أرشيف - غير مصنف
عندما تنهار الدول اقتصاديا تتحول من نمر الى قط
وفاء إسماعيل
* منذ تولى الرئيس باراك اوباما الحكم فى البيت الأبيض وهو ما فتىء يطلق التصريحات هنا وهناك ..تصريحات لها مغزى ترسم خطوط عريضة لملامح التغيير التي قد يتصور البعض أنها تعبر عن سياسات جديدة من منطلق أسس جديدة تهدف الى تغيير الواقع الامريكى كما تهدف إلى تغيير علاقة أمريكا بالعالم الخارجي .. ورغم ذلك لا نستطيع أن ننكر حسن نوايا الرجل تجاه دول العالم بشكل عام والدول التى كانت تنعت بالمارقة بشكل خاص ، فتلك النوايا الحسنة النابعة من ذاته وطبيعته لا نقلل من شأنها ولكنها بأى حال من الأحوال لن تكون هى أساس الإستراتيجية الأمريكية التى يرسم ملامحها مؤسسات أخرى غير اوباما ، فأمريكا هى دولة مؤسسات تضع مرتكزات وأسس للسياسة الداخلية والخارجية لا يستطيع اى رئيس يدخل للبيت الأبيض ان يحيد عنها ..وتلك حقيقة يجب أن نضعها نحن العرب فى حساباتنا وألا نتجاهلها ونتصور ان الرجل جاء وبيده العصا السحرية التى بها سيحل كل مشاكل العالم خاصة مشكلة فلسطين والعراق أو مشكلة الديمقراطية المسلوبة فى محيطنا الاقليمى .
* بدأ اوباما منذ توليه سدة الحكم من خلال تصريحاته يوجه رسائله الى شعوب العالم كى يقنعها باختلاف مساره ونهجه عن من سبقوه ، خاصة عن تلك الحقبة الدموية التى رسم خطوطها المحافظين الجدد فى البيت الأبيض سواء فى عهد بوش الأب او بوش الابن ، وسنقف قليلا عند بعض التصريحات التى أطلقها اوباما ونحلل عناصرها وأهدافها والرسالة المراد توصيلها الى العالم من خلال تلك التصريحات :
1 – أهم تلك التصريحات المثيرة للجدل هى الخاصة بإزالة أسلحة الدمار الشامل فى العالم ، وأمله فى رؤية عالم خال من الأسلحة النووية عبر خفض الترسانات النووية الموجودة ووقف التجارب النووية وحظر إنتاج المواد الانشطارية لغايات عسكرية. وكان اوباما قد أعلن في خطاب أمام حوالي ثلاثين ألف شخص احتشدوا في براغ لسماعه ان "الولايات المتحدة بوصفها القوة النووية الوحيدة في العالم التي سبق لها وان استخدمت سلاحا نوويا، تقع على عاتقها مسؤولية أخلاقية للعمل" من اجل جعل العالم خاليا من السلاح النووي.
بالطبع كان لابد للجماهير المحتشدة فى "براغ " أن تصفق له ومن الطبيعي أيضا أن يصفق له كل شعوب العالم ، ولكن السؤال هو كيف سيتحقق ذلك ؟ ولماذا الآن ؟ ولمن يوجه اوباما تلك الرسالة ؟
فأما كيف ؟ فهذا ما لانعرفه ..هل ستتنازل أمريكا ولو جزئيا عن ما تملكه من ترسانات نووية وهى التى تعتبر اكبر قوة نووية فى العالم بما تملكه من رؤوس نووية تقدر بحوالي 15 ألف رأس نووي والأولىمن حيث الصواريخ الإستراتيجية العابرة للقارات والتي تصل إلى ألف صاروخ، والأولى منحيث عدد الغواصات النووية، حوالي 700 غواصة، والأولى من حيث عدد القاذفاتالإستراتيجية البعيدة المدى حوالي 500 قاذفة، وهي تملك برنامج حرب النجوم الذي يوفرلها حماية من أي هجوم نووي من الخارج ؟ .
أم الهدف من هذا التصريح هو تعديل مسار أمريكا من سياسة عسكرة السياسة الخارجية التى كانت فى عهد بوش الى سياسة مهادنة فى عهد اوباما من اجل التصدي للازمة المالية التى تعصف بها عن طريق خفض الإنفاق العسكري الذى يقدر بحوالي 265 مليار دولار- 950 مليار دولار مستفيدة من نسبة التخفيض والتي تقدر بنحو 25% من هذه المبالغ فى إعادة هيكلة اقتصادها وحل مشكلاتها الداخلية ، وعلى هذا الأساس على العالم كله ان يوقف سباق التسلح حتى تلتقط أمريكا أنفاسها ويعطى الثقة لرواد البيت الأبيض الجدد خلال فترة حكم اوباما الذى جاء خصيصا لتحسين صورة أمريكا التى شوهها بوش وأعوانه ، فأوباما جاء فى فترة زمنية حرجة كمنقذ لإمبراطورية على وشك الانهيار ، وليس لديه اى استعداد للدخول فى حروب استباقية أخرى ؟
أم الهدف من هذا التصريح هو تعديل مسار أمريكا من سياسة عسكرة السياسة الخارجية التى كانت فى عهد بوش الى سياسة مهادنة فى عهد اوباما من اجل التصدي للازمة المالية التى تعصف بها عن طريق خفض الإنفاق العسكري الذى يقدر بحوالي 265 مليار دولار- 950 مليار دولار مستفيدة من نسبة التخفيض والتي تقدر بنحو 25% من هذه المبالغ فى إعادة هيكلة اقتصادها وحل مشكلاتها الداخلية ، وعلى هذا الأساس على العالم كله ان يوقف سباق التسلح حتى تلتقط أمريكا أنفاسها ويعطى الثقة لرواد البيت الأبيض الجدد خلال فترة حكم اوباما الذى جاء خصيصا لتحسين صورة أمريكا التى شوهها بوش وأعوانه ، فأوباما جاء فى فترة زمنية حرجة كمنقذ لإمبراطورية على وشك الانهيار ، وليس لديه اى استعداد للدخول فى حروب استباقية أخرى ؟
إذن يعتبر هذا التصريح ليس نابعا من مصدر قوة ولا حبا فى نشر السلام فى أصقاع الأرض كما يتصور البعض بل هى سياسة أمريكية لمهادنة دول العالم التى تتربص بأمريكا وبنظامها الرأسمالي الذى ادخل العالم فى حروب وصراعات لا حصر لها وزاد عدد الفقراء والعاطلين عن العمل وتنتظر سقوطها وانهيارها كما سبق وانهار الاتحاد السوفيتي ونظامه الشيوعي من قبل ، ولولا الأزمة المالية الحالية التى تمر بها أمريكا ودول العالم التى ربطت اقتصادها بالاقتصاد الامريكى ما كنا لنسمع تلك التصريحات بل أننا نجزم انه لولا ما تتعرض له أمريكا من انتقادات وتشويه سمعتها فى الداخل والخارج ما كان اوباما اليوم فى سدة الحكم كوجه جديد يبشر العالم بقيم السلام والأمن والعدالة والآن على العالم ان يصدق ان الطبيعة الدموية يمكن لها ان تتحول الى طبيعة آخري تشبه طبيعة الملائكة، وان القوى الغاشمة يمكن لها ان تصبح بين ليلة وضحاها الى ضمير يقظ يراجع سياساته ويعمل على تصحيح أخطائه !!!
فكيف لنا نحن العرب والمسلمين الذين كانوا وقودا لحروب أمريكا ودمويتها وحقل تجاربها ان نلدغ من الجحر مرات ومرات وننقاد ال
ى تصديق الذئاب حين تتكلم باسم السلام خاصة حينما نكون على ثقة تامة من ان تلك الذئاب تتخفى وراء صورة اوباما وهى من تخطط وترسم استراتيجيات أمريكا التى تقوم على الهيمنة والسيطرة والانفراد بتوجيه سياسة العالم ؟
ى تصديق الذئاب حين تتكلم باسم السلام خاصة حينما نكون على ثقة تامة من ان تلك الذئاب تتخفى وراء صورة اوباما وهى من تخطط وترسم استراتيجيات أمريكا التى تقوم على الهيمنة والسيطرة والانفراد بتوجيه سياسة العالم ؟
ان تلك التصريحات التى تطالب العالم بالتوقف عن امتلاك الأسلحة التى امتلكتها أمريكا وربيبتها إسرائيل بل واستخدمتها بصورة وحشية وارتكبت بها ومن خلالها ما ارتكبت من مجازر وجرائم حرب أبادت الملايين خاصة فى فلسطين والعراق وأفغانستان .. تلك التصريحات ماهى الا تعبير صريح عن سياسة جديدة يتبعها اوباما لمهادنة العالم ودعوة صريحة لإعلان استعداد أمريكا لعقد هدنة غير مكتوبة نصيا بين أمريكا وأعدائها خاصة كوريا الشمالية ، وإيران ، ودول أخرى تضررت من السياسة الأمريكية ولديها الاستعداد لاستغلال مرحلة الضعف والانهيار الاقتصادي الذى أصاب أمريكا لتصفية الحسابات القديمة مع من أذاق شعوبها الهوان والذل والأخذ بالثأر منها ومن ربيبتها إسرائيل .
لهذا تلك الدعوة الاوبامية لن تلق استجابة على كل المستويات سواء فى طهران أو فى بيونج يانج ولا حتى على مستوى تنظيم القاعدة لان الدين الذى يجب ان تدفعه أمريكا وإسرائيل كبيرا جدا ، ومهما وضع اوباما من أقنعة مجملة كى يقنع تلك العناصر المارقة حسب توصيف العهد البوشى لن يستطيع محو الآثار التى خلفتها سياسة من سبقوه ، فهاهى كوريا الشمالية تتحدى أمريكا وتطلق صاروخها بعيد المدى وربما فى السنوات اللاحقة نسمع عن بيع تلك الصواريخ الى دول تعد عدتها للثأر من أمريكا وربيبتها إسرائيل ، إذن رسالة اوباما وصلت ولكنها لن تلق اى استجابة من قبل أعداء أمريكا ، ولن تستطيع تلك التصريحات محو أثار العدوان الامريكى على دول وشعوب ذاقت الأمرين من عهد دموي سابق لعهد اوباما .
2 – تصريح آخر لاوباما يوجه من خلاله رسالة الى العالم الاسلامى ويبشر بعلاقة مع العالم الاسلامى أساسها الشراكة والاحترام المتبادل انطلقت من تركيا الحليف القوى لأمريكا فى حلف الناتو ، واختياره لتركيا كمنطلق لرسالته جاء على خلاف ماكان بوش يفعل ..فبوش كان دوما يوجه رسائل التهديد والوعيد للعرب والمسلمين من فوق المنابروالاراضى العربية والإسلامية التى كانت أهدافا لزيارته أو فى بعض الأحيان من فوق ارض فلسطين المحتلة والمسماة اليوم زورا دولة إسرائيل امعانا فى إذلال العرب والمسلمين وطوال عهده لم يستطع فى مرة من المرات إطلاق وعيده وتهديده من تركيا التى لم ينس يوما رفض برلمانها عبور القوات الأمريكية من فوق أراضيها الى العراق إبان فترة الغزو عام 2003م على أراضيه ، اما اوباما فأختار تركيا كنقطة انطلاق لدعوته رغبة منه فى التأكيد على احترامه للدول التى تحترم رغبات شعوبها وتمارس الديمقراطية بصورة هى اقرب لصورة ديمقراطية الغرب وفى هذا أيضا رسالة الى النظم الشمولية والديكتاتورية المنتشرة فى عالمنا العربي بان " قد ولى زمانكم ومضى " وان المرحلة القادمة ليست لمهادنة الأنظمة التى تقمع شعوبها بل لمهادنة الشعوب ومحاولة استرضائها بازدراء حكامها ورفع كل غطاء عنهم كانوا يتسترون تحته فى عهد بوش حامى حمى تلك الأنظمة الاستبدادية ،والقمعية ..وأما انحناءة اوباما أمام الملك عبد الله عاهل السعودية والتى أثارت ضجة في الإعلام ألأمريكي أثناء قمة العشرين في لندن فلها دلالتها ايضا وهى أن السعودية لها استثناء خاص ليس لأنها دولة لها دور وثقل سياسي فى حل مشكلة الشرق الأوسط ، وليست احتراما للإسلام كما فهما الشعب الامريكى ولا احتراما لشخص الملك عبد الله كما روج البعض بل لدورها الكبير وثقلها المالي فى دعم الاقتصاد الامريكى وبسبب حجم الاستثمارات السعودية فى الأسواق المالية الأمريكية التى أكدها خبراء فى الاقتصاد بأنها تقدر ب : 200 مليار ريال استثمارات بنكية سعودية فيالخارج منها 73.2 مليارا معرضة للخطر.. ونظرا لان اوباما يعلم جيدا طبيعة الشخصية العربية التى تتباهى بانحناء الآخرين لها وتفسر هذا الانحناء على انه تقدير لذاتهم ، وان تلك الشخصية على استعداد لبذل الغالي والنفيس من اجل الحصول على انحناءة مثل تلك التى بدرت من رئيس اكبر دولة فى العالم ، فقد قدمها اوباما طواعية كعربون محبة لعاهل السعودية وكرسالة خاصة له بأنك خارج كل التصفيات ومرحلة التغيير التى ستطرأ على الساحة العربية على ان تقدم كل ما لديك من أموال لإنقاذ اقتصاد أمريكا من المخاطر التى تحيط به .. رسالة مقروءة ومفهومة .. فاوباما لم ينحن إلا للمال السعودي الذى تضعه أمريكا والغرب فى حساباتها ووجود العاهل السعودي فى قمة العشرين وهو الحاكم العربي الوحيد الذى حضر تلك القمة لهو اكبر دليل على ذلك ..إنها سياسة المهادنة التى تعتبر من أهم ضرورات المرحلة فى عهد اوباما .
* اوياما يهادن الأعداء ..ويهادن الشعوب الغاضبة الثائرة .. ويهادن كل من له ثأر مع أمريكا وينحني للمال الذى يمكنه من إنقاذ أمريكا من السقوط المدوي ، ويدعو لسحب جنوده من العراق إنقاذا للخزينة الأمريكية ، ويتمسك بوجود مشترك مع حلف الناتو فى أفغانستان ، كل هذا يصب فى خانة واحدة ألا وهى مصلحة أمريكا وليس حبا فى العرب والمسلمين ..تلك المصلحة التى تفرض على اوباما ان
يقوم بدور الداعية للحب والسلام والوئام فى زمن الضعف الامريكى ..فما هى رسالة العرب والمسلمين ردا على رسائل اوباما ؟ هل نرد عليه بالمصافحة ونركن إلى وعوده ونستبشر خيرا من عهده ؟ أم نستثمر هذا الضعف الذى منيت به أمريكا ونستجمع قوانا وإرادتنا وقوتنا ونعد العدة لما بعد اوباما ؟
يقوم بدور الداعية للحب والسلام والوئام فى زمن الضعف الامريكى ..فما هى رسالة العرب والمسلمين ردا على رسائل اوباما ؟ هل نرد عليه بالمصافحة ونركن إلى وعوده ونستبشر خيرا من عهده ؟ أم نستثمر هذا الضعف الذى منيت به أمريكا ونستجمع قوانا وإرادتنا وقوتنا ونعد العدة لما بعد اوباما ؟
وفاء إسماعيل
.