يا صغيرتي أنا جائــع مثلك
بقلم : رداد السلامي
يقال أن مأساة الإنسان في حظيرة الأرض لم تبدأ بخداعه للآخرين.. بل عندما خدع نفسه، وتلك حقيقة تنطبق على نظام صالح ، فهو صانع مأساته كما يبدو ، ولن ينجو من حالت الخداع الذاتي التي لم يعد قادرا على التخلص منها.
في كل يوم يمر يكون قد استنفد قدرته على أن يتجاوز وضعه ، وكل شهر يمضي يكون التصالح مع الذات قد أوشك على النفاد ، لا يستطيع هذا النظام أن يدرك إلى مدى هو غارق في المأساة ، يتسلى دوما بكونه لازال موجودا ، فيما هو في الحقيقة قد تكلس في مكانه لا يخترع لخيباته وفشله سوى خطابات رنانة وتصاريح مكررة وممجوجة ولم تعد قادرة على تجييش الشعب وبعث مارد المشاعر فيه .
نخب الحكم ومافيا الفساد تتوهم عابثة أن القوة العسكرية كفيلة بأن تتوج ميراثها على عرش هذا الوطن بينما عدد الجياع فيه يفوق عددهم في أي مكان آخر ..
يجبرون الشعب على كل أنواع الكذب والنفاق والتملق والرياء بل ويلعنونه من داخلهم لأنه ينافقهم قسرا يحجرون تفكيره وحقه في التساؤل حول حقوقه التي أوكلها لهم فابتلعوها ويغيبون عقله ووعيه خوفا من تفشي عدوى إعادة تشغيل “العقل” وتعريفه من جديد بمهامه الأصيلة، وبأنه له كل الحق بالتفكير والتساؤل بكل شيء يخص وطنه ومستقبله وحريته وحياته التي يحياها فهذا أقل حق ممكن أن يكتسبه الإنسان .
حين اقرأ وأسمع خطابات صالح أبتسم ساخرا ، ابتسامة تمخر عباب صمتي ، وموج انكساري، كيمني لم يعد يلتذ بشيء من وعوده ، التي نثرها لتغدو نثارا من صقيع الوجع المتنامي في مفاصلي ، لأنه كرس صورة نمطية عنه مفادها ان كل وعد بخير هو وعد بالشر، وكل وعد بمستقبل أفضل هو وعد بمستقبل أسوء وهذا جل ما يحدث اليوم
الشعب اليوم يمضغ بؤسه ، يستنزف طاقاته في عبث البحث عن قوت يومه وغده ، أحلامه تقزمت لتتقزم معه إرادته على أن يكون نطاق طموحه أكبر مما يفكر فيه ، حين تجد ان وطنك غدا جحيما لا يطاق يتسع نطاق ألمك، ليشمل أحلامك فإذا بك تكابد كوابيس المنام، جزء من الشعب أنت تكابد هذا الواقع بإرادة شريفة ، ترفض أن تأكل بقلمك، فالحر لا يأكل بقلمه ، تستدين الغبن من مآقي الدمع المنسدل من عيون البائسين الذين ذادهم الفقر الى أرصفته لتبتلعهم شوارع الضياع ، تكابد الهم وتعاقر بؤس وطن كسير.
ذات جوع شديد كنت مارا بجانب مطعم ، مدت طفلة يدها تسألني شيئا ، فابتسمت سخرية مني ابتسمت، ابتسامة مليئة بتاريخ تقرح في ظلال إسقاطاته العاجزة، ابتسامة لا يسرجها سوى فرسان الكوابيس.. ولا يمتطيها الا رجل دشن أسئلته بمداد من روحه، بعد أن تنازل عنها، يسند ظهر أحلامه الى جذع شجرة تورق بالعذاب وتثمر بحبات السراب ولأني مجنون مثلي، ولا يشبهني سواي، حتى أني ظننت أني سأهرب على متن الابتسامة من الأسئلة الجنائزية التي تبدو كمزهرية موت على موائد النها
ية.. لكني فوجئت بي.. أحصدني سنابل غبن بائسة، ذبلت حقيقتها فتيبست عروق أمسها وغدها لأقول لها بإشفاق يا صغيرتي أنا جائع مثلك أبحث عن بقايا طعام .
*صحفي يمني