أرشيف - غير مصنف
صالح المطلك: أخبرتُ المالكي قبل سنوات أنه سيستجدي (عودة البعثيين) ذات يوم
يعترف (صالح المطلك) أنّه –قبل سنوات- أخبر (نوري المالكي) أنه سيتوسّل أو “يستجدي” حسب اللفظة التي استخدمتها مجلة نيوزويك الأميركية “عودة البعثيين” ذات يوم. لكنّ المجلة التي تقول أيضا إن (المالكي) بات يعدّ (المطلك) قوة سياسية عراقية يُحسب لها حساب، لم تكشف “المدى الذي يعنيه المطلك” بعودة البعثيين الى العملية السياسية على الرغم من إشارتها الى أن (المطلك) نفسه سيأتي الى السلطة ولكن “وقته لم يحن بعد”..وفي مقابل ذلك تشير الى أن دبلوماسياً أميركياً فاتح مسؤولين عراقيين بالاجتماع في عمان أو في عاصمة محايدة مع من أسمته “أكثر متشدّدي نظام صدام حسين”، منبّهة الى أن هناك قنوات مفتوحة مع البعثيين.
و(المطلك) الذي يعيش ويعمل من فندق آمن داخل المنطقة الخضراء، ويدع زوجته “الشيعية” وأولاده، يستقرون حتى الآن في عمان، يُوصف بأنه متهم من قبل البعثيين بـ”الانتهازية”..وكانت أطراف شيعية في السلطة قد اتهمته بـ”الإرهاب” يعد من أكثر المتابعين منذ البداية لموضوعة عودة البعثيين، وإلغاء قوانين اجتثاث البعث أو حظر تعيين البعثيين السابقين في وظائف عليا، أو منحهم حقوقهم التقاعدية.
وفي السنوات التي تلت الاحتلال كانت هناك شائعات كثيرة بشأن الثروة الكبيرة التي جمعها (صالح المطلك) من الأعمال التجارية الزراعية، لكنّ كل تلك الشائعات تلاشت وذهبت أدراج الرياح، ليجد (المطلك) في نهاية المطاف أنّ مناخ الانتخابات المحلية الأخيرة أقرب الى “منهجه السياسي” فاستفاد من ذلك وحقق “نجاحاً” أوصل الأمور الى اجتماع جرى الأسبوع الماضي بينه وبين (المالكي) لمناقشة عرض بقبول تحالف الأخير مع من أسمته المجلة “البعثي السابق”.
المجلة الأميركية لم تقل شيئاً محدّداً، لكنّها ركزت على نقطة “أنّ هناك نبوءة أطلقها المطلك، وصحّت رؤيتها، وأن هناك قنوات سرية لحوار مع البعثيين، وأن هناك حاجة لإنقاذ عمل الدولة لاسيما في الكهرباء والماء والخدمات الأساسية التي تحتاج الى المهرة والتكنوقراط “ومعظمهم بعثيون سابقون”. وبدت النيوزويك وكأنها “تلمّع” صورة (المطلك) لهدف “مستقبلي” غير معروف. وكانت قد ردّت على الشائعات. وربما هي طريقة (المطلك) في إدارة الحوار مع مراسل المجلة، بخليط من الأفكار المتناقضة، فـ(المطلك) يعد (صدام حسين) دكتاتوراً كبيراً، لكنّه يعترف أنه نزل ذات يوم بطائرة مروحية في أرضه وأرض شريك له من البعثيين الشيعة القدامى، فطلب الأرض لحكومته، ومنحهما هكتارات في مكان آخر، ومنها بدأ (المطلك) أسطورته الزراعية، حتى أصبح يقدم للعراق –حسب زعمه- ثلث خياره وطماطته وباذنجانه!. والأسئلة التي لم تجب عنها المجلة: هل (المطلك) وسيط بين جهة حكومية أو أميركية والبعثيين؟. ومن هي الشخصية الأكثر تشدّداً في عهد (صدام حسين) غير (عزة إبراهيم الدوري)؟. وهل سياسات (المطلك) المدافعة عن البعثيين في “الشعارات” تخدمهم فعلاً في ساحات ممارسة العملية السياسية؟.
يقول (لاري كابيلو) مراسل مجلة النيوزويك: إنّ (صالح المطلك) يقول إنه كان يعرف أن هذا اليوم سيأتي. ولسنوات كان هذا السياسي، وعضو البرلمان الذي يبلغ الآن 61 سنة، أكثر المدافعين العراقيين عن حزب البعث التابع لـ(صدام حسين). وبالمقابل وُصف (المطلك) وحلفاؤه بكل شيء من “الانتهازيين” الى “الإرهابيين”. وبرغم كل شيء –يزعم المطلك- أنه أخبر (نوري المالكي) قبل سنوات، أنه سيأتي “يوم سيستجدي فيه المالكي البعثيين كي يعودوا”.
الآن –يقول كابيلو- يقترب رئيس الوزراء “المعادي للبعثيين” من إنجاز “تنبّؤ المطلك” غير القابل للتصديق، ولكنْ بشروط (المالكي) نفسه. إذ من دون أنْ يسمّي “الحزب”، أعلن رئيس الوزراء العراقي، أن حكومته سترحب بعودة “أولئك الذين كانوا ذات يوم ملزمين في أنْ يكونوا الى جانب النظام السابق” طالما أنهم يقبلون “النظام الجديد في العراق”. و(سامي العسكري) مستشار رئيس الوزراء، يصف الحال بالطريقة الاتية: ((إنه-المالكي- يحاول أن يقول، انظروا: بابنا مفتوح، إذا ما كنتم ترغبون بالمشاركة في العملية السياسية، وترغبون بوقف العنف)). وأثار هذا “النداء” نقاشات على المستوى الوطني في العراق بشأن “عودة البعثيين”، وكان أكثرها أهمية، المناقشات مع (المطلك).
وبعد 6 سنوات –يقول مراسل النيوزويك- فإنّ “نبذ العراق للبعثيين القدامى”، بدأ يخفّ. وحزب (المطلك) أنجز عملاً جيداً وبشكل كاف خلال انتخابات كانون الثاني المحلية، وبما يجعله “داعية” لقيادة سياسية “سنية” تحكم العراق. والقيادة الشيعية كذلك، تمدّ اليد بهدوء الى البعثيين السُنّة الذين يعيشون “لاجئين” في الدول العربية المجاورة. وبهذا الصدد يقول المسؤولون العراقيون إن الأميركان “يشجعون” مثل هذه المصالحة، بينما هم يحاولون أن “يطوّروا قنواتهم مع البعثيين”. ويفسّر مراسل الصحيفة الأميركية هذه المحاولات بقوله: إنها جهود لإمكانية تخفيض مستويات العن
ف مع انسحاب القوات الأميركية من العراق.
ف مع انسحاب القوات الأميركية من العراق.
ويضيف (كابيلو) قائلاً: في مطعم بالمنطقة الخضراء، سمعت مجلة النيوزويك مؤخراً أن دبلوماسياً أميركياً، طلب من مسؤولين عراقيين المساعدة في بدء اجتماع مع واحد من أكثر العناصر المتشدّدة في النظام السابق للرئيس (صدام حسين). واقترح الدبلوماسي “عمان” أو أية عاصمة “محايدة” أخرى لعقد مثل هذا الاجتماع.
وثمة مسؤول بسفارة الولايات المتحدة –طلب عدم الكشف عن اسمه أو هويته في تقرير النيوزويك، بسبب حسّاسية الموضوع- قال إنه لا يمتلك أية معلومات عن مثل هذا “الحوار مع المسؤول البعثي المتشدّد” لكنّه أضاف قوله: ((إن هذا الأمر راجع الى العراقيين في تقرير مدى السرعة في التطور الذي ينشدونه. ونحن نحاول أن نساعد بأية وسيلة نستطيعها)).
ويرى (لاري كابيلو) أن أكثر العراقيين متعَبون، وبدأوا يستاؤون من الحكومة الحالية العاجزة بوضوح عن توفير الكهرباء وعن إبقاء الماء جارياً الى بيوتهم. إن الناس الذين اعتادوا أن يفعلوا ذلك، والذين أعادوا بناء كل الأماكن التي تعرّضت لضربات جوية مدمرة خلال الحرب الأميركية سنة 1991، كانوا في الغالب منضمين الى حزب البعث، وحاصلين على تعليم بمستوى جيد، ويحتلون مناصب ممتازة. وخلال سنوات الفوضى التي أعقبت الغزو الأميركي، هرب الكثيرون من المهرة وأصحاب الخبرات المنتمين الى البعث من العراق، للبحث عن وظائف وعن الأمان لعوائلهم في مكان آخر، والكثيرون منهم بقوا بعيداً عن البلد.
وذلك هو “جوهر” قضية (المطلك) الذي ينقل عنه مراسل النيوزويك قوله: ((إن المالكي أدرك الآن أنه لا يستطيع أن يدير الدولة من دون التكنوقراط، والناس الفنيين الذين بنوا هذا البلد خلال مدة 35 سنة)). ويضيف: ((معظم أولئك الناس كانوا بعثيين)). وبإلحاح من الأميركيين، جُلب حتى الآن الألوف من الضباط السابقين الذين كانوا بعثيين –اسمياً- ومنح الكثيرون منهم رتبهم السابقة. وبرغم كل شيء، فإن الكثيرين من هؤلاء الشيعة والسُنّة، يشعرون أنهم “متروكون”!.
وتزعم المجلة أنّ حزب البعث –تحت حكم الرئيس السابق صدام حسين- كان مكروها بين الناس، ويخشى شبكة من “المخبرين” أو “عملاء السلطة”. والكثير من عقيدة البعث السابق كانت تمجّد “الموت” بشكل أساس على حساب القومية الكردية، وبمنطق “الاشتراكية الجامدة” والأفكار القومية التي أشعلت الحروب الرهيبة التي قادها (صدام حسين). لكنّ علمانية الحزب التي لا تحرّم شرب الويسكي تُعد “جذابة” بالنسبة للعراقيين الذين أتعبتهم “قواعد حكم الأحزاب الإسلامية”، وهي “جذابة” أيضا لأنها عندهم تركز على الحكومة المركزية القوية في العراق، وعلى المعارضة لإيران في بلد أصيب عبر الحقب بـ”داء” تدخل جيرانه في شؤونه.
ويقول مراسل المجلة الأميركية، إن (المطلك) نفسه، كان “متحدّياً” لكنه كان صريحاً في حديثه بشكل “جذاب” أيضاً. وكان منتمياً الى حزب البعث نفسه حتى سنة 1977، بعدما عارض إعدام 5 من الشيعة زُعم أنهم خطّطوا لقلب نظام الحكم. والقصة المعروفة بشكل جيد في العراق، تقول: إن (المطلك) أصرّ أن الرجال الذين أعدموا كان يجب أن يحاكموا بشكل عادل في الأقل. بعد ذلك أصبح (المطلك) خارج الحزب، وأخذ يشتغل بالزراعة “شريكاً” لبعثي سابق “شيعي”، وكان ذات يوم أحد كبار قياديي الحزب قبل أن يُجبر على تركه، بعد عملية صراع على السلطة في الستينات. (المطلك) يشعر بالفرح وهو يتذكر الأيام القديمة، عندما كان ينام في مخزن لبذور البصل، ويستيقظ في الفجر ليبدأ عمله. لقد حصل على دكتوراه في علم الزراعة، ومثل كثيرين من العراقيين المتعلمين، بقي بعيداً عن ذراع النظام السابق، لكنه كان جاهزاً للاستفادة إذا ما واتته الفرصة. وذات يوم في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وصل (صدام حسين) بطائرة مروحية الى حقل كان مؤجراً من قبل الشريكين “المرتدّين البعثيين”. وقد أعرب عن إعجابه بالخصوبة الجيدة للأرض، وقرر تخصيصها للحكومة وعرض على الإثنين –المطلك وزميله البعثي القديم- أنْ يعوّضا هكتارات من الأرض في مكان آخر.
وبعدها نجح (المطلك) كما يقول هو في حديثه للمجلة الأميركية في الحصول على العروض التنافسية، وفي إنشاء سلسلة من الحقول الزراعية والبيوت الزجاجية. وكانت مضخاته العملاقة تروي الأراضي الزراعية التي كانت تُدار من قبل (عدي صدام حسين)، ثم أخذ (المطلك) هذه الأراضي منه. ويقول “إنهما لم يلتقيا أبداً”، مؤكداً أن أعماله الزراعية كانت تجهز ثلث ما يتوفر في العراق من الخيار والطماطم والباذنجان، وأنه أصبح من أكبر المزارعين في البلد بمرور الوقت حتى وقوع الاحتلال الأميركي سنة 2003.
وبعد ذلك –يتابع مراسل النيوزويك حديثه- كان الإبعاد طويل الأمد عن حزب البعث ذا فائدة كبيرة بالنسبة له، فقد سُمي ليكون عضواً في لجنة المساعدة في صياغة الدستور العراقي الجديد. ولو كان مصنّفاً كبعثي سابق يحتل موقعاً متقدماً، لم يكن من المحتمل السماح له بممارسة السياسة بعد الغزو. وعندما أعلن وضع الدستور العراقي الجديد للاستفتاء سنة 2005، عارضه جزئياً، لأنه “يمنع البعثيين من العمل السياسي”!.
وبرغم ذلك رفض (المطلك) الانضمام الى المقاطعة السنية الضخمة للانتخابات البرلمانية في السنة نفسها، وبدلاً من ذلك ربح حزبه “جبهة الحوار الوطني” 11 مقعداً في برلمان –يهيمن عليه الشيعة- يتكون من 275 مقعداً. وكأحد السياسيين السُنّة الذين تحدّوا التمرد العنيف بمشاركتهم في العملية السياسية، دفع (المطلك) ثمناً باهظاً؛ لقد اختطف أخوه وقتل بعد انتخابات سنة 2005، كما قتل عدد من حراسه الشخصيين خلال انفجارات.
ويعيش (المطلك) الآن، ويعمل في فندق آمن بالمنطقة الخضراء: زوجته (الشيعية) وأبناؤه باقون في عمّان. وفقط قبيل الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في أواخر شهر كانون الثاني الماضي، قتل نائبه في الحزب –وهو من البعثيين السابقين- في تفجير إرهابي، نسب الى ميليشيات القاعدة.
وتقول النيوزويك إن “البعثيين المتشدّدين” ينتقدون (المطلك) بقسوة. وربما ينظرون إليه على أنه “تهديد” ويستنزف “بركتهم” من الأتباع المتروكين، طبقاً للمحلل السياسي المعروف (وميض نظمي). لقد طالب (المطلك) بإلغاء “القوانين” التي تستثني البعثيين الكبار من إشغال الوظائف العليا، وحرمانهم من حقوقهم التقاعدية، وأراد أن يزال هذا المنع من النصوص الدستورية. ويقول (المطلك) بهذا الصدد إنه يؤمن بالديمقراطية، ويسمّي (صدام حسين) دكتاتوراً كبيراً، لكنّه يضيف: ((لكي أكون أميناً، بدأت أفكر أننا نحن العراقيين لا يمكن أن نُقاد بسهولة من دون شخصية شديدة)).
وقوبلت آراؤه بدعم قوّي في انتخابات شهر كانون الثاني. لقد خاض الانتخابات بـ”تحالف السنة العلمانيين” الذين كانوا جميعاً موجودين طوال مدة حكم الرئيس السابق (صدام حسين). وبالنسبة لـ (المطلك) فإن تلك المسألة “موضع فخر”، مقارنة بالحزب الإسلامي العراقي المنافس له، والذي يقاد من قبل منفيين سنّة، عادوا بعد الغزو الأميركي. وعلى الرغم من أن لائحة الحزب الديني، سحبت الكثيرين من ساحة (المطلك) إلا أنه يعد ما حققه “نصراً مسبّباً”!. لأن الحزب الإسلامي العراقي، أكثر تنظيماً وتمويلاً، ويعترف (المطلك) أنه ارتكب “أخطاء غبية” مثل تغييره لاسم تحالفه قبيل التصويت، مما أوقع الناخبين في حال مشوّشة.
ويبدو واضحاً –تقول مجلة النيوزويك- أن رئيس الوزراء (نوري المالكي) يوافق على أنّ (صالح المطلك) أصبح قوة “يُحسب لها حساب في السياسة العراقية”: والأسبوع الماضي اجتمع رئيس الوزراء مع البعثي السابق لمناقشة تحالف محلي. (المطلك) يأمل في أهدافه أنْ يكون في مدى البصر. ويقول: ((لقد أنجزنا عملاً جيداً)) وأضاف: ((نحن موجودون هناك))..وتضيف الصحيفة قولها: ليس بعد، لكنّه على الطريق.