سيرة البحر (5) *

 

 

صلاح أبو لاوي

بين ظلي وبيني
 
أوَّلُ الميتينَ أنا
 
آخِرُ الميتينَ أنا
 
بين ظلـّي وبيني
 
سماء ٌ
 
رمال ٌ
 
أغان ٍ
 
طفولةُ عُرْس ٍ مضى موهَنا
 
 
 
بين ظلي وبيني
 
قوافل ُ حمراءُ من شَهَقات ٍ
 
تخط ّ علامة َنصْر ٍ بأضلاع أطفالنا الشهداءِ
 
على الطائرات ِالتي أدْمَنَتْ قتلنا
 
وتعلـِّمُهمْ
 
كيف يُمْكنُ أنْ يفتحوا للحياةِ مِن الموتِ نافذة ً
 
للعصافير أجنحة ً
 
أنْ يكونوا رسولَ الرصاصِ إلى اللهِ
 
حيث السماءُ لنا
 
ولنا الأنبياءْ
 
 
 
بين ظلي وبيني
 
ذئابٌ تجوب براري دمَيْ
 
كلـّما شبَّ حُلـْمٌ على ضفّةِ الجُرْح ِ
 
هبّتْ لتنْهَشَ مِنْ جوعِها حُلمَنا
 
آه ِ غزة ُ
 
ماذا تبقى لنا
 
حين تمْطِرُنا الطائرات ُ
 
 
 
فتقْطعُ بين الرّجا
 
كفّنا
 
والسّماءْ
 
قيْلَ للموتِ كـُنْ
 
فأقامَ علينا
 
وأوْكلَ ذئبَ عنايتهِ لحْمَنا
 
 
 
أوّلُ الميتين أنا
 
آخرُ الميتين أنا
 
بين ظلي وبيني
 
طيورٌ تُحلـّق ُ صاعدة ً ،
 
رَعَشاتٌ لضوءٍ بعيد ٍ
 
أصابعُ تعلن مملكة ً في الظلام ِ
 
معاولُ تحْفِرُ في صمتها قبرَنا
 
أيّها الصّاعدونَ
 
أعيدوا الحياة إليّ
 
فإنّ دَمَي فرّ مني
 
إلى جهةٍ في الضّباب ِ
 
وبابٍ يقودُ لبابٍ
 
لبابٍ
 
لباب
ِ
 
كأنّ المسافة َ أبعد ُ من طعنةٍ كبـّلتْ خطونا
 
أيها الصاعدون
 
أعدّوا لنا ما استطعتم ْ
 
أهيلوا علينا النجومَ ارجمونا
 
ولا تنظروا خلفكمْ
 
نحْنُ لسنا هنا
 
 
 
بين ظلي وبيني
 
بلاد ٌ
 
حدود ٌ
 
عواصم ُ
 
أقبيَة ٌ لانتزاع ِ الخلاخيل ِ من قدمَيْ فكرة ٍ
 
عَجَنتْها حكاياتُ جدّاتنا بالطفولة ِ
 
وشم ٌ (لخارطةٍ) في أعالي الذراع ِ
 
شباب ٌ
 
وحُلـْم ٌ
 
رضعناه حتى ظننّا بأنّا بلغْنَا بهِ رشدنا
 
بيننا
 
صوتُ أمـّي
 
ارتحال ُ العصافير للذكريات ِ
 
إلى فُسْحَةِ البرتقالِ بيافا
 
وشاطِئِها
 
والمراكب ِ
 
والمُنْشِدِينَ:
 
&quot
; سنرْجعُ يوما ً إلى حَيّنا "*
 
كيف أخْبرُ أمّي التي رَحَلتْ والنوارسُ في صوتِها
 
أنّ بيتا بَنَتـْهُ بحبّاتِ لؤلؤها
 
لمْ يَعُدْ بيتنا
 
 
 
بين ظلي وبيني
 
أبي
 
وهو ما زال في قبرهِ واقفا ً
 
في انتظار البِشارة ِ
 
كيف أعود إليه وأقرأ فاتحةً لمْ تعدْ فتحنا
 
هلْ أقول هُزمنا
 
أقول انتصرنا
 
أقول له النيل ضاع َ
 
وضاع الفرات ُ
 
وصارتْ (نواكِشْط ُ)في آخر الحُلـْم ِ
 
للقابعين َعلى روحِنا سَكـَنا
 
كيف أقرأ فاتحة ً كذِبا ً
 
والشواهدُ من حولهِ كتَبَتْ إثـْمَنا
 
كيف أخْبِرُه أننا حين نمشي
 
– إذا ما مشينا –
 
نسيرُ إلى ضدّنا
 
 
 
 
 
أولُ الميتينَ أنا
 
آخرُ الميتينَ أنا
 
بين ظلي وبيني
 
سؤال ٌ
 
وعاصفة ٌ قلعَتْ في الطريقِ خياما ً
 
سلام ٌ علينا
 
وإنّ السّلامَ انتظارُ وصولِ الرصاصةِ قلبَ المفاوض ِ
 
مِنْ تحتِ طاولةِ الحُكَمَاءْ
 
سلامٌ علينا
 
وإنّ السّلامَ بروقٌ تُعِدّ مخالبها لاقتناصِ الأجنةِ من رَحِمِ الإشتهاءْ
 
سلام علينا
 
وإنّ السّلامَ التفافٌ على ما تقولُ النوارسُ للبحر ِ كلَ مساءْ
 
وهوَ حينَ يكونُ فَمَا ً واحدا ً
 
مَقعَدا ً واحدا ً
 
فهوَ مَدْرَسَة ٌ في تَعلـُّم ِ أنْسنَةِ الانحناء ْ
 
سلامٌ علينا
 
نموتُ ونحيا
 
ونجهلُ هلْ نحن نحن ُ
 
وهلْ خانت الأرضُ حتى نصيرَ على رَمْلِها غيرَنا
 
أيها الصّاعدونَ
 
اقرؤوا سورة الفَتْح ِ
 
لا تنظروا خلفكم ْ
 
نحنُ لسنا هنا
 
نحنُ لسنا هنا
 
                 
 
·       نُشِرت الأجزاء الثلاثة الأولى من سيرة البحر في مجموعتي الثانية ( الغيم يرسم سيرتي) .وعلى صفحات وطن .
 
 
 
·       الجزء الرابع من السيرة لم ينشر بعد .
 
 
 
·       "سنرجع يوما إلى حينا" مقطع من قصيدة للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد .
 
 
 
* حازت هذه القصيدة على المرتبة الأولى بمسابقة موقع الحكايا الأدبي .
Exit mobile version