أرشيف - غير مصنف
إنقلاب نايف للوصول الى العرش السعودي
أثار تعيين نايف بن عبدالعزيز في منصب النائب الثاني لرئاسة مجلس وزراء النظام السعودي، تساؤلات واسعة في الشارع المحلي حول أسباب التعيين وتوقيته. وربطَ الرأي العام بين مرض سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد وبين تعيين نايف في المنصب الجديد . وأشار متابعون إلى أن الأمر المفاجئ الذي أصدره الملك، يكشف عن حجم الصراع الشرس بين أفراد الأسرة الحاكمة للفوز بالعرش. إذ يواجه ولي العهد، سلطان، مستقبلا مجهولا مع مرض السرطان المستشري في جسده منذ 2004. ما يعني احتمال وفاته ومن ثم دخول أجنحة الأسرة في صراع علني مبكر، نظرا لشغور ولاية العهد التي يرى كثيرون من أفراد الأسرة أن لهم الأحقية فيها.
ولكن بعد تعيين نايف، أصبح من الواضح للجميع أن ولاية العهد بعد وفاة سلطان ستنتقل إليه، وبالتالي سيتأجل الصراع إلى حين وفاة الملك وولي العهد.
ووصف مهتمون بالشأن السياسي المحلي، خطوة الملك، بـ “الكابحة” لبعض الأصوات من الأسرة، والتي كانت تستعد للظهور مع تدهور حالة سلطان الصحية. ومنهم سلمان أمير الرياض ومشعل رئيس هيئة البيعة. وكانت مصادر خاصة قد اشارت إلى أن سلطان كان يريد أن يكون سلمان نائبا ثانيا، لكن الملك عبدالله حاول تغيير الوضع لمصلحته هو، ووفق حساباته الخاصة، خصوصا وأن سلطان ينازع البقاء.
ورغم ذلك، فقد صعد الخلاف سريعا إلى العلن، عندما صدر بيان من طلال بن عبدالعزيز أحد أعضاء ما سمي قديما بـ (الأمراء الأحرار)، حول وجوب إصدار توضيح ملكي يمنع نايف من ولاية العهد، ويؤكد كونه نائبا ثانيا فقط، لا مؤهلا لولاية العهد كما هو المتبع مع المعينين في هذا المنصب من قبل.
فيما دارت تكهنات في أوساط صحفية عن وفاة فعلية لسلطان، وتحرّك من الأسرة لمعالجة بيتهم الداخلي قبل إعلان الوفاة. غير أنه لم يكن ممكنا التحقق من صحة معلومات تتحدث عن الوضع الصحي الآني لسلطان، الذي يرقد في مستشفى بنيويورك.
و! تلقى موا طنو مدن الجزيرة العربية، قرار تعيين نايف بكثير من الدهشة وكثير من الامتعاض أيضا. فقد كان في تصوّرهم أن مسار الدولة يتجه نحو الانفتاح بحسب الخطاب الإعلامي، الذي عززته التغييرات الداخلية التي أجراها الملك في فبراير الماضي وشملت مناصب دينية حكومية.
ولكن بدا واضحا لهم، أن التغيير المفترض، قد وصل إلى محطة النهاية مع قدوم نايف، وهو المعروف بمناهضته العلنية للخيار الديمقراطي وتشدده تجاه المرأة وقمعه المنظم للطائفة الشيعية وحظره للحريات والحقوق الوطنية الطبيعية للمواطنين. وكان قد صرّح قبل نحو أربعة أيام فقط من تعيينه بأنه “لا ضرورة لمشاركة المرأة في مجلس الشورى (الإستشاري المعيّن)”، كما قال في التصريحات ذاتها أنه يرى أن “تعيين أعضاء مجلس الشورى أفضل من انتخابهم”، مؤكدا على عدم الضرورة أيضا في أن يصل أعضاء المجلس بالإنتخاب (جريدة الجزيرة 25 مارس 2009).
وقبل ذلك كان له موقفا واضحا تجاه الإعتداءات على الشيعة في المدينة المنورة، حيث سمح بتوفير تغطية عسكرية مسلحة من ميليشيات القوات الخاصة الحكومية، لصالح المعتدين من عناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمدنيين الوهابيين الذين استعانت بهم الهيئة ضد الشيعة المدنيين العزّل. واعتقلت أجهزة وزارة الداخلية نحو 46 شيعيا، ثم أفرجت عنهم بأمر ملكي، غير أن نايف صرّح بعد الأمر الملكي بأيام، أن المعتقلين (السنة) أفرج عنهم أيضا، ولم يكن ثمة معتقلين سنة في الواقع، لكنها إشارة إلى عدم فتح تحقيق في الأحداث.
وعلى هذا الأساس كان التخوّف هو السمة الأبرز في مشاعر مواطني المدن التي تتعرض للقمع اليومي من الأجهزة البوليسية التابعة لوزارة الداخلية، فقد صار بحكم الواقع أن نايف بن عبدالعزيز الذي يشد قبضته على أجهزة مخابراتية داخلية، وقوات عسكرية أفضل تجهيزا حتى من القوات الحربية، قد أصبح في وضع يخوّله التحكم بكافة شؤون الدولة لا في جانبها الأمني البوليسي فحسب.
جدير بالذكر أن نايف بن عبدالعزيز الذي ولد عام 1934 من الزوجة السديرية، لم يحصل حتى على
الشهادة الإبتدائية، ووفقا للسيرة الذاتية التي أدرجها خالد بن سلطان بن عبدالعزيز في شبكته على الإنترنت، فإن نايف تعلّم القرآة والكتابة لدى (معهد الأمراء) الذي كان مخصصا لأبناء الأسرة الحاكمة فقط، ثم “درس على عدة مشايخ في الرياض”، ولم يحصل فعليا على أي شهادة تعليمية.
الشهادة الإبتدائية، ووفقا للسيرة الذاتية التي أدرجها خالد بن سلطان بن عبدالعزيز في شبكته على الإنترنت، فإن نايف تعلّم القرآة والكتابة لدى (معهد الأمراء) الذي كان مخصصا لأبناء الأسرة الحاكمة فقط، ثم “درس على عدة مشايخ في الرياض”، ولم يحصل فعليا على أي شهادة تعليمية.
وكان قد حظي بوصفه واح! دا من (ا لسدارى السبعة) بمنصب هام في مقتبل عمره، إذ عيّنه أبوه عبدالعزيز، وكيلا لإمارة منطقة الرياض وهو في الـ 19 من عمره، وذلك عام 1953، وبعدها بسنة واحدة عُيّن أميرا لمنطقة الرياض، وظل أميرا حتى 1955 حيث خلعه أخوه الملك سعود، وعيّن مكانه شقيقه سلمان لفترة مؤقتة، قبل أن يعين الملك سعود ابنه مكانهما.
ولم يحظ نايف بأي منصب من عام 1955 حتى عينه الملك فيصل نائبا لوزير الداخلية عام 1970، وحدث تعيينه ضمن الصفقة التي تمت بين الملك فيصل وبين (السدارى السبعة)، حيث أصر الملك فهد الذي كان وزيرا للداخلية على ضمان انتقال هذه الوزارة الهامة إلى أحد أشقائه من بعده. وبالفعل، فبعد خمس سنوات فقط تم تعيين نايف وزيرا للداخلية عام 1975، وظل في هذا المنصب حتى الآن.
سيطر نايف منذ تولى وزارة الداخلية، على شؤون عديدة في الدولة، فقد كانت القوة الأمنية والإستخباراتية المتوفرة لديه إضافة إلى الدعم الكامل والتام من الملك فهد (طوال فترة ولايته للعهد وحكمه) قد عززت من إمكانيات وزير الداخلية بشكل هائل. فأحكم قبضته أولا على الإعلام حيث أنشأ وترأس مجلسا أعلى للإعلام بعضوية وزير الإعلام ووزراء ومستشارين آخرين (غالبا من التيار الديني الوهابي)، ويملك المجلس بحسب عبدالرحمن الشبيلي الذي كان عضوا فيه “سلطة تنظيمية وإشرافية، للاطمئنان على تطبيق السياسة الإعلامية وعلى حسن تنفيذ الأنظمة الصحفية” (الشرق الأوسط 17 مايو 2003)، وبعد إنشاءه بسنة وافق مجلس الوزراء على (السياسة الإعلامية) التي أعدّها المجلس الأعلى برئاسة نايف، وأخذت موضع التنفيذ دون أن يكون لوزارة الإعلام أو للصحفيين والإعلاميين أي دور في صياغتها.
ورغم حلّ المجلس عام 2002 بضغوط أمريكية إثر أحداث 11 سبتمبر، إلا أن وزارة الداخلية لا تزال تملك سلطة كاملة في الوسط الإعلامي حتى اليوم، وتتلقى منها الصحف المحلية تعاميم أكثر مما تتلقاه من وزارة الثقافة والإعلام. كما أن لها صلاحية إيقاف الكتّاب واعتقال الصحفيين وإغلاق الصحف ومنع دخولها، دون تقديم سبب أو مبرر في أي من الحالات، إلى جانب كونها لا تزال متمسكة بصلاحية منح التراخيص للصحف الجديدة، وفي الواقع لم يصدر أي ترخيص لأي صحيفة أو مطبوعة منذ تولى نايف وزارة الداخلية. (آخر ترخيص كان لجريدة الوطن وصدر عام 1974 قبل توليه الوزارة وتشكيل المجلس، ولكنه رغم ذلك تدارك الأمر فأوقف صدور الجريدة إلى عام 1999، أي لمدة 25 سنة رغم! حصولها على الترخيص).
ولكن على أي حال، كان من الواضح مدى الأثر الذي خلفه حلّ المجلس الأعلى للإعلام، فالحلّ هو ما يفسر الإنفتاح الطفيف الذي تحصلت عليه الصحافة المحلية، منذ 2002.
إلى ذلك فقد نصّب نايف نفسه رئيسا للجنة الحج العليا، التي تسيطر على كافة شؤون الحج والحجاج، تدفعه إلى ذلك نظرته للحجاج كمصدر تهديد أمني، وهي النظرة التي صنعت احتقانات متتالية بين أجهزة وزارة الداخلية وبين الحجاج غير الوهابيين والشيعة على وجه الخصوص، في مواسم حج كثيرة أبرزها أحداث عام 1988.
كذلك ترأس مجلس القوى العاملة، وهو مجلس مسؤول عن تحديد المجالات التي يعمل فيها المواطنون، ويراقب أي تحركات عمالية حقوقية، كما يفصل في النزاعات بين المجموعات العمالية وأصحاب العمل. ويحول المجلس دون إنشاء نقابات للعمال في المهن والوظائف.
وأيضا تولى رئاسة الهيئة العليا للسياحة منذ تأسيسها عام 2001 حتى عام 2008. إلى جانب رئاسته مجالس أخرى عديدة، في الشؤون الإسلامية والبيئة والتنمية البشرية والأمن الصناعي وغيرها.
ويبقى ذلك في جانب، والصلاحيات التي تدرّها عليه وزارة الداخلية في جانب آخر، فهو بحسب ما يسمى بالنظام الأساسي للحكم، يملك سلطة أعلى من جميع أمراء المناطق الذين هم مجرد حكام إداريين يتبعون إداريا وبيروقراطيا لسلطة مركزية تتمثل في مكتب وزير الداخلية بالرياض. كما أنه القائد الأعلى والأخير لكافة أشكال الأمن الداخلي، من ميليشيات القوات الخاصة، وقوات الطوارئ إلى قوات المباحث والشرطة وحرس الحدود. وقد أهّلته سلطتة الأمنية الواس
عة، للتصرف باستقلالية كبيرة إبان الفترة التي حكم فيها الملك فهد (1982 – 2005) ونفذ خلال هذه السنوات مخططات قمع واضطهاد ضد مدن عديدة في الجزيرة العربية، وأحكم سيطرته على الأنشطة الثقافية، والناشطين، وأشاع جوا من الرعب الإستخباراتي في نفوس المواطنين، كما كان مشهودا له بتبني عمليات تعذيب منظمة للسجناء والمعتقلين السياسيين.
عة، للتصرف باستقلالية كبيرة إبان الفترة التي حكم فيها الملك فهد (1982 – 2005) ونفذ خلال هذه السنوات مخططات قمع واضطهاد ضد مدن عديدة في الجزيرة العربية، وأحكم سيطرته على الأنشطة الثقافية، والناشطين، وأشاع جوا من الرعب الإستخباراتي في نفوس المواطنين، كما كان مشهودا له بتبني عمليات تعذيب منظمة للسجناء والمعتقلين السياسيين.
ومن جهة شعبية، لا يملك نايف بن عبدالعزيز أي حظ من الجاذبية، كما أنه يعتبر في موقع الخصم لدى فئات تشكل الغالبية من المواطنين، وهو يراهن فقط على الوهابيين السلفيين غير المناهضين للحكم السعودي، الذين يبادلونه التزلف، وحققوا مكاسب إزاء ذلك، كما حقق هو الآخر مكاسبه من خلال تثبيته شعبيا عبر ألسنة الوعاظ وتتويجه زعيما للمنافحين عن الطائفة الوهابية و(السنة النبوية) من خلال جائزته! السنوية في هذا المجال، ورعايته لمؤتمرات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ووقع نايف في مأزق عندما انشقت الوهابية السلفية نحو جناح مهادن وآخر قتالي، فمنذ بدأت التفجيرات المنظمة في 12 مايو 2003، كان لابد من التفرقة بين من يقفون مع النظام السعودي من شيوخ الوهابيين السلفيين، وبين من يقفون ضده. ثم وقع في مأزق آخر عندما سعى الجناح المهادن إلى إعلان الوساطة علنيا بين الإرهابيين الذين أطلقت عليهم وزارة الداخلية اسم (الفئة الضالة) وبين الدولة.
ونجم عن ذلك برنامج المناصحة الشهير، الذي هو ثمرة صفقة سياسية بين الجماعة الوهابية السلفية ووزارة الداخلية بشخص وزيرها نايف.
ويعتبر نايف مسؤولا عن معظم عمليات القمع والمذابح التي نفذت بحق الشيعة منذ نهاية الستينيات الميلادية. فإليه تنسب المذبحة التي قمعت تظاهرات القطيف في نوفمبر 1979، كما أنه المسؤول عن الإضطهاد المنظم الذي يُمارس ضد مواطني الأحساء والقطيف ونجران وحائل ومدن عديدة، من خلال قوات المباحث والشرطة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لا تتبع له اسميا ولكنها طوع إشارته فعليا.
وظهر جليا، منذ تولى الملك عبدالله الحكم، أن ثمة تعارض طفيف بين رؤى نايف في حفظ الأمن الداخلي ورؤى الملك عبدالله، ففيما كان وزير الداخلية يعتقل كافة السياسيين والصحفيين المعارضين والخارجين عن النسق الوهابي من معلمين وأكاديميين ومفكرين، ويأمر بمحاكمتهم وإصدار أحكام بالسجن وألوف الجلدات ضدهم، كان الملك يرمم أفعال أخيه فيصدر أوامر ملكية بإطلاق سراح السجناء.
وفيما كان نايف يتوقع أن يحظى بمكافأة نظير اعتقاله لمتروك الفالح وعلي الدميني وعبدالله الحامد عام 2004 لتقديمهم مذكرة لولي العهد الملك عبدالله تطالب بنظام دستوري، فوجئ نايف بالملك يصدر عفوا شاملا عنهم بعد ثلاثة أيام فقط من توليه الحكم.
غير أن تعيين نايف مؤخرا في منصبه الجديد قد بدد كل آمال التغيير لدى مواطني مدن الجزيرة العربية، الذي باتوا يترقبون مستقبلا مظلما، مع طموح الدولة البوليسية شديدة الإحكام في ذهن النائب الثاني لمجلس الوزراء السعودي !
وكالة (واسم)