عيد العمال وأزمة الإقتصاد العالمي الراهنة
بقلم : زياد ابوشاويش
قبل نهاية العام الماضي بقليل انفجرت أزمة إقتصادية هي الأكبر والأخطر منذ الكساد العظيم عام 1929 الذي استمر أربعة أعوام وتسبب في المحصلة النهائية باندلاع الحرب العالمية الثانية.
كانت شرارة البدء في ظهور الأزمة على نطاق واسع قضية الرهن العقاري وانكشاف البنوك الكبرى المستثمرة في هذا القطاع، ثم كرت المسبحة لتلحق به قطاعات أخرى من الاستثمار تسببت في انهيار البنوك والمؤسسات المالية الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية وانتقالها إلى أوروبا وباقي الدول الصناعية الكبرى بحكم ارتباطها بالسوق العالمية وبرأسمال تم تدويله ليصبح السلعة الرئيسية المتداولة بين الدول الكبرى ومن ثم بدء انتاج حالة الركود والانكماش كما تحدث عنها كبار المفكرين الاقتصاديين وفي طليعتهم ماركس صاحب مؤلف رأس المال الشهير وكذلك القائد الشيوعي الكبير لينين في تناوله لأزمة الرأسمالية في مرحلة الامبريالية والاحتكار.
اللافت أن الدول التي سعت لضرب التجربة الاشتراكية وحاربت بلا هوادة الفكرة المؤسسة للنظام الاشتراكي لجأت لحلول ذات طابع اشتراكي في معالجتها للأزمة بما في ذلك ملكية الدولة والتأميم تحت إسم شراء الحكومة النسبة الأكبر من أسهم الشركات والبنوك الآيلة للسقوط والإفلاس، ناهيك عن ضح مليارات الدولارات في شرايين البنوك المنهارة والشركات المأزومة.
لقد لاحظنا كيف تداعت الدول الصناعية من أجل الاتفاق على صيغة وآلية مناسبة للخروج من نفق الركود المظلم وما سينتج عنه من كوارث على الصعيد المحلي في كل دولة منها وعلى الصعيد الدولي بانهيار متوقع في التجارة العالمية وارتباك السوق بخلاف اللجوء لكبح حريتها ولجوء الدول لاجراءات الحماية المخالفة للاتفاقية الاقتصادية الدولية ولطبيعة النظام الرأسمالي ذاته.
مع مرور ما يقارب الستة أشهر على بدء الأزمة سمعنا أن هناك مؤشرات إيجابية على بداية خروج متواضع من هذه الأزمة يرتبط ببداية نمو يخالف التوقعات حول نسب الركود في أمريكا وأوروبا، ومع أن موضوع تجاوز الأزمة لا تقرره تصريحات من هذا النمط بل مؤشرات إقتصادية ذات طابع عملي يلمسها الناس في كل الدنيا إلا أننا سنتجاوز ونوافق على بداية دلائل تشير لذلك، ومن هنا يظهر السؤال الكبير ونحن نحتفل هذه الأيام بعيد العمال والقائل: لماذا يتضرر العمال في الدرجة الأولى من وراء نشوء هكذا أزمات؟ ولماذا حين يجري الحديث عن تشغيل مصانع أو بالأحرى إعادة تشغيلها أو تعويمها يربطون ذلك بالاستغناء عن نسبة من العمال يتم رميها في الشارع رغم بدل البطالة غير الكافي الذي يمنح لهم في بعض الدول المتقدمة إقتصادياً؟.
لا يخفى على أحد ان النظام الرأسمالي يقوم على فكرة جوهرية ترتبط بما يسمى فائض القيمة وهي باختصار ما يفيض عن حاجة العامل لاستعادة قدرته على الانتاج، أي بمعنى أوضح القيمة الزائدة عن حاجة هؤلاء لاستعادة قوتهم لاستمرار الانتاج. وقد تطور هذا المفهوم الضيق مع مطالبة العمال برفع قيمة جهدهم المبذول ونضالهم من أجل ساعات محددة للعمل بذات الأجر وبتحسين مستوى الدخل وظروف العمل وكلها يمكن تغطيتها من ذات فائض القيمة المشار إليه.
لقد مرت التجرية الانسانية بنتوءات تاريخية عديدة على صعيد تحقيق العدل ومن أجل مردود مناسب للجهد المبذول جسدياً وفكرياً ولاحظ المفكرون منذ أجيال عديدة وقبل ظهور النظرية الرأسمالية والاشتراكية أن تحقيق العدالة في الشأن الاقتصادي هو أمر غاية في الصعوبة والتعقيد وأن تحول المجتمعات البدائية إلى مجتمعات منظمة وظهور السوق المشترك والدول والقوميات لا يترك مجالاً لتحقيق ما تصبو له البشرية منذ القديم، ومن هنا جاءت ثورات وحروب لبست أثواب مختلفة دينية وقومية لكن جوهرها كان ما ذكرناه حول الاقتصاد وتحقيق العدل واستطراداً الصراع على الاستحواذ على الخيرات المادية.
إن بناء الحضارة التي نراها اليوم كان مستحيلاً بدون كدح العمال وسواعدهم والتزامهم بالقوانين الحاكمة لعملية الانتاج على الرغم من الظلم والعسف الذي لحق بهم سواء في عهد الرق أو الاقطاع أو الرأسمال وحرية العقد ومن ثم حرية انتقال هذا المال وتطوره المعولم ليصبح السلعة الرئيسية في السوق العالمي كما أسلفنا.
إن مناسبة كبيرة وعظيمة كعيد العمال العالمي تدفعنا للتفكير في كيفية تجنيب هؤلاء العمال الآثار السلبية الناجمة عن الأزمة وتحميلهم قدراً من العبء يتناسب مع مسؤوليتهم عن هكذا أزمة وهي كما نعلم جميعاً غير مسؤولة أي الطبقة العاملة عن أي جزء من هذه الأزمة.
إن مساهمة العمال في بعض التجربة الرأسمالية في تحمل أعباء المؤسسات التي يعملون بها عبر شراء بعض الأسهم والسندات لا تعني أنهم أصبحوا ملاكاً وأرباب عمل كما يحاول بعض المنظرين الرأسماليين إيهامهم حين يتحدثون عن اشتراكية من نمط خاص نجدها كما زعموا في أمريكا والسويد وغيرها من دول الوفرة والرخاء.
لم يساهم العمال في نهب ثروة الشعوب الأخرى ولا عادت عليهم الحروب والاستعمار بأي فائدة اللهم رشوة قدمها رأسماليوا هذه البلدان لعمالهم من أجل السكوت عن جرائمهم بزيادة في مداخيلهم هي حق لهم ومن فائض قيمة عملهم.
اليوم ونحن نحتفل بعيد العمال العالمي نستذكر بكل الحب والامتنان أؤلئك الثوريين الأوائل اللذين سطروا بدمهم ملحمة الانعتاق من ربقة الظلم والحرمان وفرضوا على أرباب العمل ساعات وأيام محددة وكذلك لتحصيل تأمين ومعاشات تقاعدية وغير ذلك من ميزات هي حق لهم، غير أن كل نضال هذه الطبقة وهؤلاء الطلائع لن تصل بالبشرية إلى يوتوبيا الحرية والعدالة ما لم يتحول العالم لنظام اشتراكي عادل ومنصف حيث لا ملكية خاصة لوسائل الانتاج الكبيرة وحيث الطابع الاجتماعي للعمل والانتاج لابد أن يترافق وينتج ذات الطابع الاجتماعي لملكية وسائل الانتاج وللأرباح الناجمة عن العمل البشري أو ما سميناه فائض القيمة أو القيمة المضافة.
الرأسمالية متوحشة بطبيعتها التنافسية الحادة والتزاحم رغم كل القوانين الكابحة للاحتكار في دول متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية ولذلك نجد أن أي أزمة دورية أو طارئة تصيبها تلحق أفدح الأضرار بالطبقة العاملة. صحيح أن هناك رأسماليون يخسرون ويعلنون إفلاسهم لكن لا أحد من هؤلاء يصيبه بالمعنى المعيشي والانساني ما يصيب العمال الذين تلقي بهم الأزمة في الشارع وتلحقهم بالفقراء والمعوزين، ويكون المأزق أشد هولاً ودماراً في بلدان فقيرة ومتخلفة وهي غالبية دول العالم وبالخصوص في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.
في هذا اليوم الأغر تهنئة من القلب لكل قلب نابض لعامل يعطي وطنه عصارة هذا القلب ويمنحه جهده باخلاص ومحبة وندعوهم في كل الدنيا لتوحيد جهودهم لدحر العولمة المتوحشة وإنهاء نظام العبودية بلباسه الرأسمالي ليتحول العالم حقاً إلى قرية وادعة يعيش فيها الجميع بسلام وبلا جائعين.
Zead51@hotmail.com