عمــاد عــودة
في الأول من نيسان من كل عام يحتفل البعض بآفة من آفات الزمان وعدو للأديان اسمه الكذب فيطلقون كذبة أو أكثر على سبيل المزاح ثم لا يلبث الكاذبون والمكذوب عليهم أن يطلقون الضحكات تندرا على ما صار .
لسنا بصدد التأصيل الشرعي لحرمة الكذب واصدار الفتاوي فالكل يعلم أن الكذب لا يجتمع مع الاسلام ولكن ما أثار حفيظتي حدثان فلسطينيان أحدهما اشبه الان ما يكون بكذبة نبسان والآخر كشف الزيف البهتان ولا زال للحدثان تأثير في سير القضية حتى الآن .
الحدث الأول كان في الأول من نيسان عام 1989 , فيه وقف الثائر خلف تلك النظارات المتعبة يتلقى التصفيق والهتاف من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر على تعيينه وبالاجماع كالعادة رئيسا لدولة فلسطين .
الحدث الثاني في نفس اليوم وفي غير عام , فبعد ثلاثة عشر عاما بالضبط من تلك التصفيقات أتت صفعات شارون وكأنها جزاء سنمار , تلك كانت عملية السور الواقي وفيها حطم المجرم الآثم أجهزة السلطة الفلسطينية وأعاد احتلال المدن وحاصر السيد عرفات في المقاطعة منهيا فيما بدا آنذاك أحلام السيد عرفات بدولته العتيدة والتي رأسها قبل ذلك بثلاثة عشر عام .
لا يعنيني ان ما بين الحدثين ثلاثة عشر عاما ولست ممن يتطيرون برقم أو خلافه ولكن المفارقة توحي بالكثير من المغازي والأفكار, فهل كان حدث الجزائر في سياق كذبة نيسان أطلقها من تعبوا من كثرة الأسفار ومكائد الثوار , أليسوا من استهلك العتاد في قتل الأصحاب من الأخيار , هل كذبوا علينا أم على أنفسهم وهل كانت دولتهم على الورق في المنفى أول النقب في جدار الثورة وحلم التحرير .
ما نراه اليوم في الضفة الغربية يثبت ان الأمر لم يعدوا حينها كذبة نيسان وأن من كذب كان أكثر العالمين ببواطن الأسرار فعباس الذي صفق لاختيار عرفات يومها كان في بيته يمارس ( الحرد ) يوم حوصر عرفات . لا الدولة قامت ولا الرئيس تمتع بسلطة اطلاق المراسيم والأرض غارت تحت وطئة احتلال أكثر مرارة من سابقه , وبعض الذين صفقوا للختيار في الجزائر وما حولها صفقوا لشارون وهو يهدم ما بناه الختيار من سلام وهمي رفضه ابناء فلسطين قبل غيرهم .
ربما يقول قائل أن إعلان الدولة ورئيسها في الجزائر كان من أدوات النضال والتحرير وله الحق في هذا القول آنذاك , اما اليوم فلا يحق لأحد وبعد أن رأينا بام العين ما آلت اليه الأمور أن يصر على أن اعلان قيام الدول على الورق وأشكال السيادة المنقوصة المستجداة من العدو يمكن لها أن تحرر الأوطان .
الكارثة الكبرى التى مني بها شعبنا أن أهل ثورته ونضاله وضعوا دستورهم بأيديهم وأيدي الذين كفروا ونحوا جانبا دستور الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه , فما خطه ابن آدم بيديه يحتمل الخطأ والصواب فهو لا يعدوا اجتهادا لمن لا يعلم الغيب ولا يحسن التدبير , أما ما أنزله الله لعباده فهو فرقان بين الحق والباطل وحبل الله لنجاة الانسان .
أزعم أن لتلك الكارثة فائدة لم تكن بالحسبان , فقد ولدت فجرا جديدا أطل علينا من ثنايا المسجد وحلقات تحفيظ القرآن , فمن كان يظن أن المسجد يمكن له أن يصنع ثورة الا إذا استخلص الدرس ممن صنعوا لثورتهم في شارع الحمرا عنوان , ولولا انكشاف مكرهم ما كان لاحد أن يؤمن أن ذوي اللحى وأصحاب العيون التي ارهقها القيام ليلا سيجدون الطريق الذي ضله من سبقهم من أصحاب السيارات الفارهة والنظارات الشمسية التي تخفي تعب العيون جراء سهر الليالي مع القيان والأزلام .
لا زلت مأخوذا بصمود عباد الله في كل ميدان ولم تغادرني أيام الفرقان ولا أظنها ستفعل ولا أستطيع الا أن اقارن بين القتال التلفزيوني في الشياح وجهاد العتمة في تلة الريس وحي الاسلام , الفرق بين المقاتل والمجاهد كالفرق بين القتال والجهاد حتما فالأول فية النصر أو الهزيمة أو الموت أما الآخر فجهاد جهاد نصر أو استشهاد وليس في الأمر احتمال آخر .
أدعوا الجميع الى استخلاص العبرة وتعلم الدرس من كذبة نيسان الأولى والاتعاظ بكشفها في حدث نيسان الثاني والالتفاف حول خيار المقاومة والتمسك بحبل الله الى الناس من الجهاد الى حماس والله ينصر من ينصره والعاقبة للمتقين .