جابر عثرات الحوار…من يكون؟! بقلم:سري سمور-جنين-فلسطين المحتلة الحوار لم يفشل،بل تعثر،والمفروض أن يستأنف في القاهرة في الأسبوع الأخير من نيسان/أبريل الجاري ؛أما العثرات التي أعاقت وصول عربة الحوار إلى محطة المصالحة وإعادة ترتيب الوضع السياسي الفلسطيني،وبناء منظومة علاقات بين حركتي فتح وحماس على أسس جديدة فهي عثرات حملت أوصافا بعيدا عن الخلفيات والدوافع،ومن وجهة نظري،فإن الخلفيات وراء العثرات أو العقبات هي الأساس ،وهي ما شكلت وتشكل جوهر التداعيات التي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه،وبعيدا عن استعارة الأوصاف ،والغرق في التعبيرات التي تُستخدم لشرح نقاط الخلاف ،يمكن أن نقول بلا تردد أو شك أن العثرات المعيقة للحوار تتمثل بما يلي:- العثرة الأولى:الرواتب وأموال المانحين: تخشى حركة فتح وقيادة السلطة في رام الله من عودة الحصار الدولي،لا سيما الأمريكي والأوروبي،وبالتأكيد الإسرائيلي،وهو الحصار الذي فرض بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006 وتشكيل الحركة للحكومة العاشرة،ولم ينجح اتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية التي انبثقت عنه في رفع أو حتى تخفيف الحصار إلى حد يطاق ،على الرغم من تولي سلام فياض لحقيبة المالية –كما طلبت فتح-ورغم الجدل الكلامي واللغوي وما دار من لغط حول مفردتي «الاحترام» للاتفاقيات الموقعة من منظمة التحرير أو «الالتزام» بها من قبل تلك الحكومة،وادعاء البعض أن الأولى أقوى وأهم من الثانية…كل هذا لم يفلح في رفع الحصار،ووصلت الأمور إلى ما نعلم من انقسام وخصام. معظم الموظفين من مدنيين وعسكريين في أجهزة ومؤسسات السلطة الفلسطينية هم من فتح أو من مناصريها أو مهادنيها ،وبسبب اعتماد السلطة على أموال المانحين،وتفشي ثقافة جديدة داخل عناصر وكوادر وقيادات الحركة منذ أوسلو،فقد فضلت فتح دعم تشكيل حكومة ليست منها (حكومة فياض) ما دام هذا الأمر سيسهل تدفق أموال المانحين ودفع الرواتب ،وقد حصل هذا فعلا،والمال يصل إلى فتح؛حتى لو كان رئيس الحكومة من «الطريق الثالث» والعديد من أفراد طاقمه الوزاري هم من المنظمات الأهلية الممولة من الخارج ،أو المفصولين من تنظيمات وفصائل فلسطينية ،كما يعلم الجميع! فالرواتب والرواتب ثم الرواتب هي المشكلة أو العثرة الأكبر في طريق الحوار،والعديد من الملفات والقضايا الخلافية تنبع من الرواتب والحرص على إرضاء دافعيها ؛خذ مثلا موضوع التمثيل النسبي وإصرار فتح على اعتماده في الانتخابات التشريعية،ورفضها للنظام المختلط،وكذلك إصرار فتح على تخفيض نسبة الحسم؛ فقبل أن تكون الدوافع حزبية،فإن الرواتب وأموال المانحين حاضرة في هذا الملف،لأن فتح تريد أن تضمن فوزها مع الأحزاب الهامشية والقوى المجهرية بأغلبية تقول فيها للمانحين:«ادفعوا» وتضمن من خلال ذلك حتى إمكانية تغيير القانون الأساسي الذي يحتاج لأغلبية الثلثين،وارموا خلف ظهوركم كل التنظيرات وقصائد الغزل المطولة التي تُنظم في حسنات نظام التمثيل النسبي ،لأن الرواتب هي المحرك لقريحة الشعراء الناظمين! العثرة الثانية:تعهدات السلطة في الضفة الغربية والوجود الأمريكي:لم يكن من المنطق أن نشتم العرب أو حتى نلومهم أثناء العدوان والحرب الظالمة على قطاع غزة فيما كانت السلطة في رام الله تكتفي بتصريحات إعلامية خجولة،وإعلامها يحمّل حماس مسئولية الحرب بطريقة أو بأخرى،ولا ننسى عربدة المستوطنين في الخليل وسائر أرجاء الضفة،وهم المعروفون بالجبن وحاجة الواحد منهم إلى ما معدله ستة جنود للحراسة،فهم استغلوا ويستغلون وسيستغلون ضعف وتراجع المقاومة في الضفة الغربية،فالسلطة في الضفة الغربية ألزمت نفسها بتعهدات أمنية نراها بوضوح كل يوم،تقوم على قتل ثقافة وفكرة المقاومة،بالتوازي مع تصفيتها،ولا أنسى الظروف العامة التي قادت لهذا الوضع كالفلتان الأمني ،والذي أوصل الناس إلى حالة الرضى بأي حالة أمنية تقي الفرد وأسرته وممتلكاته من العبث والبلطجة،وتدهور الوضع الاقتصادي الذي جعل تفكير الناس ينحصر بتحصيل لقمة العيش،والعزوف عن السياسة والسلبية الواضحة. قبل يومين نشرت أخبار عن نية روسيا تزويد أجهزة السلطة الأمنية في الضفة الغربية بمروحيتين وآلاف الرشاشات ،وتزامن هذا مع خبر تخريج عشرات الضباط بإشراف وحضور الجنرال «دايتون» فهل ستوافق سلطات الاحتلال على إعادة بناء الأجهزة الأمنية؟وهل ستسمح حماس بمد نفوذ وإشراف دايتون إلى قطاع غزة؟لا كبيرة للسؤالين،ثم إن دايتون بات شبيه «أبو حنيك» الإنجليزي وهو «غلوب باشا» وهذه المرة من بلاد العم سام وليس من بلاد الضباب ،ورغم الوضوح في سياسة حكومة نتنياهو ،ورغم حملات التهويد المحمومة للقدس،وعربدة قطعان المستوطنين ،ورغم الحملات اليومية التي تنفذها سلطات الاحتلال ويعتقل في سياقها يوميا حوالي 15 مواطنا،فإن دايتون ما زال موجودا،هذا رغم التغير الذي حدث في واشنطن،فهو كان موجودا أيام جورج نجل جورج بوش،وما زال على حاله أيام باراك نجل حسين أوباما! العثرة الثالثة:نمط التفكير والحسابات الخاطئة:قرأت عدة مقالات توحي بأن هناك نمط تفكير يقوم على الحسابات الخاطئة والتصورات المغلوطة،وانتظار ما لم لم ولن يأتي،فمثلا هناك مقال يقول كاتبه بالحرف الواحد:«… فحماس بعد مذبحة غزة هي غيرها قبل المذبحة، إنها محطمة القوى مضربة مشتتة، وهذه فرصة أمام حركة فتح وقوى اليسار لمحاصرتها وإجبارها على الخضوع للمصلحة الوطنية الفلسطينية…»!!! قد يهزأ البعض ويقول بأن
افتراض رسم الأقلام للسياسة الفلسطينية خاصة والعربية عامة خاطئ بكل المعايير ،لأن السياسة هي التي تتحكم بالأقلام وليس العكس،وأنا أقول بأن الدولارات تسيرهما معا،وعلى كل ومن داخل النظرية فإن هذا الكلام ،والذي عرضت عينة منه يعكس السياسة ،ويوضح الرهانات التي لطالما كتبت عنها،وسبق أن قلت في غير مناسبة بأن محاولة حشر حماس في الزاوية أو السعي لابتزازها واستفزازها،يقود –كما ثبت بالتجربة العملية- إلى نتائج عكسية،ولكن يبدو أن قدر حماس هو وجود من يراهن ويغامر،ليتبدّى له بعد زمن قد يقصر أو يطول أنه أوقع نفسه في حسابات خاسرة،وأن الرياح لم تجري بما اشتهته سفنه،ولكن كم من الوقت سيضيع، وإلى متى سيبقى أبناء شعبنا يعانون حتى يتوصل أصحاب هذه التنظيرات الذين لا أمل بشفائهم من الهوس والتخيلات والأوهام،إلى النتيجة التي أزعم أنني أعرفها سلفا؟! إن الظن بأنه يمكن الحصول من حماس على تنازلات لأنها «هزمت» أو لأن الناس سيثورون عليها إذا تعطل موضوع إعادة إعمار غزة ،أو لأن صفقة شاليط لم تتم،أو لأن النظام الرسمي العرب لا يزال يدير ظهره لها ،هو ظن يتناقض مع مصالح شعبنا ،وليس بهذا النمط من التفكير تبنى المشاريع الوطنية،وبصراحة فإن اللعبة لم تنتهي ،ولست أدري من أين يملك هؤلاء ترف تجربة حماس بهذا التجدد؛قالوا بأن الحصار كفيل بانهيار غزة خلال أسبوعين،وامتدت الأسابيع والشهور،ثم قالوا بأن عملية عسكرية تستهدف المراكز والمؤسسات ستحل المشكلة،وشُنت حرب لأكثر من ثلاثة أسابيع ،والآن يراهنون على مسألة الإعمار،وأظن أنه لم يتبق إلا أمر واحد وهو ما اقترحه ليبرمان أي ضرب غزة بقنبلة نووية! يا هؤلاء:والله لو غيّرت حماس مواقفها أو أصبحت أثرا بعد عين ،فإن الاحتلال هو الاحتلال،وسيقول قادته بعدها أن المشكلة باتت في الجهاد أو أن تنظيم القاعدة ينشط هنا،أو أو أو…! أولم يقولوا لنا بأن عرفات هو العقبة الكأداء وأنه لو غاب فإن الدولة المستقلة هي تحصيل حاصل…فانظروا ماذا جرى وما يجري وما سيجري هداني وإياكم الله! هذه العثرات الثلاث هي الأساس،فمن يكون جابرها؟وكيف نقيلها؟إن جابر هذه العثرات ليس بالضرورة شخص أو أشخاص بقدر ما يكون تغيرا في الثقافة السياسية ،وتفكيرا جماعيا وعصفا ذهنيا،لأنه برغم كل شيء فإن العدو عدو الجميع؛عدو فتح وعدو حماس وبقية الفصائل والمستقلين،وهو غير مستعد وغير راغب في أن يعطي شيئا،ولا بد من طيّ صفحة الانقسام مرة وإلى الأبد،وكل عثرة ولها مقيل،وهو موضوع حديثي القادم بمشيئة الله. ،،،،،،،،،،،، سري عبد الفتاح سمور قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة حاليا:جنين-فلسطين المحتلة السبت 14 ربيع الآخر/1430هـ،11/4/2009م بريد إلكتروني:- sari_sammour@yahoo.com s_sammour@hotmail.com