قال لي صديق من وصاب –مغترب- ذات حوار ماسنجري ، أنا يمني يا رداد وتلك نقيصة أضحت تطاردنا ، ولعنة تجتاحنا ، وكأننا لم نكن يوما ذو حكمة وتاريخ وحضارة ..أطرق في الماسنجر قليلا ثم أضاف مستطردا :” انا واحد من اليمن ” قلت له :” إذا ارفع راسك ..كن شامخا” أضاف :” أنا للأسف يمني لا استطيع فعل الشموخ” ثم أردف بالقول :” جب لي حسنه افتخر بها ؟ وحده مسلوبه ،وديمقراطيه أصبحت عبء علينا وحياة منزوعة الكرامة ماذا تبقى لنا ..؟؟
أجبته يا صديقي ما تقوله صحيح لكن الحسنة انك مازلت قادرا على الإحساس بوطنك ..هناك من افتقد ذلك الإحساس..!! ما دام ضميرك يوخزك فأنت شامخ ، وحدهم المهانين من فقدوا إحساس الألم بالمهانة ، لكنه قال ألمي قصه من سفر الوطن جرح عمره أنا، لا ادري متى ينتهي..؟؟ لذلك ألمي وطني وهو بالنسبة لي جرح وحياه للآخرين.
تفاءلت رغم صحة ما يقول ، لكني اختلف معه في أن الوطن حياة للآخرين لأنه أضحى قبرا مفتوحا ، أراد له الساسة العابثون ، مدمنو لعلعات الرصاص ، وعشاق أفيون الدم ، أن يبقى مصبوغا بملامح الموت ، مشنوقا بالجوع وحبال التخلف التي غزلوها من سواد ضمائرهم وعفونة أرواحهم الشريرة ، كان صديقي في مملكة النفي-العربية السعودية- حيث لا قيمة لليمني ولا يساوي في منظورهم كلبا أمريكا مدللا.
قلت له :صانع القرار مسكون بهوس المبادرات لحل أزمات الأشقاء ، فيما أبناء وطنه تشنق حياتهم ومستقبلهم ألف أزمة ،وكان الأولى به أن يبادر لحل هذا الاحتباس “الحراري” ، الذي يوشك ان ينفجر في وطن قابل لأن يتحول إلى ألف قنبلة وشظية برمشه عين .
يضيف صديقي الوصابي :” وحدنا هنا رغم القسوة والبعد . لكن ان تري الوطن من الخارج تحس ماذا يعني لك الوطن ..؟ هم لم يجربوا في حياتهم رحلة الحنين وهول الفراق..نحن مصدر دخل قومي لهم لكنهم مصدر هم وكابوس نتنفس من بين ثنايا أنيابه ، التي بدأت تتساقط بتقادم السن ، بعد سنوات حكم تجاوزت عدد أسناني ؟
قلت له :” يا صديقي الوطن مجزرة وفرمانات إعدام يومي مجاني ،لبقايا كرامة وبصيص أمن، وأمل واستقرار، ووحدة ، ولذلك عليك أن تحتفظ بإحساسك نحوه، فإحساسك سيبقيك على اتصال به ، ولو انقطع هذا الاحساس مات فيك الحنين إليه، فدع هذا الاحساس جرحا ، يستنزف فيك الموت كي تبقى حيا به.
ويتساءل صديقي :” كيف ترسم خارطة الوطن وبأي الألوان ترسم ومن أين تبدءا الرسم ؟ المبادرات هي تصدير ازمه لوضع ألف أزمة، لم تعد تعنينا الحياة أو الموت أصبح الموت أحيانا مواكب تزف بعد أن حرمونا مواكب الفرح في الحياة”
أجبته ” الموت يا صديقي نصنعه نحن بأيدينا ، كشعب لم نتقن سوى فعل الموت ، نقيم ألف حرب على ناقة ، فيما ثروات الوطن تتكدس بيد قلة ، لطالما سامتنا سوء الجرع ، ذبحت أحلامنا واستحيت آلامنا، لكن الخريطة التي نرسمها له هي خريطة الحلم بمستقبل أفضل وحياة أجمل من هذه الحياة الأقرب إلى حياة العبيد “
صمت صديقي هنيهة فقلت له : من ايجابياتك انك تستولد فيني الكتابة ، لكنه أجاب ، ومن سوءتي أني انبش الألم ،و في زوايا الألم تولد الأحلام تكبر وتنموا علي حواف مدن أسطوريه تكونت علي غفلة من نظر الحكام؟
قلت له أتقن فن الحلم يا صديقي ،لم يتبقى لنا سوى الأحلام ، ثم سألته ما هو تعريفك للموت والحياة في مقياس الوجود المكنيكي المتحرك للناس ؟
أجاب : الموت أن يموت إحساسك بقضايا شعبك والحياة ان تلعن قاتليك بفمك، وشعبنا مات منذ أن زمن، لم يمت الموت” الاكلنكي ” بل شيع ذاته إلى سجلات الانتخاب لكي يعطي مزيدا من شرعية البقاء لقاتليه .
كان صديقي مفرطا في تشاؤمه ، فيما الساعة تجاوزت الواحدة وعمري ليلا ، قال لي يا رداد الوقت نفذ كنت أفكر أن أنام لكن ما إن أذكر الوطن حتى أحس بان جزء من روحي سلب مني افزع أتحسس قلبي مادام ينبض :يعني وطني موجود وطني هو قلبي، فأجبته بعد أن أرسلت له صورة تعبيرية مبتسمة ، قلبك ينبض لأن فيه وطن يسكنه ، وإذا أردت أن تنام فخدر إحساسك وحواسك ، بمزيد من وخز الإحساس به ، وودعته بعد ذلك .
صحفي يمني