موسى أبو كرش
ثمة ما يدعو للقلق والغضب في آن من حجم السهام التي تتعرض لها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" الأونروا "ومديرها العام السيد / جون جينغ, وللأسف – فإن هذه السهام والانتقادات لا تأتي من الجانب الإسرائيلي, الذي لم يخف يوماً انزعاجه من الأونروا وقضية وجودها وأهدافها وبرامجها, وعمل غير مرة – على إفشالها وتصفيتها, وإنما من أطراف فلسطينية صاحبة مصلحة حقيقية وضرورية في بقائها, واستمرار عملها لحين استنفاذ الغرض الذي أقيمت من أجله.
فالجانب الإسرائيلي الذي صوب- وبحقد مدروس- نيران دباباته وصواريخه على مؤسسات وكالة الغوث وموظفيها إبان عدوانه الآثم على غزة خلال شهري كانون الماضيين, وارتكب أعمال قتل وجرائم يندى لها الجبين الإنساني, وجد في الانتخابات التي أجراها العاملون في الوكالة ضالته ,فاتهم بعض موظفيها ب " التسييس" كرد أولي على التقارير الدقيقة والصريحة التي رفعتها الوكالة حول حجم جرائمه في غزة وكرد عقابي على جملة التصريحات المنددة بهّذه الجرائم بما فيها تصريحات جون جينغ نفسه.. فطلبت لها الصحف الإسرائيلية, ونفخت في كيرها وزمرت الصحف الأمريكية, وتناغمت معها دون وعي تصريحات فلسطينية, تغنت بانجازات دينكو تشيه وبطولات حققنها في هذه الانتخابات, ما أدى إلى إثارة ضجة سياسية لدى المانحين, بدأت بالتحقيق, ولم تنته بفصل العديد من الموظفين, والحبل لا يزال على الجرار.
فإذا كنا نفهم طبيعة الحقد الإسرائيلي على هذه الوكالة, من ابن غوريون وحتى البيبي بن نتنياهو, وليس انتهاء بالعجوز شمعون بيرس , فإننا لا يمكن ان نفهم أو نتفهم – بأية حال – السهام والانتقادات التي توجه لها من أطراف فلسطينية .
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أيها السادة جاء قرار إنشائها بنص صريح وواضح في ملحق القرار الاممي الشهير رقم "194" الذي ينصّ صراحة على حق لاجئي شعبنا في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها في العام 1948وذلك كمؤسسة دولية تطلع بمهام إنسانية محضة, تتلخص في تقديم الرعاية الصحية والتعليمية الإغاثية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم إلى ديارهم , ولا يقتصر عملها على القطاع المنكوب المحاصر, وإنما يشمل الأراضي الفلسطينية في الضفة, وكافة الدول التي تحتضن لاجئينا في الأردن وسوريا ولبنان, ولن أكون مبالغا إذا ما قلت أن الوكالة باستمرار عملها قدمت خدمات جليلة لشعبنا وفي المقدمة منها المحافظة على هويتهم اللاجئة من محاولات التوطين والتصفية , وان طلابنا وتلاميذنا الصغار عرفوا أنهم لاجئون بفضلها وهم يتهجون يافطاتها المطلة على واجهات مدارسهم, قبل أن يتعلموا كتابة أسمائهم ,وباتوا يتذكرون قراهم ومدنهم التي هجّر آباؤهم منها بفضل هذه المدارس, لا بفضل وسائل إعلامنا التي انشغلت بقضايا هامشية, وساهمت في تكريس واقع الانفصال بين شطري الوطن..
وإذا كان لدينا من عتب علي الوكالة فإن هذا العتب ينصب علي عدم رؤية طلابنا ومعلمينا لعلمهم يرفرف علي سواري مدارسهم .. هذا العلم الذي ظل يرفرف" على مدى أجيال في عهد الإدارة المصرية و على زمن السلطة الفلسطينية القريب .. فما الذي استجد حتى تُزاح
ًَ أعلامنا على هذه السواري وتحل محلها راية الأمم المتحدة الوحيدة؟ إننا نظر بحزن إلى هذه القضية ونتمنى أن يعود علمنا الفلسطيني يرفرف إلى جانب علم الأمم المتحدة فوق هذه المدارس.. في الوقت الذي نقر فيه بحق الوكالة ممارسة عملها الإنساني دون تدخل من أية جهة كانت, أما للأصوات التي علت عقائرها مؤخرا في انتقاد بعض البرامج التي تقدمها الوكالة وفي المقدمة برنامج التعليم فإننا ننظر بعدم ارتياح إلى هذه الأصوات ,ففي الوقت الذي يجب أن تكافئ فيه الوكالة و طواقمها التعليمية على هذه البرامج وفي المقدمة منها برامج التقوية.نجد هناك من يلوم الوكالة على اعترافها الصريح بضعف مستوى طلابنا ونتساءل ونسأل أنفسنا قبل أن نسأل الآخرين.. ألم نقر نحن ذاتنا بضعف طلابنا في زمن الانتفاضة الأولى و الثانية ولعلعت أقلامنا تحذر من هذه الظاهرة وخطورتها على أجيالنا ومستقبل العملية التعليمية في بلادنا.. فلماذا يعلو صراخنا في الوقت الذي تقر فيه الوكالة بهذا الضعف وتقدم الدعم اللازم والمطلوب لتقوية طلابنا في مادتي اللغة العربية والرياضيات؟؟ وأخيرا أليس المنهاج الذي يدرّس في مدارس وكالة الغوث فلسطينيا, والمدرسون والمدراء والموجهون الذين يطّلعون بهذه المهمة التعليمية فلسطينيون أيضاً؟ أليست العملية التعليمية بأيدينا خططا وبرامج ومناهج وإدارة وتوجيه؟ فلماذا نقيم الدنيا ولا نقعدها إذا ما أقامت وكالة الغوث حفلا لتكريم الطلاب المميزين والمدرسين المبدعين؟ أليس من حق طلابنا أن يحتفلوا بإنجازاتهم ومدرسينا أن يُكرّموا على ما قدموا وما بذلوا من جهد ويدعوا آباءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأبناءهم ليشهدوا هذا التكريم؟؟ وأخيرا أليس من حق تلاميذنا أن يتلقوا البرامج الترفيهية في إجازاتهم الصيفية أسوة بكل طلاب العالم دون ضجيج أو تهويل . ولماذا تصبح هذه البرامج " كِخة" عندما
يدعمها ويرعاها ويتبناها الآخرون.. و"كنجي برنجي" عندما نرعاها بأنفسنا؟! أليس من حق أطفالنا الذين وجدوا أنفسهم في أتون محرقة الدمار والويل والقتل والتشريد أن يرفّهوا عن أنفسهم بعد هذا الفيض من الخبرات الصادمة المقيتة التي تعرضوا لها على يد آلة القتل والدمار الإسرائيلية.
يدعمها ويرعاها ويتبناها الآخرون.. و"كنجي برنجي" عندما نرعاها بأنفسنا؟! أليس من حق أطفالنا الذين وجدوا أنفسهم في أتون محرقة الدمار والويل والقتل والتشريد أن يرفّهوا عن أنفسهم بعد هذا الفيض من الخبرات الصادمة المقيتة التي تعرضوا لها على يد آلة القتل والدمار الإسرائيلية.
آن لنا أن نتروى ونتعقل, ونزن الأمور بميزان العقل, لا ميزان العاطفة والأهواء, وميزان الممكن والمتاح لا ميزان ما نريد وما نشتهى وما نرغب ,وميزان الكل الفلسطيني, لاميزان البعض الفصائلي..وإذا كان لنا من ملاحظات على بعض البرامج والأنشطة فلنناقش المسؤولين عنها بحكمة ورويّة وهدوء, والكل يعلم أن صدور مسؤولي الوكالة على امتداد سني عمرها مفتوحة للبحث والنقاش والنصيحة الصادقة, كما أن أعمالهم تتسم بالشفافية والصدق الذي نتمنى أن يسود أعمالنا قبل أن نراه في أعمال الآخرين.