أرشيف - غير مصنف
قصة قصيرة – الدهاليز
عبد الرحمن الضاحي
بدأت أشعر أن شيئا ما يتسرب إلى داخلي، أصبح جسدي باردا كبرودة نسمات تلك الليلة.. حاولت الجلوس معتدلا لأبدد ماطرا عليّ من الارتباك لكنني وجدت ذلك صعبا كان أثر الارتطام شديدا مما أفقدني توازني. لم أرى شيئا من حولي سوى أصوات كانت تدب إلى مسامعي لم أعي منها شيئا كأنني في كابوس.. قد أطبق عليّ .
ظلمة.. دهاليز.. أقبية …
جلبة … أصوات… كتعاويذ السحرة !!
أمر مرعب…!
أنا هنا كالغريب … أقول كالغريب، لأني في الواقع لست غريبا إطلاقا الأزقة والجدران ودهاليز البيوت تعرفني الناس أيضا.
لا .. لا.. الناس لا يعرفونني ، الغربة مصدرها المكان مع أن الأمكنة تعرفني .؟!
حاولت مرارا فتح عيني ، أشعر بخوف شديد يتملكني لكنني أستطيع أن أفتحهما وأرى كان الظلام شديدا
الأصوات تتضح إني أسمعها جيدا .تتعالى على مسامعي لم ألفها ،
الجدران تلين ولا تعاند ، دهاليز البيوت تنساق لخطواتي متعرجاتها تقودني إلى الصوت … إلى الغنيمة فأملأ الكيس أملأ…..أملأ .
يرخي الليل سدوله عليّ ، تقودني دهاليز البيت في الاتجاه المعاكس .. تلين الجدران أرمي الكيس ثم أقفز. تتداولني الأزقة زقاقا زقاقا .
وهذا المكان الذي هو مصدر الصوت أجده قريبا مني لانت جدرانه وانساقت دهاليزه وانفتح صوانه ، ودخلت أشيائه الكيس تباعا .ككل مساء.
ومع ذلك أشعر بالغربة والرهبة .
شيء غير مألوف يتسلل إليّ ينساب باردا عبر مساماتي يبعث في رعشة غريبة .؟!
أنفاس المرأة تأتيني منتظمة، في دعة تنام أشياؤها أمامي وبعد قليل ستصبح أشيائي. هذا القرب يجعلني أتساءل ؟!
أن تدع أنفاسا غير مألوفة تتسلل إلى سمعك ومقبول أيضا إذ ليبدو الأمر في غير محله.؟
سأبقى قليلا لأسترد وعي رغم علاقتي بالدهاليز، رغم الألفة التي لي مع الجدران ، رغم هدوء الليل الذي يمنحني الطمأنينة شيء ما يثير قلقي.
أستطيع أن أحدق في الظلام أستطيع أن أخطو خطوة خطوتين ثلاث خطوات ومع ذلك لا أتحرك ، أنفاس المرأة تقول لي خذ الأشياء وأرحل .
ومع ذلك لا أستطيع .
كنت قد اتخذت قراري . لكن أين تكمن الصعوبة الآن . ؟
لست أدري ، كل ما أدريه أن الكيس محشو عن آخره بأشيائها ويربض أمامي ولا أحمله .أنا هنا واقف وهي هناك مستلقية ، لاأراها فقط أسمع أنفاسها لاتراني من المؤكد أنها لا تشعر بوجودي .
ويعود الصوت : لكننا نحن نشعر بوجودك.!!
شيء كالهلوسة من قلب هذا الصمت وفي عز هذا الليل يأتي الصوت، لو كان حقا صوت فلم لا تسمعه هي ؟ نعم لم لا تسمع الصوت .
أحاول أن أشعر بالألفة.
لعل هذه الأنفاس الآتية من نوم عميق هي التي تطرد عني الشعور بالاطمئنان الذي ظل يرافقني .؟ لست أدري ، لماذا أتأهب للرد على الصوت إذا حدث ونطق هذه المرة ، ولست أدري لماذا يعتريني شعور بان الدهاليز لن تقودني هذه المرة إلى الجدار وان الجدار لن يلين لي ولن يقذف بي إلى الزقاق .
لست أدري لماذا أجدني فاقدا بوصلتي فأنا لم أعد أذكر حتى من أين أتيت.
وإذا أردت أن أعود ؟
الليل دافئ أشعر بالبرد ، عينا المرأة مغمضتان دون شك ، الدهليز يخونني أشعر بالدوار أنفاس المرأة منتظمة ، الجدار يبتعد عني أشعر بالضياع بالخوف ، بالكيس الموضوع أمامي يتحداني أن أحمله .
الحقيقة إني لا أعرف عن هذه المرأة شيئا ، أراها من بعيد ، أقرأ في عيون الناس بسمة غامضة وهي تمر ، لعل البسمة غامضة لي أنا وحسب .
ويعود الصوت : نعم لأنك لا تدرك سر تلك البسمة .
أصعق ؛ هاهو الصوت يعود لقد سمعته ، إنه صاف رقراق واضح فصيح ويرد على ما يروج في داخلي .
هل صدر مني قول ؟
لا كلمة.
ما هذا الذي يحدث.؟
سأهرب بغنيمتي قبل أن أجن ، أنحني أحمل الكيس على كتفي أتقدم خطوة خطوتين ثلاث خطوات ثم خطوة فخطوة فأخرى .
أين الجدار ؟
هذه المرة تفقد أنفاسي انتظامها ، نعم أسمعها ماذا أفعل ؟
ويعود الصوت : ألا تدري بعد ما عليك أن تفعله ؟
هاهو الصوت عاد رقراقا صافيا فصيحا ، وهي هناك لا تسمع شيئا ، أريد أن أخرج من هذه الورطة ، لم أعد أبغي غنيمة ، ما لدي يكفيني ويفيض عن حاجتي .
كيف أنجو بنفسي ؟
لماذا لا يرد عليّ الصوت ؟
دقات القلب ، العرق ، الرعشة ، الخوف ، الليل ، الدهليز ، اللاجدار الأنفاس ، الكيس ..!
الصوت ….. أعد الأشياء إلى مكانها .
نعم ، نعم سأعيدها إلى مكانها .
أحاول أن أعثر على هدوئي المفقود عبثا.
أتعثر في حجر أملس ، الآن تذكرت لا لم أتذكر شيئا .
أحشر يدي في الكيس ، أتلمسه أجده فارغا .
أضحك من نفسي وأعيد الصوان.
في الدهليز أركض نحو الجدار أركض أسمع وقع خطواتي أسمع أنفاسي ولا أجد الجدار . الدهليز يدور بي حول نفسه لقد قلت لي أيها الصوت أعد الأشياء الى مكانها ها قد فعلت .
تخرج حشرجة من عمق الحنجرة .
الصوت : ضع يدك على البؤرة الصحيحة فيك .
يا ألهي ها قد فتح باب الألغاز ، لم أفهم ما تعنيه أيها الصوت .
صمت .!
الليل حارسي بدا يتلاشى وأنا أبحث عن الجدار منهك أنا الآن كل ما أحلم به هو لحظة أنعم فيها بنوم هادئ كما المرأة هناك ، حتى تسلق الجدار لم يعد مجديا أذا غاب الظلام يحل ظلامي أنا .
كيف أخرج إذن .
حشرجة خفيفة ، صوت يبسمل ، يحوقل ، يدعو لعله صوت المرأة صوت أندلاق الماء لقد افتضح أمري أنا الذي مررت على الديار كلها أغنم منها ما أريد إنها النهاية دون شك ، ومع ذلك لا أشعر بأي ارتباك .
الهدوء يزحف على كل مساماتي يزرع فيها طمأنينة غريبة ، المكان الذي كان غريبا أصبح الآن أليفا ، الدهليز صديقي في الظلام يقودني نحو الجدار والجدار أمامي وأشعر بالرغبة في تسلقه لا خوفا من أن ينكشف أمري ولكن ، في الواقع لا أدري شيئا عن كنه هذا الشعور الأليف الجديد .
شيء في داخلي يقول إنها تعرف أنك هنا يلفني اللحظة خشوع لا أعيه ، ورهبة ولا شيء من الرهبة فيها ، الجدار أمامي ولا أتسلقه دقات القلب ، الأنفاس نبض العروق إيقاع جديد لم أعد أفكر في الغنيمة لم أعد أفكر في الكيس ولا حتى في ما سيحدث بعد اللحظة .
الليل يتلاشى والفجر ينشر خيوطه الفضية على وجه الصباح والألفة تطبق عليّ ، أحاول أن أرتاح أتقعد الأرض وأتنفس بعمق ، حتى الصوت الذي قض مضجعي قبل لحظة غاب عن ذهني أدخل في أغماضة هذا الهدوء الذي يجل عن الوصف .
العينان الرماديتان تحدقان في الصوت الذي كان يبسمل .
جاء الصوت : عن ترجمان .!!
أأفطرت !
هذا الصوت أسمعه وأرى مصدره إذن سأرد .
لا… يا سيدتي .
تبتسم المرأة وتقول :
Good…… Good ..
How you feel now …?
What do you like to drink?
انتبهت كالواجم !!
لم أفهم