جولة في مقبرة الغفران

ذ.محمد زمــران
بزيارة قصيرة  بقف المرء على أن  مقبرة الغفران بجماعة الهراويين بالدارالبيضاء تعرف فوضى عارمة لامثيل لها .. أبطالها الفقهاء الذين يمتهنون قراءة القرآن على القبور .. الذين قد تصل بهم قلة الحياء  في كثير من الأحيان إلى التشابك بالأيدي مع بعضهم البعض، والتفوه بالكلام الفاحش على مرأى ومسمع من الزوار، ويحدث هذا في غياب الأمن الذي تفتقر إليه المقبرة، بحيث لاوجود لمن يحمي الوافدين على هذا المرفق من اللصوص الذين يتربصون بالعباد داخل أسواره ، وهذا ما يسهل كذلك ( للفقهاء ) مهمة التسابق من أجل الظفر بزائر يجنون من ورائه بعض الدريهمات، غير مبالين بقبور أموات المسلمين التي يدوسونها بأرجلهم، وقد أنستهم أطماع الدنيا أن الجلوس على القبور ودوسها بالأرجل يعد اهانة لأصحابها واستخفاف بحقوقهم، ما دامت أن هذه القبور بيوتهم وحرمتهم وهم ميتون،  وتجدهم لايعيرون أدنى اهتمام لما جاء في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللـه عنه، أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام قال " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير من أن يجلس على قبر " ولهذا يجب على كل مسلم أن يعمل بنهي رسول اللـه الأعظم، وذلك امتثالا لقول ربنا عز وجل " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه  فانتهوا واتقوا اللـه إن اللـه شديد العقاب ".
وفي خضم هذه المهزلة، لايجد هؤلاء (أشباه) الفقهاء الذين لم يستحيوا  من اللـه، رادعا يعيدهم إلى جادة الصواب، رغم أن الذكر الحكيم الذي يحملونه في صدورهم – إن كانوا حقا يحملون شيئا – لم يثنهم عن القيام بأعمالهم المشينة هذه.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه – والعهدة على الراوي- إلى أن معظم هؤلاء يقومون بما يقومون به وهم في حالة اللاوعي، من جراء ما يتناولونه من مواد مخدرة، ولنا نموذجا حيا في فقيه مدينة سيدي قاسم الذي اعتقل مؤخرا بعدما كان قد احتجز أسرته الصغيرة لمدة 22 عاما في بيت الزوجية، دون السماح لأفرادها بمغادرته، وذكر أن هذا الفقيه (السفيه ) الذي كان يقضي يومه في قراءة القرآن على القبور، والذي كان يصرف ما يتحصل عليه مقابل ذلك في إقامة  جلسات خمرية، ولايعود إلى البيت إلا آخر كل ليلة وهو ثمل رفقة صديق له، الذي سهل له هذا الوضع الطريق ليمارس شذوذه الجنسي على إحدى بنات الفقيه إلى أن نتج عن ذلك حمل غير شرعي، ولما افتضح أمر الجميع، اقتضى ذلك تدخل السلطات التي فتحت تحقيقا في هذه القضية الغريبة، وأحالت المتهمين على العدالة لتقول فيهما كلمة الفصل، فأي نوع هذا من الفقهاء الذي يقسو على فلدات كبده، ويبيع شرف ابنته (القاصر) لصديقه السكير مقابل عشرة دراهم ليعاشرها معاشرة الأزواج طيلة سنة دون حق مشروع ..؟ في الحقيقة موقف كهذا يدعو الإنسان السوي إلى قول وللـه في خلقه شؤون.

ودائما في رحاب نفس المقبرة، أكد شاهد عيان ( خطيب مسجد مقبرة الغفران ) بينما هو داخل المقبرة .. إذ يفاجىء بجنازة رجل يرافقها مصور بآلة الفيديو، يوثق مسيرة الموكب الجنائزي .. ويصور لحظات الدفن بطريقة مبالغ فيها، وعندما توجه ( الخطيب ) إلى ابن الهالك، مستفسرا عن سر هذا التقليد الغريب عنا، كان جواب الابن  " إن ذلك من باب حفظ ذكرى والده ".
السؤال الذي يفرض نفسه في مثل هذا الموقف، هل الأفعال التي لاتمت للإسلام ولا لعاداتنا العريقة بصلة بإمكانها أن تحفظ ذكرى الموتى ..؟ طبعا لا .. لأن حفظ ذكرى من سبقونا إلى الدار الآخرة من آبائنا وأجدادنا وغيرهم من الأقارب يكون في القلوب .. ويكون بالدعاء لهم بالمغفرة وحسن المآب .. وما العملية التي قام بها هؤلاء إلا للرياء والتباهي والسمعة وانتشار الصيت .. ولاأملك إلا أن أقول اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنا.
من الأكيد أنه من المتعارف عليه أن مقابر المسلمين هي خاصة بهم، ولايدفن فيها غيرهم، ولاتطؤها أبدا أرجل غير المسلمين، ولكن من المضحك المبكي أن نجد بعض الناس تصل بهم الحداثة والتقدم (…) بل  والوقاحة إلى سلك سبل لاعلاقة لنا بها كمسلمين، ولايأمر بها ديننا الحنيف، إذ تجدهم يقلدون الأجانب في كل شيء، وهذا ما يتضح من أفعال بعضهم، الذين سمحت لهم أنفسهم البئيسة  ودن مراعاة لشعور المسلمين بالإقدام على كتابة  اسم أحد الموتى على شاهد القبر باللغة الفرنسية،  مع العلم أن المتوفى مسلم، وأن غير المسلم لايجوز دفنه في مقبرة المسلمين، أمام هذه الواقعة وغيرها مما سلف، يهمنا كثيرا أن نعرف رأي من ينوب عن السيد أحمد التوفيق في المجلس العلمي بالدارالبيضاء ..؟

وكذلك في تحد سافر للآية الكريمة التي يقول فيها جل جلاله " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت " نجد أن معظم المسلمين يتفاخرون في اقتناء بقع أرضية داخل المقابر لتشييد (أجنحة صغيرة) خاصة بدفن أفراد العائلة مجتمعين، الذين في الأصل لاعلم لأحد بأي أرض يتوفاهم الأجل المحتوم،  ناسين أو متناسين أن المتداول بين المسلمين منذ الأزمنة السابقة، أن المقبرة وقفا على جميع أموات المسلمين، بحيث لايجب أن يكون هناك فرق بين الغني والفقير، أو قبيلة وأخرى، أو أي شيء من هذا القبيل .. لأن عكس هذا فيه مفاسد كثيرة من جراء التباهي و التفاخر في البناء، ومن الطرائف أيضا، أن بعضهم ذهب إلى تشييد قاعات الاستقبال داخل ( مقبراتهم الصغيرة ) بأبواب ونوافد مثبتة عليها مزهريات،
مجهزة بكراسي وموائد من الاسمنت، ينظم فيها الأهل والأحباب جلسات يتجاذبون مع بعضهم البعض الأحاديث، حتى قال أحد الظرفاء وهو يسخر من هذا العمل
( وما بقا ليهم غير يديرو لانتيرفون فالباب) وهذا فعلا يعد من المنكرات، ولهذا السبب بالضبط نهى رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم عن البناء على القبور، وقد ثبت ذلك في أحاديث كثيرة منها، عن أبي الهياج الأسدي قال، قال لي علي بن أبي طالب كرم اللـه وجهه " ألا أبعثك على ما بعثني رسول اللـه ( لاتدع تمثالا إلا طمسته وقبرا مشرفا إلا سويته ) وعن جابر قال نهى رسول اللـه أن يجصص القبر وأن يبنى عليه، وهكذا نجد أن هذه الأحاديث تدل دلالة صريحة على تحريم البناء على القبور، لأن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك، ومن المتفق عليه أن البناء على القبور يعد بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها واشتد وعيد رسولنا عليه صلاة اللـه وسلامه لفاعلها، لأن هذه القبور في الأصل ليست محلا للتفاخر ولا مكانا للزخرفة وتخطيط اللوحات وكتابة آيات من القرآن عليها، لأن ذلك ليس من ورائه أي نفع يعود على الميت، اللهم إلا الزيادة في إنفاق الأموال فيما حرم اللـه، بدل إنفاقها في المجال الذي ينتفع به كالصدقة مثلا وأشياء أخرى من شأنها أن تجلب الحسنات لفاعلها.

 

 

 

Exit mobile version