نحو إعلام مقاوم

يحي أبوزكريا.
لا يمكن لأي حركة سياسية أو فكرية أو إقتصادية أو نهضوية أن تكون فاعلة ما لم تكن مقرونة بإستراتيجة إعلامية توصل تفاصيل هذه الحركة إلى الفرد كما المجموع وتحرّك الطرفين معا بإتجّاه أهدافها الكبرى ….
 
        والإعلام بالنسبة للفكرة العملاقة و المغيّرة والمؤثرة بمثابة الماء للنبتة التي تأخذ منه أسباب النمو فالإنطلاق في الإتجاه العمودي إلى أن تصبح هذه النبتة كالنخلة الباسقة جذرها في الأرض وفرعها في السماء .
 
        والإعلام هو صلة الوصل بين الأفكار الكبيرة و المجموعات البشريّة التي يفترض بها أن تضطلعّ بعملية البناء و التغيير في ضوء هذه الأفكار .. بل إنّ الدنيا تدور على عجلة الإعلام فهو الذي بات يصيغ الرؤى والتوجهّات و التيارات وأصبح مرجعا في قراءة المشاهد السياسية و الثقافية والإستراتيجية .
 
        ونظرا لأهميته القصوى ودوره في تفعيل الأجندات السياسية والإستراتيجية فقد أولته الإرادات الدولية و تحديدا في الغرب إهتماما خاصا وأعتبرت أنّ معركتها الحضارية خاسرة لا محالة بدون إعلام , و ما يعضد هذا التوجه هو تعاطي الإدارة الأمريكية مع الإعلام وتسخيرها له في غاراتها على العالم العربي و الإسلامي .
 
        و في زمن إشتدّت فيه الغارة الكبرى على العالم الإسلامي عسكريّا وإعلاميا بات من باب الوجوب الشرعي والوطنى والضرورة الحضارية وضع إستراتيجية إعلامية تردّ هذه الغارة و تطوّق آثارها , و هنا لابدّ من التذكير أنّ الرؤية الإعلامية المقاومة يجب أن تستوعب العالم الإسلامي و الغرب , ولكل جغرافيا طرائق تفعيل المشروع المقاوم فيها , فعلى الصعيد العربي والإسلامي لابد من إستغلال كل وسائل التواصل البشري من الإعلام المكتوب فالسمعي فالمرئي فالإلكتروني , ووفق شبكة من العلاقات العامة لابدّ من النهوض بالرسالة الإعلامية التي تستبطن آليات النهوض و مناهضة إعلام الأنظمة الراقص و إعلام البترودولار الخليع الذي بات يعرف بإعلام الصدور المكشوفة و البرامج التخديرية التي تندرج في سياق خطة سلطوية تستهدف شلّ قوى المجتمع عن التفكير مجرد التفكير في التغيير ولا بدّ من تأطير الأمة في هذا الإطار معنويا على الأقل , ولا بدّ أن يرقى هذا الإعلام المقاوم إلى إلى فضح مكائد السياسات الأمريكية و الصهيونية و الغربية التي إستباحت العالم الإسلامي ثقافيا وأمنيا وعسكريا وإقتصاديا وحولته إلى حقل تجارب , ولا يمكن أن يتم ذلك بدون كشف كل الخروقات العسكرية و الأمنية والثقافية والفكرية التي يتعرض لها العالم الإسلامي من قبل الإرادات الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تستهدف أبرز مقوّم لشخصية الأمة الجماعية وهو الإسلام . و إشعار الأمة الإسلامية بالخطر المصيري المحدق بها ورسم الدور الذي يجب أن تلعبه يشكل بداية الخلاص من حالة المغلوبية التي إستمّرت طويلا في عالمينا العربي والإسلامي , و في هذا السياق يشار إلى أن الكتاب والموقع الإلكتروني والمجلة و المنشورات وحتى المجلات الجدارية وسائل ضروريّة لنشر فكر المقاومة , غير أنّه وفي ظل تراجع المقروئية في العالم العربي والإسلامي و إنشداد الناس إلى إعلام الصورة يملي علينا التفكير جديّا في إطلاق فضائية متخصصة في تحصين الأمة من الإختراقات , لأنّه من أسباب التراجع الحضاري و سهولة تمكن الإرادات الدولية على أمتنا هو شيوع الإعلام الرخيص الذي يمكّن للشهوات وبالتالي فهو إمتداد للألة الإعلامية الغربية العملاقة التي تحاول دكدكة الإنسان المسلم من الداخل , ولا داعي للتذكير بأنّ الإنسان هو صانع النهضة فإذا ألمّت أي آفة بهذا الإنسان إنعدمت النهضة من أساسها .
 
         وبالإضافة إلى ضرورة العمل على إنشاء فضائية للدفاع عن قيمّ الأمة لابدّ من التواصل مع الإعلاميين العرب والمسلمين الغيارى على دينهم وإسلامهم وأمتهم , و يرفضون جملة وتفصيلا إعادة إستعمار العالم الإسلامي بالصيغ الجديدة التي تطرحها أمريكا.
 
        وتبدو مهمّة الإعلام المقاوم إعلاميا يسيرة التفعيل في الخارطة العربية والإسلامية بحكم إنسجام الأمة الإسلامية مع دينها و إستعدادها الفطري للدفاع عن كرامتها , غير أنّ هذه المهمة تبدو ع
سيرة في الخارطة الغربية التي يعتبرها اللوبي الصهيوني وأذرعه السياسية و الفكرية والتنظيمية ساحته , وهنا يجب وضع إستراتيجية للوصول إلى الإنسان الغربي من خلال التواصل مع غربيين إكتشفوا خطر الأمركة والصهينة حتى على مستقبلهم الأوروبي وبدأوا ينددون بها .
 
        ومع نشر المفوضية الأوروبية للإستطلاع الموسع الذي يعتبر فيه الأوروبيون أنّ الدولة العبرية دولة شريرة إرتفعت حدّة العمل الإعلامي المتصهين في قلب ظهر المجّن ضدّ الحضارة الإسلامية , حيث نجح اللوبي الصهيوني في عكس المعادلة وبدأت معظم الإستطلاعات الغربية تتحدث عن أنّ المسلمين هم الخطر الحقيقي على البشرية والعالم , و لم يتمكن اللوبي الصهويني أن يعكس نتائج الإستطلاع السابق بدون إعلام موجه . وهنا لابد من التواصل مع الإعلاميين الغربيين و عقد حلقات دراسية معهم و جلب بعضهم إلى العالم الإسلامي لوضعهم في صورة ما يجري . و لابد من التفكير جديا في توجيه ثلاثين مليون مسلما موجودا في الغرب لم يستشعر كثير منهم حقيقة الأخطار المحدقة بالعالم الإسلامي و هؤلاء لهم أن يغيروا المعادلة السياسية في الغرب لصالح العالم الإسلامي و عقيدته من خلال مشاركتهم في الحياة السياسية و الإعلامية .
 
        وذلك لن يتأتى بدون رسم إستراتيجية إعلامية منظمة والتي يجب تكون مغرفة في الموضوعية و التفاصيل .
 
        وقد نشأ في الغرب جيل غربي لا يعترف بقيم الأمركة و الإستعمار وحتى يصبح هذا التيّار فعلا ومؤثرا على سياسات بلاده الرسمية لابد من مخاطبته إعلاميا بطريقة ذكية , و من نافلة القول بأنّ صيحة واحدة لرجل مثل غالواي في الغرب تعدل صرخة عشرة آلاف مسلما , ومثلما عمل الغرب على تسفيه الحضارة الإسلامية بأشخاص من جذور عربية و إسلامية أمثال سلمان رشدي وتسليمة نسرين وغيرهم كثير , فلابد من التواصل مع الشخصيات الغربية التي تعتبر أن العولمة في ثوبها الأمريكي و الصهيوني خطر على البشرية لأنّها تخدم المصالح الإستراتيجية للأقلية السياسية و الإيديولوجية , وعقب حدوث كارثة مانهاتن في أمريكا طالب الإتحاد الأوروبي الشعوب الأوروبية بالوقوف ثلاث دقائق في توقيت واحد في كل أوروبا حدادا على أرواح قتلى مانهاتن , فكتب الكاتب السويدي يان غيلو صاحب كتاب السيدة الإرهابيةMadam terror    و يقصد أمريكا مقالة قال فيها لن أقف أبدا , ثمّ يتساءل فهل وقفنا دقيقة واحدة على ضحايا الحروب الأمريكية على العالم في اليايان و الفيتنام وصولا إلى البلاد العربية .
 
         وهذا التيار الذي يمثلّه غيلو و كوكبة من المفكرين الغربيين الرافضين لإرادة الإستعباد الأمريكية حريّ بنا التواصل معهم لبناء جبهة فكرية تقاوم التعسف و القمع العالمي و البطش وعسكرة القرار الدولي ونسف معتقدات الشعوب .       
 
 يحي أبوزكريا .
 
 
 
 
 
 
 
يحيى أبو زكريا
 
مشرف البرامج السياسية والاخبارية 
 
Yahia Abou Zakaria
 
Politicals & News Programs
 
align=baseline>
 
Tel: +961 1 833 701/2
 
Fax: +961 1 833 608
 
Mob: +961 70 948 244
 
 
 
Exit mobile version