د. ظافر مقدادي
مجلة الفينيق الثقافية/ هيوستن
المشهد الأول
ساقان من شوقٍ ومن تَعب، يصعدُ اليهما الدرج الكهربائي مُتجاوزاً تنورتها القصيرة.. دغدغت بقدميها آخر درجة، وانعطفت الى اليمين مسرعة لتلحق بقطار الأنفاق الأخير قبل أن يُغلق أبوابه بثانية واحدة كعادتها كل ليلة بعد انتهاء العرض المسرحي.
المشهد الأول – إعادة
ساقان من شوقٍ ومن تَعب، يصعدُ اليهما الدرج الكهربائي مُتجاوزاً تنورتها القصيرة.. دغدغت بقدميها آخر درجة، وانعطفت الى اليمين مسرعة علّها تلحق بقطار الأنفاق الأخير، ولكنه للأسف أغلق أبوابه قبل أن تصل بثانية واحدة..
***
المشهد الثاني
جلستْ في عربة القطار بجانب حاسوبٍ محمولٍ في حضن رجل أنيق. لفتت انتباهها مشاهد جميلة على شاشة الحاسوب. تبسم الرجل بوسامة شارحاً لها ماهية البرنامج وأهميته. انجذبت الى حديثه، فلم تتوقع أن فن المسرح قد واكب الطفرة الرقمية، واخذت تستمع الى جليسها باهتمام..
دفعت بقدميها أول درجة، واجتازت باب المحطة، وخرجت الى شوارع المدينة تنتظر سيارة أجرة في هذه الساعة المتأخرة من الليل. اقترب منها رجل شقيّ مُتغزلاً، ولكنها تجاهلته، فاقترب أكثر محاولاً تطويقها بذراعيه، فدفعته عنها بقوة، فوقع لشدة سُكره الى الخلف واصطدمت مؤخرة رأسه بعدّاد أجرة وقوف السيارات.. وأغميَ عليه، أو هكذا بدا الأمر..
***
المشهد الثالث
نسيت نفسها وهي تتابع مع جليسها برنامجه عن مسرحية "إنونا وأفوس"، واعترفت له أن ما تشاهده على الشاشة أجمل بكثير من العرض المسرحي الذي طالما شاركت فيه بدور ثانوي. واعترف لها بأنه سعيد لكونِ جليسته ممثلة مسرح.. تحادثا مطولاً.. وحين حانت لحظة نزولها من العربة تواعدا على اللقاء غداً في الحديقة العمومية أمام مسرح الأوبريت في وسط المدينة.
تجمّع المارة حول الرجل الثمل، وكانت هي غارقة في دموعها بذهول. وعندما وصلت سيارة الاسعاف كان الرجل قد فارق الحياة، فقادتها سيارة الشرطة الى المركز لاعتقالها بتهمة القتل وللتحقيق معها. كانت ليلتها أطول من ليل امرء القيس، ولم يكن صبحها من الليل بأمثلِ..
***
مشاهد متتالية
ما أجمل أمسيات الصيف في هذه الحدائق التي تحتضن مسارح وسط المدينة.. كانا مأخوذين ببعضهما البعض، فقد تفاعلت الكيمياء، وطرق الحب أبواب قلبيهما.. تواعدا والتقيا مرات كثيرة.. ثم تصارحا، فطلب يدها.. وطلبت هي قلبه.
يا لسوء حظها، فقد طال التحقيق، ولم يستطع محامي الدفاع تنزيل الحكم الى بضع سنوات بحجة أنها لم تقصد القتل المتعمد وإنما أرادت الدفاع عن نفسها.. وتواصلت جلسات المحكمة، وهي ما زالت موقوفة في سجن..
***
المشهد الأخير
كان عرساً بسيطاً أنيقاً، وكانت هي أجمل الحاضرين.. لم تكن سعادتها بالعرس وحده، فقد تمنت أن ينقضي بسرعة، لأن ما أسعدها أكثر كان شهر العسل الذي قضياه في ربوع وادي الملوك في مصر لحضور عرض مسرحية "عايدة"..
تغيرت حياتها بالكامل، فقد خسرت كل شيء، وباتت تأمل بأي شيء إلا الموت بحكم الإعدام. ولكن المحامي استطاع تخفيف الحكم الى السجن مدى الحياة.. حياةٌ ستقضيها في ربوع زنزانة..
***
ما الفرق؟ ثانية واحدة.. ثانية واحدة فقط.