أرشيف - غير مصنف

المفسدون في الأرض

المفسدون في الأرض
بقلم : زياد ابوشاويش
“السامية” هي جذر الأمة العربية، ومعاداتها تعني التضاد مع تاريخها وأصولها الممتدة عبر آلاف السنين حيث كان اليهود جزءً من نسيج المجتمع العربي في اليمن والجزيرة العربية.
أما عنوان معاداة السامية الذي تشهره الحركة الصهيونية في وجه كل من ينتقد إسرائيل وسياستها العنصرية المعادية لكل قيم الحق والسلام وشرعة حقوق الإنسان واستخفافها بحياة الفلسطيني، واعتبارها أن موته أفضل من بقائه، فإنه عنوان وشعار لا ينسجم مع الواقع الذي تفرضه الدولة اليهودية بقوة السلاح في منطقة الشرق الأوسط وبقوة النفوذ الإعلامي والمالي للحركة الصهيونية قي العالم وأمريكا خصوصا، الواقع الذي تحتل فيه اسرائيل أراضي الغير منذ سنوات طويلة وتطلب إليهم التخلي عنها وإلا كانوا ضد السلام ومعادين للسامية، كما أنه الواقع الذي تعربد فيه إسرائيل دون رادع ولا تكترث بأي نقد أو قرار أممي يدينها.
في مقاربتنا لموضوع المفسدين في الأرض باعتباره شعاراً يجب أن يرفع في وجه الخداع الصهيوني حول معاداة السامية ومعانيه الخبيثة وغير الإنسانية لابد أن نشير إلى أن قسماً مهماً من اليهود لا علاقة لهم بالعنصرية اليهودية كمعتقد وكفكرة، وبأنهم لا يوافقون على سياسة الكيان الإسرائيلي على هذا الصعيد، ومنهم من يعتقد أن نشوء اسرائيل هو ضد مشيئة الرب ويخالف تعاليم التوراة الأصلية وينادون بعودة فلسطين إلى أهلها مثل جماعة ناطوري كارتا التي تعد بالآلاف في فلسطين ومنطقة القدس على وجه الخصوص وكذلك السامريين في منطقة نابلس الذين يعتقدون أن ديانتهم اليهودية هي الأصل، وهم ضد قيام دولة اسرائيل.
أردنا بهذه الملاحظة وضع حاجز صلب أمام أي اتهام أخرق لنا بمعاداة السامية قي تناولنا لواقع المجتمع اليهودي ومراكز النفوذ والقرار فيه حيث نؤكد أن صفة ” المفسدين في الأرض ” تنطبق عليهم بدقة رغم الإقرار بتميز ما وفرته جملة عوامل لهؤلاء.
إن أدلة متعددة تاريخية وراهنة تؤكد ما ذهبنا إليه في التوصيف الذي تعززه ممارسة منحرفة تشبه سلوك العصابات حين يتعلق الأمر بأي مس بمقولات تقترب من الزيف يطلقها اليهود العنصريون من أجل تثبيت دعائم سياستهم وتسويغ مواقفهم العنصرية، ولعل حكاية المحرقة النازية تقدم الدليل على ما نقول حيث تنكل وسائل الإعلام التابعة لهم والتي يسيطرون عليها وهي كثيرة بأي كاتب أو سياسي يحاول استجلاء الحقيقة في هذا العنوان الجدلي وحيث كل شيء قابل للنقاش ويجب أن يخضع للدراسة والتمحيص، ليس هذا فحسب، بل إن تصرفاً مناقضاً لمصالحهم من هذا الزعيم أو ذاك يعرضه لملاحقة علنية وخفية ينطبق عليها وصفنا السابق حول سلوك العصابات الإجرامية.
لقد تعرض عشرات الكتاب والمفكرين والساسة للهجوم من جانب الصهاينة ومعظم اليهود بخلفية الموقف من المحرقة المزعومة ومدى إقرار هذا الكاتب أو المفكر أو السياسي بحقيقة الأرقام الواردة في الرواية الشائعة حول إبادة اليهود على يد هتلر قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، وقد أدى ذلك لانزواء الكثير منهم عن الأنظار أو التزامهم الصمت وخروجهم من الحياة العامة، وهذا هو الفساد بعينه.
إن لجم صوت الحق يعطي الفرصة لسيادة منطق الإرهاب والتخويف وهذا بالضبط ما فعله اليهود بأغلبيتهم على مدار التاريخ. إن المراباة المشهورة على يد اليهود شكلت عبر التاريخ سيفاً مسلطاً على رقاب الناس المتورطين معهم، كما لعبت نساؤهم ذات الدور الخطير مع أصحاب النفوذ في أزمنة قديمة وحديثة.
لو بحث القاريء في التاريخ البشري على امتداده المعروف لوجد أن مشعلي الفتن والحروب أغلبهم من اليهود، وفي تفسير بعض التميز للكثير منهم يجيء عاملان الأول نزوع طبيعي لدى الأقليات عادة نحو حماية ذاتها والتفوق في مجالات حساسة ومركزية، وهو ما نلمسه في جغرافيا المناطق التي يسكنها هؤلاء من ناحية وتفوق علمي واجتهاد في شؤون الحياة الخاصة.
والعامل الثاني توفر الإمكانات والظروف التي تؤهل لمثل هذا التميز، وفي كل حال فهو يحسب لهم ويساعدهم على تسويق أنفسهم ومجتمعاتهم المغلقة على أفضل وجه.
التاريخ العربي حافل بالأمثلة على ما نقول في إثارة الفتن وصنع المؤامرات لتفتيت الأمة والمساعدة على إضعافها وتقديمها لقمة سائغة للاستعمار قديماً وحديثاً، كما أن التدخل العلني والسري في شؤون الغير
كان ولا يزال في صلب السلوك الرسمي وغير الرسمي لليهود.
اليوم وبعد اتضاح الميل العنصري للكيان الصهيوني وترسيخه بشكل كبير إثر انتخابات الكنيست الأخيرة وتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة هناك، هل يمكن أن يكون ضياع فرصة السلام وإغلاق الأبواب نهائياً في وجهها سوى الفساد بعينه؟ وفي هذا السياق أذكر بأن مسلسلاً عربياً مهماً عرض قبل ما يزيد عن ثلاثين عاماً في عدد من التلفزيونات العربية بعنوان ” المفسدون في الأرض ” تناول تاريخ اليهود الأسود في هذا المجال وبتفاصيل مدهشة وحجج مقنعة تقوم على أدلة قطعية وروايات مثبتة لا يمكن إنكارها، وهي أكثر صدقاً من رواية المحرقة، ولا أعرف لماذا لم يستمر عرض المسلسل في القنوات كلها برغم أنه مسلسل مشترك رعته مؤسسات عربية وأشرفت على توثيقه الجامعة العربية وساهم فيه فنانون من مختلف الدول العربية، وليته يعرض مجدداً. إن تفسير الميل اليهودي للإفساد يتعلق بوجودهم كأقلية منغلقة على ذاتها في معظم بلدان العالم وهو ميل تعززه سياسة قصدية من جانب المفكرين الصهاينة وتغذيه وسائل تثقيف متعددة بقصد تسهيل عملية السيطرة على الآخرين لحماية أنفسهم من جهة وتطويع هؤلاء الآخرين من جهة أخرى.وهنا لا نقصد القول بأن نفوذهم الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا يعود للإفساد والتآمر فقط، بل أردنا القول أن الإفساد في الأرض هو في جوهر الفكرة الصهيونية وسلوك الأقلية اليهودية التي تعرضت بسبب من هذا السلوك بالذات للملاحقة والتنكيل في فترات متعددة من التاريخ البشري.
المصالح تفسر سلوك الأفراد كما الأمم والدول والمجتمعات البشرية وهذه المصالح ترتبط بوسائل عيش الناس وبقائهم، ثم تطورت باتجاه السيطرة وتأمين رفاهية أكبر، ولذلك يجب أن نستوعب كعرب في فلسطين وغيرها أن مصلحة الكيان الصهيوني وأغلبية اليهود مرتبطة بضعفنا وانقسامنا وهو ما تعمل أوساطها الفكرية والسياسية والإعلامية عليه منذ نشأة الكيان، بل وقبل ذلك، وكل حديث عن قواسم مشتركة معهم هو لغو وخارج التاريخ.
المفسدون في الأرض لا يحتاج المرء لجهد كبير لتظهير وسائلهم الخبيثة في بث الفتنة وإثارة النعرات بين أبناء أمتنا وعلينا الانتباه لذلك وإفشال ما يخططون له عبر فهم لهذه الحقيقة وعبر وضع أسس متينة لتضامن عربي يؤمن مصالح الشعب العربي في كل الوطن العربي.
في ختام المقال أستطيع القول بثقة : أنه لو ترك الخيار للأغلبية من الشعوب في العالم لتقدير أمر اليهود ودولتهم العنصرية لقالوا بشأنها ما قلناه بالضبط، ولكان تقديرهم بأن هؤلاء القوم يفسدون في الأرض، وما نتائج الاستطلاع الشهير في أوروبا (حول من الأكثر تسبباً في الحرب بالعالم) قبل سنتين وجواب الأغلبية بأنها اسرائيل سوى دليل على ما نقول.
 
 

زر الذهاب إلى الأعلى