصري وبقاء الوضع الفلسطيني على حاله يمكن أن نضيف الأوضاع في أكثر من بلد عربي واستمرار الجفاء والخصومة بين البعض الآخر مثل المغرب والجزائر وغيرهما.
ويمكن للمتشائمين أن يستعينوا بتصريحات بعض القادة العرب أيضاً لاثبات وجهة نظرهم، وقد سمعنا عدداً منهم يتحدث عن صعوبة الظرف الراهن
والعراقيل التي تعترض الوفاق العربي والمصالحة، ولو أخذنا زيارة الرئيس بشار الأسد للدوحة قبل انعقاد القمة بيومين كنموذج للجهود المبذولة في اللحظات الأخيرة لترميم ما يمكن وتمهيد الطريق أمام استكمال الخطوات لعقد المصالحات الضرورية لوجدنا أن ما نقوله حول صعوبة الوضع وتعقيداته له ما يبرره.
والان لنأتي للرأي الآخر والقائل أن القمة ستنتج واقعاً عربياً أفضل من السابق ويتحدث أصحاب هذا الرأي بتفاؤل عن أجواء القمة ونجاحها المؤكد في معالجة عدد من المسائل الجوهرية وفي مقدمتها تخفيف التوتر بين المحورين الرئيسيين وعودة المياه لمجاريها بين سورية من جهة وكل من السعودية ومصر من جهة أخرى. واستكمالاً للصورة المتفائلة تأتي خطوة الرئيس البشير الشجاعة بحضور القمة واستقباله الطيب من جانب قطر والاشقاء الآخرين.
ولتأكيد الرؤية الايجابية لتوقعات المتفائلين يمكن الحديث هنا عن أغلبية كبيرة من الرؤساء ستحضر هذه القمة، وكذلك بيان وزراء الخارجية العرب الممهد لها والذي حمل في طياته الكثير من التوافق حول أغلب القضايا الجوهرية حتى لو كان ذلك أقل من طموح المواطن العربي بخصوص سقف هذه القرارات وجديتها في مواجهة تحديات كبيرة وخطرة كالتي نجابهها، وهي مسائل راهنة تمس الأمن القومي العربي على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا أرى أهمية في طرحها كونها باتت معروفة للأغلبية الساحقة من الجماهير العربية.
إن التقدم ولو ببطء وحذر ولكن للأمام في اتجاه لملمة الصف العربي ورأب الصدع المزمن والاتفاق على الحد الأدنى لطرق العلاج والمواجهة يمثل في رأيي أساساً هاماً للتفاؤل، ويمكن المزج بين الرؤيتين للخروج بنظرة واقعية تقربنا من يوم الخلاص النهائي من حالة الشلل العربي والتخبط التي عشناها على امتداد سنوات كثيرة، وحيث يجب أن نقر في النهاية أنه لا إمكانية للاتفاق على كل شيء وأن الأسلم لتعاطي منطقي مع قضايا خلافية حادة هو وضع آلية محددة ومتفق عليها لادارتها بهدوء وروية. ولكل ما تقدم نحن متفائلون وسنبقى وإنما بحدود.
Zead51@hotmail.com