محمد أبو علان
تصريح رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتماعه مع المبعوث الأمريكي "جورج ميتشل" والقائل:"إسرائيل تتوقع من الفلسطينيين أن يعترفوا قبل كل شيء بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي قبل أن نبدأ بالحديث عن حل الدولتين"، تناقلته وسائل الإعلام العربية والمحلية، وتوقف عنده بعض الكُتاب والمحللين بشيء من الاهتمام وكأنه أمر مستجد في الحياة السياسية لدولة الاحتلال، فيهودية الدولة العبرية أمر يحتل سلم أولويات كافة الأحزاب اليهودية فيها حتى تلك التي تدعي الإيمان والعمل من أجل حل الدولتين، وعلى رأس هؤلاء حزب "كديما"، والكل منا يذكر تصريحات "تسيبي لفني" وزير خارجية دولة الاحتلال في حكومة "أولمرت" السابقة في هذا السياق بقولها قبيل الانتخابات الأخيرة "إن إقامة الدولة الفلسطينية لن تكون الحل القومي فقط للعرب في غزة والضفة الغربية،وليس فقط للاجئين الفلسطينيين، بل أيضا لفلسطينيي 48".
وهذا التصريح "لنتياهو"، وما سبقه قبل شهور من تصريحات "لفني" كرسته الحكومة الإسرائيلية الحالية كأحد الخطوط العريضة لسياستها العامة، فالبند السادس من اتفاقية الائتلاف للحكومة الحالية تنص على "إن الحكومة ستعمل على صيانة الطابع اليهودي للدولة وتراث الشعب اليهودي"، ولكن الجديد في هذا الأمر هو تحديد موضوع يهودية الدولة كشرط للتفاوض مع الفلسطينيين.
بكلمات أخرى لا مجال لحل تفاوضي مع الاحتلال وحكومته من أجل حل سياسي مقبول، وخاصة أن "نتياهو" وحكومته يسعون لما يعرف بالسلام الاقتصادي وليس السياسي مع الشعب الفلسطيني، وهذا ما عبر عنه وزير داخليته "إيلي يشاي" عن "حزب شاس" المتدين قوله: "أن حل القضيةالفلسطينية لن يكون من خلال دولتين لشعبين وإنما من خلال إقامة اقتصادينلشعبين".
فالصلافة والوقاحة الإسرائيلية تجاه كل ما يطرح من مشاريع حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي باتت بلا حدود، فهم يريدون منا الاعتراف بيهودية دولتهم قبل كل شيء مما يعني إقرارنا وموافقتنا المباشرة على اقتلاع ما يقارب المليون والثلاثمائة فلسطيني جذورهم تضرب في أعماق الأرض الفلسطينية في حيفا ويافا وعكا وصفد وشتى القرى والمدن الفلسطينية في المناطق المحتلة في العام 1948، جذور ضاربة في الأرض قبل وصول المستوطنين اليهود أمثال ليبرمان وشامير وشارون، وقبل مولد "نتنياهو" و"براك" لأسر يهودية هاجرت للاستيطان في فلسطين، ويريدون منا أن نقبل بالمستوطنات والجدار كأمر واقع وكجزء من دولة الاحتلال، وننسى شيء أسمه حق العودة، وليس من حقنا المطالبة بتحرير أسرارنا، والتصرف بمياهنا ومعابرنا وأجوائنا.
يريدون منا أن نكون شعب مسلوب الإرادة والحق في تقرير المصير قبل الدخول في أية مفاوضات، بمعنى حسم نتيجة المفاوضات بشكل مسبق، كل ذلك تحت حججهم الأمنية الواهنة التي سلبوا الأرض وقتلوا البشر وقطعوا الشجر من أجلها، وهذا كان واضحاً وجلياً في حديث "نتنياهو" للمبعوث الأمريكي عندما قال:" أن إسرائيل غير معنية بالسيطرة على الفلسطينيين، ولكنها عليها أن تضمن أن لا تقود العملية السياسية إلى "حماستان2 أخرى في القدس"، مما يعني أن كل ما تقوم به دولة الاحتلال مباح وله ما يبرره وفق العقيدة الإسرائيلية.
إن استمر الواقع التفاوضي مع الاحتلال الإسرائيلي على النسق الذي هو عليه الآن سيزيد من وقاحة القيادة السياسية في إسرائيل أكثر فأكثر، وحينها لن نستغرب أن كان طلب "نتنياهو" في الزيارة القادمة للمبعوث الأمريكي بأن يكون على الفلسطينيين الالتزام بالنشيد الوطني الإسرائيلي "هتكفا" في مدارسهم واحتفالاتهم الرسمية كشرط مسبق لأية مفاوضات قادمة، وكجزء من محاربة "الإرهاب" وفق فهمهم.
بالتالي إن كانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد اشترطت على حكومة دولة الاحتلال وقف الاستيطان والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة وحل الدولتين لاستئناف المفاوضات، عليها اليوم أن تضيف شرط رابع وغير خاضع للتفاوض وهو لا اعتراف فلسطيني بيهودية دولة الاحتلال مهما طال الزمان، وإضافة هذا الشرط للمبادرة العربية للسلام أمر يجب أن تعمل السلطة الوطنية من أجله إن قدر لهذه المبادرة أن ترى النور في أي يوم من الأيام كأساس لحل سياسي ممكن في المنطقة، مع عدم الإيمان الشخصي بهذا الأمر.
moh_abuallan@hotmail.com