أرشيف - غير مصنف

عـــودة الرجــال

د. محمد احمد النابلسي

رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية
لسنا في وارد تقديم إستشارات مجانية لإدارة اوباما ولسنا في وارد تلقي تهمة معاداة المرأة بعد تهمة معاداة السامية التي تلقيناها بفخر عقب اصدار كتابنا "النفس المغلولة – سيكولوجية السياسة الاسرائيلية". فالمسألة أننا نسوق ملاحظات قد تعيننا وتعين غيرنا على الإستقراء.
بداية فانه من غير المفهوم لجوء الولايات المتحدة لإتحاف دول المنطقة بالسفيرات سواء في باكستان او مصر او لبنان. فهل هو جهل بطابع المنطقة الذكوري ام انه مقصود بسبب تلطف المجتمع الذكوري مع النساء؟.
الأهم ان السفيرات أكثر جرأة وتجروءاً من السفراء وهن أكثر وقاحة في التدخل بالشؤون الداخلية وتجاوز كل الأعراف الدبلوماسية ولغاية الإسفاف.
حيث حملت لنا الصحافة الاميركية جملة معلومات منها تعزيز التعاون الاستخباري الغربي الاسرائيلي في لبنان بحيث بات من الممكن التحكم بتحركات حزب الله. ولا نجد في المجال متسعاً لمناقشة مفهوم السـيادة لأنه وضعي اميركي في ظل الحالة اللبنانية الراهنة. لذلك ننتقل الى مصر التي وصلتها معلومات استخبارية اسرائيلية غربية حول خلية حزب الله في مصر. وهذه المعلومات لا تعطى عادة للحفظ بل هي أمر عمليات في أصعب الظروف التي تمر بها مصر. خاصة وانها سبقت مباشرة قيام إسرائيل بعدوان غزة الأخير. ورأينا مقدار الضرر السياسي الذي تحملته مصر بسبب هذا العدوان.
في هذا الموضوع يمكنني الاكتفاء بهذه الإشارة كون الموضوع اكثر تعقيداً وربما لا نستوعبه إلا لو شرحه لنا احد طليقي اللسان المقربين من احدى السفيرات الاميركيات. لكننا لا نستطيع تجاهل رمزية رسالة موقعة وجهتها السفيرة الاميركية في القاهرة الى المهندس أمين أباظة وزير الزراعة تحتج فيها ،أو هي علي الأقل أبدت دهشتها أو انزعاجها، من إعفاء رئيس الإدارة المركزية للحجر البيطري يوسف ممدوح شلبي من منصبه رغم أنه لم يصدر قرار بذلك. بما يطرح السؤال عن تدخل السفيرة في شأن داخلي تفصيلي بهذا المستوى سواء صدر القرار أم لم يصدر؟!. والسؤال هو بوضوح ما هو دخل السفيرة بشأن داخلي كهذا وبأية صفة؟!. ام ان السفيرات يلعبن دور ولاة الأمور في الدول التي يتواجدن فيها؟. وهل يمتد مجال إهتمام السفيرة لغاية الوظائف الزراعية؟. أم ان هنالك صداقة شخصية بينها وبين الموظف المعني؟. أم انه حاصل على الجنسية الأميركية ليكون بالتالي من رعايا السفيرة؟. وهي تدافع عنه من هذا المنطلق؟!. أم أن هناك أسباباً أخرى غير تلك لا نعرفها؟!.
من جهته دافع الدكتور حامد سماحة رئيس هيئة الخدمات البيطرية بوزارة الزراعة عن السفيرة وقال إن خطابها لا يعني التدخل في شئون وزارة الزراعة ولكنه تعاطف مع رئيس الحجر البيطري!!. ولكن لماذا هذا الرجل بالذات؟. وهل يمكن أن تكرر السفيرة تصرفها إذا تم إعفاء مسئول في وزارة أخري غير وزارة الزراعة؟!. كما ان الاعراب عن التعاطف لايتم برسالة رسمية موقعة بل ربما بالاتصال تليفونياً بالوزير رغم أن هذا أيضاً غير جائز. خاصة أنه سبق أن كانت لها تصريحات غير مقبولة حول مصر قبل أن تتسلم مهام منصبها.. لكنها عندما تسلمت منصبها أبدت ما يشبه الاعتذار وأعلنت أنها لا يمكن أن تتدخل في شئون مصر الداخلية. ولكن يبدو أنها عادت الى سيرتها الأولى!!.
مراقبة السفيرات الاميركيات في المنطقة ،وخاصة في بيروت والقاهرة، تبين أنهن يعتقدن بأن لهن وضعاً خاصاً يفوق وضع أي سفير آخر. ويبدين وكأنهن ما زلن يعشن زمن الإستعمار السابق للحرب العالمية فيتقمصن دور المندوب السامي البريطاني أو الفرنسي بحسب البلد اللائي يتواجدن فيه.
وضعنا في لبنـان مختلف كالعادة فالسفيرة الاميركية سيسون تأتي لترث ملفات سابقها فيلتمان وهي مهما فعلت فلن تبلغ مقدار وقاحة تدخل فيلتمان في شؤننا اللبنانية. وهذا ما يبرر وصف سيسون بالمهضومة والضاحكة دائماً. وقاحة فيلتمان لمن نسيها هي التي حددت لنا موعد انتخابات 2005 في ظل زلزال وطني كان يستأهل التفكر والتأمل. والوقاحة ذاتها انتجت برلمان منوبي 2005 وبالمفعول الرجعي هي التي ستجعلهم نواباً سابقين. كما وصلت وقاحة فيلتمان حدود التدخل في كل المناقلات اللبنانية من قضاة وضباط وسفراء وغيرها. وأكثر منها قيادة ثورة لبنانية عربية داخلية ضد سوريا. وها هو فيلتمان يزور سوريا مفاوضاً متودداً بعد ان قاد ورطتنا مع سوريا وبذر الفرقة معها. وهذا بعض مما جناه علينا فيلتمان ولم نجني على أحد. دون ان يعني ذلك السماح باستمرار تدخلات السفيرة الضاحكة في شؤوننا.
مهما يكن فقد آن الأوان لنرى في لبنان عودة الرجال الرجال واختفاء صيصان فيلتمان – رايس. فنحن ننتظر عودة ذلك الرجل الذي أجبر كافة السفراء الاجانب على تنفيذ القانون اللبناني بطلب الاذن من رئاسة مجلس الوزراء قبل الإدلاء بتصريحات تخص الداخل اللبناني. هل تذكرون ذلك الرجل أم نسيتموه في غمرة وعود المال السياسي العارم؟…..
 
 

زر الذهاب إلى الأعلى