أرشيف - غير مصنف

آية الله الحكيم شاكرا وممتناً للأمريكان يقول: لولا غزوهم ما تخلصنا من صدام

يتحدث لأول مرة عن سجنه وابنه واحتجاز 80 فرداً من بيت (الحكيم) وإعدام 18 وحشر 25 في زنزانة، سنة 1983، عندما أسس الهاربون الى إيران من عائلته "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في إيران". ولهذا فهو ينظر الى العراقيين بأنهم كانوا عاجزين عن إسقاط حكم (صدام) من دون الغزو ، وأنه لا يستطيع أن يهمل أو يتجاهل "الأعمال الجيدة" للأميركان، والتي يقول إنها اختلطت بأعمالهم السيئة من دون أن تكون هناك إمكانية للفصل بينهما.

 
ويقول (نيد باركر) مراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز إنّ آية الله (محمد حسين الحكيم) 71 سنة، سليل واحدة من العائلات الدينية الشيعية الأكثر بروزاً في العراق. وهو يحاول من دراسته في ظلال مسجد بمدينة النجف أنْ يتأمل الإذلال والفرص المتاحة في مجتمعه منذ الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة للعراق قبل ست سنوات. وهو يقول ما لم يقله الآخرون: "العراقيون كانوا ضعفاء جداً، وهذا ما أعجزهم عن إسقاط صدام حسين من دون تدخل الولايات المتحدة"!.
 
ويسجّل (باركر) في انطباعاته عن النجف بشكل عام، أنّ الماضي كله مازال "حيّاً" في أزقّتها الضيقة، المتعرّجة، ولا شيء منها أو فيها "منسيّ" في ذاكرة آية الله (محمد حسين الحكيم) الذي لا يكف عن رسم ابتسامات عريضة على وجهه، وهو يبدي ابتهاجه بكل ما حوله، كما لو أنّ معاناته، جعلته يعتاد على قبول تلك "التناقضات" التي تحيط به. وفي مدينة النجف " المقدسة لدى شيعة العراق وإيران أو من هم في بقية دول العالم"، جمّد صدام "حقوق العلماء" وأرهقهم، وسجنهم، وقتل الكثيرين منهم. لكن "الحكيم" دبّر حالة، واستطاع النجاة من الحروب، ومن فترة سجن دامت سنوات طويلة!.
 
 ويتابع (باركر) حديثه، قائلاً: بعد غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة، شهد (الحكيم) جنود القوات الأجنبية في شوارع مدينته، وتفجيرات الأماكن المقدسة، وراقب أيضا المقاتلين الشبّان ينتفضون –وسط "ترفّع" رجال الدين المسنّين الكبار مثله- ويسيطرون سريعاً على النجف تحت "راية" رجل الدين الشاب (مقتدى الصدر).
 
 وخلال دراسته تحت ظلال القبّة الذهبية لضريح الإمام (علي بن أبي طالب) ترك آية الله (محمد حسين الحكيم) لعقله أنْ يتأمّل حالة الاختلاط بين السيئ والجيد، بين الإذلال والفرص الجديدة التي خُلقت في مجتمعه منذ أن قدمت القوات الأميركية الى العراق قبل ست سنوات. وعلى الرغم من محاولة أقربائه في المؤسسة السياسية كنس بقايا اعتمادهم على الأميركان من تحت البساط –كما يقول مراسل لوس أنجلوس تايمز- فإنّ (الحكيم) لم يبحث في "الحقيقة المحزنة" لتظاهر الأحزاب الدينية بعدم الوجود في ذكرى سقوط (صدام حسين). ويؤكد الحكيم بهذا الصدد أن العراقيين كانوا أضعف من أن يكونوا قادرين على إسقاطه.
 
وأضاف قوله: ((أحياناً، نحن نقول إن التغيير جاء من المواطنين العراقيين، لكنّه لم يأت من عندنا)). ويروي (باركر) أن (الحكيم) كان يفترش كرسيه، وأمامه حاسوب نقال، وآلة طابعة مرفقة به على منضدته الخشبية البسيطة. ويقول إن (الحكيم) يرتدي نظارات سميكة، وعمامة سوداء، ووجهه محاط بلحية بيضاء مائلة الى الإصفرار. ويضع على كتفيه "وشاحاً إسلامياً" أخضر، اعتاد أفراد بيته (الحكيم) ومؤازروهم استخدامه. وقال إنه أصبح مفعماً بالحيوية وهو يتحدث عن الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة، ويقارن ظروف البلد الحالية بما كانت عليه زمن سيطرة الرئيس السابق (صدام حسين).
 
 ويؤكد (الحكيم) قوله: ((قدرة الله فرضت ضربة غريبة، لذلك النظام القوّي، ونحن لن ننسى الأعمال الجيدة للأميركان)). وأضاف: ((لا نستطيع أن نهمل أو نتجاهل هذا الدور)). وأوضح (الحكيم) لمراسل لوس أنجلوس تايمز إن هذا لا يعني أنه يحب الأميركان. إنّ الأعمال الجيدة والسيئة للقوات الأميركية تكاد تكون مختلطة تماماً، وأكد عدم القدرة على الفصل بينهما، وأنه لم يحاول ذلك.
 
 وشدّد على القول: ((إن العراقيين فقدوا الثروة والأنفس. وقاسوا معاناة الحرب والاحتلال. كان الثمن غالياً جداً)). وتحدّث عن "حالات الإذلال" من جراء الحرب والاحتلال، قائلاً: ((عندما حدث التغيير من الخارج، أصبح الحكم مفروضا على العراقيين، وهذا ما حدث فعلاً)). ويؤكد (نيد باركر) قوله: لكنّ (محمد حسين الحكيم) يعرف أنه من دون الولايات المتحدة، فإن الشعب العراقي كان سيبقى تحت حكم (صدام حسين). وهذا
"الوجود الناقص" أفضل مما كان عليه الحال بطريقة ما.
 
 وفي أوائل الثمانينات، هرب أقرباء (الحكيم) الى إيران، وأسّسوا المجموعة المعارضة التي تسمى الآن "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق"، والتي تشكل الآن حزباً سياسياً دينياً رئيساً في البلاد. لكن (محمد حسين الحكيم) رفض المغادرة وفضل البقاء في النجف، مكان ولادته، ليدرس وليقدم مواعظه للناس.
 
 ولهذا –يقول باركر- احتجز هو و80 فرداً من عائلة (الحكيم) سنة 1983. وأمضى هو وابنه الذي كان عمره 12 سنة في ذلك الوقت 8 سنوات في السجن. وفي الأسبوع الأول بعد الاحتجاز، أعدم 8 من أفراد العائلة، وفي غضون سنتين، تم شنق عشرة آخرين. و(محمد حسين الحكيم) بقي سجيناً في "أبو غريب". و 25 من أفراد العائلة حُشروا في زنزانة واحدة لا تزيد مساحتها على 12 قدماً مربعاً. ويقول (الحكيم) عن ذلك. ((إذا كان ثمة شيء سيء قد حدث لإنسان، فيجب أن يكون صبوراً)). ويتذكر زنزانته في الصيف، بكوتها الصغيرة فقط على الباب، قائلاً: ((تستطيع أن تتصور الحرارة، إن الحياة في تلك الزنزانة كالموت)). وفي سنة 1991، أطلق سراحه، وسُمح له أن يعيش في النجف، حيث بقي فيها تحت المراقبة. وإذا ما جاء تلاميذه إليه بالأسئلة، يُلقى عليهم القبض، كما يزعم.
 
ويقول (الحكيم): ((لازمني شعور الرجل البريء الذي يتعرّض للاضطهاد)). ويضيف مؤكداً: ((إذا ما قبّل أحد يدي، فإنهم يعتقلونه)). ويشدّد على القول: الآن تبدّد ذلك الخوف. ويؤكد (باركر): لقد شعر الرجل بالحزن والإحراج لأنه تحدث كثيراً عن نفسه. لقد تأخر الوقت، وهو يريد أن يدرس شيئاً قبل أنْ يخلد الى النوم.
 
 ويختم (نيد باركر) مراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز، تقريره بالقول: خارج بيته، كان بريق المصابيح الصفراء والحمراء في ضريح الإمام، ينعكس على دكاكين وأكشاك التجار، وعلى الزوّار القادمين للصلاة في الضريح. إنّ دوّامة النشاط تسمح لآية الله (محمد حسين الحكيم) بالشعور أنه عانى لسنوات طويلة، لكنّها انتهت الى "تحقيق الهدف". كان (الحكيم) يخبر ضيوفه وهو يبتسم: ((الحياة كلها تعب))..ثم تمنّى لضيوفه ليلة سعيدة!.
 

زر الذهاب إلى الأعلى