أرشيف - غير مصنف

البيعة لشهيد الفجر

عمــاد عــودة

البيعة لشهيد الفجر
تقاطرت السنين العجاف على هذه الأُمة حتى أضحى الرويبضة هم سادة المشهد فيها وأصحاب القول الفصل في تشخيص مصالحها على الرغم من ظلمهم وفساد أمرهم المكشوف حتى ظهر من بين أنات المرض وعجز الجسد شيخ يدعى أحمد ياسين , صنع من عجزه قوة تكفي لإستنهاض هذه الأمة التي طال عليها الأمد حتى تحاسد العقلاء فيها مواقع القبور وتمنوا الموت الكريم على حياة العجز والهوان .
لم نألف الزعماء من طينة كتلك التي جاء منها أحمد ياسين , قوله قول البسطاء من أبناء شعبه ويفهمه الجميع , وفعله فعل العظام من الهامات التي حفرت مجدا في الصدر من صفحات التاريخ تضاف الى صفحات مجيدة سطرها من سار الشيخ على دربهم . إذا انتسب الشيخ فليس لغير المباديء والقيم فدعك من كل المدائح والأشعار , فمادح نفسه كذاب ومادح خليفه زمانة أيضا كذاب , ودعك من النسابين فالأمر ليس بالأسماء بل بالعقائد والأفكار .
إن من أسهل الأمور أن تحكم على شخص أفضى الى الله بعمله , خصوصا إذا حصرت الميراث , فأين القصور والقناطير يا ياسين , وأين الأبناء الذين يرثون الكرسي ويتحكمون في رقاب العباد وأين الصحبة والنياشين . هل ذلك البيت البسيط هو كل متاع الدنيا وشيئا من مسجدك القريب , لله درك فأنت أيضا أتعبت من بعدك وصار الزهد في الدنيا شرف وحسن مئآل .
لقد ورثنا من شهيد الفجر معنا جديدا للحياة وآخر للصمود , وتعلمنا كيف نكون من المسلمين لله في كل أمر , ورثنا منه أعظم الأفكار وخبرناه حيا يحسن التطبيق , عاش فقيرا رغم أن أموال الدنيا كانت تدعوه في كل حين لكنه ارتضى فقر الدنيا وشهادة الفجر وقصرا في الجنة على قصر لأبناءه في باريس كغيره ممن رحلوا .
ربما يكون الأهم في انجازات الشيخ استعادته لدور المسجد في حياة الأفراد وتحويل المساجد الى مصانع للرجال والنساء وسلاحا اساسيا في الصراع بعد أن إقتصر على العبادات مع فضلها العظيم . فلم نسمع قبل أحمد ياسين عن مقاتلين يحفظون القرآن العظيم وبه يُحفظون, وبذلك أعاد الشيخ انتاج نطفة مؤجلة من زمن الصحابة رضوان الله عليهم لتكون نورا جديدا لهذه الأمة وحبل من الله ودرب يقين.
هذا هو الفارق بين الموت والحياة لكل الزعماء , فكم من زعيم مات قبل أن تفيض روحه وكم من زعيم بموته فاضت سبل الحياة . لقد أبصر الشيخ بنور الإيمان وعمل بقوة الفرقان ولم يرى فيه معاقا الا اصحاب العيون التي لا تبصر وهم اليوم في مهاوي الردى والخسران .
لقد حول الشيخ كفريات النضال الى ومضات من الايمان تعمر القلوب وأعاد انتاج ادبيات المقاومة من رحم الشريعة السمحاء وعلمنا مفردات الجهاد والصبر والصمود وضبط لنا بوصلة التحرير رغم أن عذر المرض العضال كان لغيره كافيا للموت على قارعة طريق .
في الذكرى الخامسة لإرتقاء الشيخ يلزمنا أن نجدد البيعة ونكمل المشوار, البيعة للنهج الذي استخرجه الشيخ من ارشيف التاريخ العتيق , البيعة للبندقية التي يحفظ حاملها القرآن ويسال الله الشهادة وجنة الرضوان , البيعة للبوصلة التي تؤشر للقدس عن طريق القدس ولا تمر بأوسلو ولا بغيرها من البلاد التي استهواها مكر الشيطان ومفاوضات الذل والهوان .
لم يتقن الشيخ يوما لغتهم ولا مفرداتهم وأسمعهم لغتنا ومفرداتنا فقط فكان أن تعلموا هم كيف يفهمون لغتنا ويقدرون تطلعاتنا , ففي احدى رسائله قال ” إن لم تقدر على الزواج فلا يحل لك الزنا , وإن لم تقدر على التحرير فلا يحق لك التنازل ” . رحم الله الشيخ فهذه والله آفة نضالنا القديم منذ الخروج الكبير من بيروت حيث اعتقد الساسة من أبناء بلادنا أن طول المسير وعناء الرحلة وصعوبة التحرير تجيز لهم التنازل ويا ليتهم صاموا ولم يزنوا فالصوم لهم وجاء . وكيف لا يتنازلون ومبلغ حلمهم سجادة حمراء يمشي عليها الثائر القديم ويسمى رئيسا لأي شيء حتى لو لم يكن اسمه دولة فلسطين .   
أما الشيخ وأمثاله فقد أفتوا بالتحريم فلا عذر لمن استضعف نفسه وخان أمانته ولم يرقب الله في كل أهل فلسطين فجائت القافلة طويلة بأسماء الشهداء في عرس اسطوري على رأسه شهيد الفجر يتبعه طبيب فلسطين ثم في الفرقان معلم فلسطين وهذا ليس سردا للاسماء فالقائمة تطول وهم كثيرون ولا زال في الافق من ينتظرون وما بدلوا تبديلا .
رحم الله أحمد ياسين ومن سار على خطاه الى يوم الدين ونحن عليها نجدد البيعة والله خير الشاهدين .

زر الذهاب إلى الأعلى