أثار توزيع «دار الشروق»، إحدى دور النشر الكبرى في مصر، سلسلة كتب الأطفال «بيبي اينشتين» الصادرة عن الجامعة العبرية في إسرائيل، ردود فعل ثقافية واسعة استنكرت هذه الخطوة التي تفتح باب التطبيع الثقافي مع إسرائيل، وأشارت إلى أن الدار وقعت في خطأ مهني ووطني جسيم.
مديرة مكتبة الشروق منى مختار نفت ما تردد حول عمليات تطبيع تقوم بها الدار مع إسرائيل، مؤكدة أن كتب الدار الأجنبية تُستورد من خلال اتفاقيات مع الولايات المتحدة الأميركية وإنكلترا، بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى، أما الكتب العربية فتُستورد من دول عربية كسورية ولبنان عن طريق ما يسمى ببوالص الشحن.
أشارت مختار إلى أن هذه الكتب قد تكون استوردت من أميركا وليس من إسرائيل مباشرة، مؤكدة أن «دار الشروق» لا يمكن أن تقوم بعمليات تطبيع ثقافي مع إسرائيل، وأن الكتب جاءت بالخطأ.
وعلى رغم نفي مسؤولة مكتبة الدار، إلا أن مثقفين طالبوا بسحب السلسلة ومنع توزيعها، مؤكدين عدم ملاءمتها مع واقع الطفل العربي، فهي بحسب الأديب فؤاد قنديل تقدم معلومات علمية للطفل الإسرائيلي، وإذا كانت المعلومات علمية فلماذا نحصل عليها من إسرائيل؟ فهي متوافرة في جميع أنحاء العالم، والأهم من ذلك أنها موجودة في مصر التي تتمتع بعلماء وكتاب كبار، وإذا أردنا تقديم معلومات علمية إلى الطفل فمصر تتمتع بأساتذة بارزين ولا داعي للاستيراد من إسرائيل أو أميركا، لأن العلم ملك للجميع.
اعتبر قنديل تطبيع دور النشر مع إسرائيل دونية لا تليق بنا، وتملقاً مبتذلاً لبشر لا يعتد بهم، بصرف النظر عن موضوع التطبيع، مشيراً إلى احتمال الحصول والانتفاع بما تقدمه إسرائيل إذا لم يتوافر المنتج في دولة أخرى من دول العالم كالأدوية التي تعالج الأمراض المستعصية، فذلك لا يعتبر تطبيعاً مع إسرائيل، لأن العلم ملك للجميع وليس احتكاراً لدولة بعينها.
دعا قنديل المثقفين إلى ضرورة مقاومة ما أسماه بالكسب الرخيص، وأن ينتبه الجميع إلى هذه الأفخاخ التي لا تدل إلا على التملق والركض وراء الربح بصرف النظر عن كرامة الأمة.
من جهته استبعد الناقد د. صلاح السروي احتمال أن تكون الدار استوردت السلسة عن طريق الخطأ، قائلاً: «احتفاظ الجامعة العبرية بحقوق طبع هذه الإصدارات أكبر دليل على وجود اتفاق للتعاون بين الطرفين، وأنا قلق من أن يكون التطبيع بداية لاختراق عقول المصريين، خصوصاً الأطفال الذين توجه إليهم هذه الإصدارات، والذين يعدون المنطقة الرخوة في جسد المجتمع المصري».
أضاف السروي أن هذه الواقعة بالغة الخطورة، وتشكّل تحدياً أمام المثقفين المصريين، الذين ينبغي عليهم رفض أي عملية تطبيع ثقافي مع العدو الصهيوني، لأنه دخل معنا في أربع حروب سابقة، ولعدوانه الأخير على غزة وقبلها لبنان، فقد أثبتت إسرائيل أن هدفها الأساسي ليس الحفاظ على أمنها، بل إبادة الجنس العربي، بالإضافة إلى وقوفها وراء تناحرات طائفية تظهر بين الحين والآخر.
تابع السروي: «إسرائيل ليست ساذجة كي تمنح العالم العربي ما يفيده»، مشيراً إلى ما حدث سابقاً مع وزير الزراعة المصري السابق يوسف والي الذي استورد مبيدات مسرطنة من إسرائيل ما زال الشعب المصري يعاني منها إلى الآن.
أكد الناشر ومدير وكالة «سفنكس للترجمة» خالد عباس، ضرورة توحّد القوى الثقافية المصرية ضد هذه القضية الشائكة، وتساءل: هل من مصلحة العرب الانغلاق فكرياً على إسرائيل، أم أنه من الضروري التعرف على فكر عدونا، خصوصاً في الوقت الذي انقسم فيه العالم إلى ثلاث رؤى حول إسرائيل؟ الرؤية الأولى تتمثل في معاداة العرب للصهيونية، والثانية، كما تقول إسرائيل عن نفسها، إنها دولة تتبنى السلام مع العرب وهم يرفضونه، أما الرؤية الثالثة التي يتبناها الغرب فهي أن العالم العربي والإسلامي شديد التطرف.
أشار عباس إلى أنه في حال عُرض على وكالته نشر أعمال إسرائيلية سيرفض كي لا يوضع تحت ضوء أحمر، خصوصاً أن ثمة تناقضات كثيرة حول هذه القضية.
أضاف عباس أن قضية التطبيع إحدى أعقد القضايا في المجتمع المصري، فالنظام يقوم بالتطبيع مع العدو الصهيوني في الخفاء، ويدعو إلى عدم التطبيع في العلن، ما يثير إشكالية في رفضه أو قبوله.
بدوره استنكر الشاعر شعبان يوسف قيام «الشروق» بنشرها أعمالاً عبرية، موضحاً أن تصرّفها غير مقبول، خصوصاً أن الدار تنشر أعمال كبار الكتاب المصريين المعارضين للتطبيع كمحمد حسنين هيكل ويوسف القعيد وجلال أمين.
واستبعد يوسف أن تكون «الشروق» دخلت في عمليات تطبيع مع العدو الصهيوني، فهي دار نشر كبيرة لا يمكن التشكيك في مدى وطنيتها، وربما ما حدث كان نتيجة خطـأ تجاري، لافتاً إلى ضرورة تدخل الحركة السياسية والثقافية لتوعية دور النشر من الوقوع في مثل هذه الأخطاء.